حكاية عميل الأغوار .. فصول الخسران بعد السقوط في مستنقع الخيانة

المصير الأسود الذي ينتظر عملاء الاحتلال الصهيوني؛ ليس له شكل واحد، إذ تتعدد صوره وتتنوع، لتلقي بأولئك الذي سقطوا ابتداءً في مستنقع الخيانة؛ في دركات الألم ومرارات الحسرة والندم، بعد فوات الأوان.
أحد هؤلاء الذين يتجرّعون كأس الخسران؛ عميل خدم الاحتلال طويلاً، وأفضى إلى الهاوية منبوذاً من الجميع بعد أن “انتهت مدة صلاحيته”، رغم تاريخه الممرغ بسجلات الخيانة.
قصته كشفت جوانب منها صحيفة “هآرتس” العبرية، في ثنايا تناولها لسلوك أجهزة الاستخبارات التابعة لسلطات الاحتلال مع عملائها. فالنكران والخذلان هو ما لاقاه، رغم أنّ الأمر يتعلق بعميل متمرس، ضالع في عدد لا يُحصى من العمليات في خدمة الاحتلال.
وفي حسابه تبرز خدمات خيانية، من بينها الكشف عن مكان اختباء عدد من الأسرى الفارين من سجن الرملة، وإرشاد قوات الإحتلال إلى أماكن المطلوبين الفلسطينيين، بل وتنفيذ عمليات اعتقال، وتضليل مقاومين لتسهيل اغتيالهم أو القبض عليهم، والمساعدة في إطلاق سراح عنصر بشرطة الاحتلال كان مقاومون قد أسروه، والكشف عن منفذي الهجوم على سيارة الوزير الصهيوني دافيد ليفي في حينه، وبيع أراض عربية في القدس والخليل للمستعمرين الصهاينة، وغير ذلك كثير.
أحد كبار العملاء
إنه رامي برهوم، أحد كبار العملاء، أو من يُسمون بالمتعاونين، ويُقال إنه كان يُطلق عليه لقب “ملك الأغوار” عندما كان في أوج “سطوته”، منتفعاً من عمالته التي غرق فيها حتى أذنيه، في سنوات الثمانينيات، وذلك بحسب محاميه الصهيوني، مناحيم مور، الذي كان هو الآخر أحد العاملين في الأجهزة الأمنية لسلطات الاحتلال لمدة ثلاثين سنة، ثم تعلّم الحقوق وغير مهنته، ليجد نفسه مع ملف أحد الذين سقطوا في شباك الاستخبارات منذ زمن.
أما اليوم، وعندما أصبح على حافة الخمسين من العمر، وتحديداً في جيل 48 عاماً؛ فقد بات هزيلاً ضامراً، مريضاً بالسكري والسلّ، وغير قادر على المشي لوحده، ويوشك على الموت في السجون الصهيونية، بدون أن يتحرك أحد لتقديم المساعدة من الذين خدمهم بدأب في المربع الاحتلالي.
وبعد أكثر من عشرين سنة، التقى برهوم ومور ثانية، بعد لقاءات سابقة لهما في خدمة مخابرات الاحتلال. وتطوّع مور لتقديم طلب لإطلاق سراح برهوم بشكل مبكر نظراً “لأسباب صحية”، إلا أنّ المحامي بدوره أصيب بعدوى داء السل.
ربط مصيره بالاحتلال
وُلد برهوم في أريحا لأبوين فلسطينيين اضطرهما عدوان 1967 إلى اللجوء إلى الأردن. وعلّمه عناصر الأجهزة الأمنية الصهيونية كيف يرضيهم بخدماته على حساب شعبه.
يقول إنه ربط مصيره بالكيان الصهيوني منذ مطلع سنوات السبعينيات. لقد زيّف بطاقات هوية من أجل التطوع في شرطة الاحتلال. ويقول إنه سمع ذات يوم أنّ خلية فدائية تكمن في بيّارة، فذهب متعقباً إياها. وعندما رآه المقاومون اعتقدوا أنه مجرد ولد صغير، وسألوه عن الطريق التي تؤدي إلى الحدود مع الأردن، فأشار إليهم بالجهة، وفوراً سارع إلى تقديم تقرير إلى قوات الأمن الاحتلالية. وتبيّن لاحقاً أنّ الخلية عبارة عن مجموعة الأسرى الفلسطينيين تمكّنوا من الهرب من سجن الرملة في ما عُرف بـ”الهروب الكبير”، وقد تم اعتقالهم وإعادتهم إلى السجن.
يقول برهوم “في تلك الأيام؛ كنت أقوم بعمل كتيبة كاملة، والجيش الإسرائيلي يعرف ذلك. كل الجنود من الأغوار إلى رام الله يعرفونني. كنت أدخل بيوت المطلوبين الأمنيين لوحدي لإقناعهم بتسليم أنفسهم بدلاً من إدخال قوات الأمن إلى المخيمات”.
خدمات الخيانة
وذات مرة؛ رفض أحد المطلوبين الفلسطينيين تسليم نفسه حتى لا يتهم بالتعاون في حال وافق على الخروج معه، فقام باعتقاله ووضعه بصندوق السيارة الخلفي بالقوة، وسلّمه لسلطات الاحتلال، وهنا يقول “بدلاً من أن يقدموا لي الشكر؛ كانوا ينوون تقديمي للمحاكمة بسبب وضع المعتقل في صندوق السيارة”.
وذات يوم؛ فرض رئيس الوزراء الصهيوني في حينه، إسحق رابين، على جيش الاحتلال عدم اقتحام أحد المساجد، حيث كان بداخله عدد من المطلوبين. وكانت أوامر رابين قاطعة في حينه بعدم الدخول إلى المسجد. وعندها قرّرت قوات الأمن الصهيوني في المنطقة التشاور مع هذا العميل. وفرح بدوره بالمهمة القذرة التي أُوكل بها، فاصطحب معه أحد المسنِّين الفلسطينيين ودخل المسجد، ولما اكتشف أنه لم يكن في الداخل أكثر من مطلوب واحد؛ انهال عليه بالصراخ بذريعة أنّ الناس يريدون أن يصلّوا الجمعة في المسجد، وهو بفعلته يمنعهم من ذلك. وأقنعه بالهروب من المسجد من شباك خلفي. وكان عدد من الجنود يراقبون المسجد من الجهة الخلفية، وعلى الفور باشروا بإطلاق النار فأصابوه، وكادوا أن يصيبوا برهوم أيضاً.
وبدوره؛ يشيد “مشغِّل” برهوم من جهاز “الشاباك” الصهيوني بأداء برهوم وخدماته، ويؤكد كل كلمة يقولها. ويضيف قصة أخرى؛ فيقول إنه عندما اختُطف شرطي الاحتلال حاييم نافون من قبل مجموعة من المقاومين في الأغوار؛ تم تخليصه بمساعدة “المتعاون برهوم”.
ويضيف برهوم مشيراً إلى الهجوم الذي تعرّض له الوزير الصهيوني في حينه، دافيد ليفي، أثناء مروره في طريق الأغوار، حيث أُصيب بجراح. وخلال نصف ساعة قاد برهوم قوات الأمن الاحتلالية إلى بيت منفذي الهجوم.
منعطفات السقوط
أما العام 1994، فقد حمل معه تحوّلاً هاماً في مجرى حياة برهوم. مع قيام السلطة الفلسطينية؛ طُلب منه أن يغادر أريحا، خشية أن يتعرض لانتقام الأسرى المحررين والناشطين في فصائل المقاومة الفلسطينية. فانتقل إلى مدينة القدس المحتلة مع زوجته وأولاده الخمسة، وتم منحه مواطنة صهيونية ورخصة لحيازة السلاح وسلاحاً شخصياً.
وبعد انتقاله إلى القدس؛ أسّس ذلك العميل لجنة للمحافظة على ما سُمي “حقوق المتعاونين الفلسطينيين”. وفي حينه؛ حظيت اللجنة بتغطية صحفية، الأمر الذي لم يَرُق لأجهزة الأمن الصهيونية، وهو ما حدا بجهاز “الشاباك” إلى تشكيل دائرة تعنى بشؤون “المتعاونين”. وفي هذه المرحلة تماماً؛ هجرته زوجته، وهربت مع عميل آخر. فلم تعد له أسرة تأويه.
السمسرة في خدمة المستعمرين
ومنذ انتقاله إلى القدس؛ عمل برهوم سمساراً في صفقات بيع الأراضي العربية في منطقة القدس والخليل، بالتعاون مع المستعمرين الصهاينة، وكان دوره مقتصراً على عدم إظهار عملية البيع لليهود. وجرى توريطه خلال ذلك في مخالفات تزييف واحتيال، بدءاً من سنة 1996، وحُكم عليه جراءها بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة.
وبعد سنة من دخوله إلى السجن، أي في العام 2005؛ تم فتح ملف آخر ضده يعود للعام 1996، بتهمة عرض تصريح دخول مزيّف على المحكمة العليا الصهيونية، كان قد مُنح له للدخول إلى قسم الشحنات في ما يسمى “جسر ألنبي”، وحُكم عليه جراء ذلك بالسجن لمدة ستة شهور فعلية إضافية. وعن ذلك يقول؛ إنهم تعمّدوا إضافة هذه الشهور الستة لإبعاده عن دائرة “تأهيل السجناء” التي لا يحظى بها من يُحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات فصاعداً.
الأوجاع والأمراض .. والجسد المتداعي
وخلال مكوثه في السجن الصهيوني منسياً من الجميع؛ تفاقمت حالته الصحية بسبب مرض السكري، وبدأ يفقد الرؤية.
وفي العام 2005؛ التقى المحامي، ورجل الاستخبارات الصهيوني السابق، مور، ببرهوم، في السجن للمرة الأولى، وكان ذلك في سجن الرملة. وعن ذلك يقول مور “جلسنا وتحدثنا طويلاً، كان يسعل طوال الوقت”.
بعد أيام من ذلك اللقاء؛ تلقى المحامي مور مكالمة هاتفية من برهوم يخبره فيها أنه تم اكتشاف داء السل لديه. ولاحقاً أثبتت الفحوصات الطبية أنّ العدوى قد انتقلت للمحامي أيضاً. وقد انقضت أحد عشر شهراً على برهوم وهو يقبع في قسم “السل” في المركز الطبي في سجن الرملة، حيث توجد عشر غرف في القسم، جميعها فارغة، ويجلس وحيداً لا يراه أحد ولا يرى أحداً، وحيداً منبوذاً، دون أن يجرؤ أحد حتى على مجالسته فضلاً عن “ملاطفته”، خشية العدوى.
وبحسب تقارير السجن؛ فإنه منذ أن تبيّن وجود داء السل لدى برهوم، في 27 أيلول (سبتمبر) 2005؛ تم تحويله إلى قسم السل لتلقي العلاج، إلاّ أنه يرفض تلقي العلاج الذي يرافقه ظواهر جانبية شديدة وقد تكون خطيرة.
وقد توقّع المحامي وبرهوم أن يتم إطلاق سراح الأخير بعد انقضاء ثلثي المدة. ولكنّ اللجنة المخوّلة بتخفيض ثلث المدة “لجنة الثلث”؛ رفضت تخفيضها بسبب ملفات تتصل بالعنف داخل أسرة برهوم منذ السبعينيات والثمانينيات، علاوة على ملف من العام 1998 جرى إلحاقه بسجله السابق، بالإضافة إلى مكوثه عدة مرات في السجن في فترات سابقة. كما لم يتم منحه أي فرصة للخروج في عطلة من السجن. ومن جهتها صادقت المحكمة المركزية الصهيونية على القرار بعدم تخفيض ثلث فترة الحبس.
عصفور في غرف العار
وطبقاً برهوم؛ فإنّ الفترات التي قضاها في ما سبق في السجن، تتصل غالبيتها بترتيبات مع جهاز المخابرات الصهيوني، حيث استُخدم لإسقاط المعتقلين السياسيين أثناء التحقيق في “غرف العار”، وهو ما يعرف بلغة السجون بـ”العصافير”. إلاّ أنّ فترة مكوثه هذه في السجن قد استُغلت كـ”ماضٍ جنائي” لمنعه من الحصول على تخفيض ثلث المدة، وهو ما يكشف عن مدى وضاعة الاستخدام الذي تدأب عليه أجهزة الاحتلال لتنفيذ مآربها ثم خلع القفازات المستخدمة في التنفيذ والإلقاء بها في سلة المهملات، وهي هنا زنزانة السجن بالنسبة لبرهوم.
ويقول برهوم إنّ سلطات الاحتلال “ناكرة للجميل في علاقتها مع المتعاونين (العملاء)، فهم يُعدمون في مناطق السلطة الفلسطينية”، وفي الكيان الصهيوني “يُلقى بهم إلى الشوارع وينامون في الحافلات”. ويرى أنه بسبب هذا التعامل لا يريد أحد أن يتعاون مع سلطات الاحتلال، “وبالنتيجة فقد مر 4 شهور بدون أي طرف خيط لمكان الجندي الأسير غلعاد شاليط”، حسب ما يس
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...