الإثنين 12/مايو/2025

حماس في السلطة وتقود المقاومة

محمد إسماعيل ياسين

 

راهن الكثيرون على فشل تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس في الجمع بين مقتضيات السلطة ومستلزمات المقاومة، وذلك منذ أعلنت الحركة قرارها التاريخي بالمشاركة في الانتخابات التشريعية التي كان من المفترض أن تجرى منتصف يوليو عام 2005 وأجُلت لنهاية يناير عام 2006، وعلى ما يبدو فشل الرهان ولم تفشل حماس بحكم الوقائع والحقائق الدامغة على الأرض، لاسيما في ضوء إعلان جناحها العسكري عن استشهاد ما يزيد عن الـ 100 من عناصره منذ انطلاق معركة “وفاء الأحرار” التي جاءت رداً على عملية “أمطار الصيف” التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب أسر الجندي جلعاد شاليط في الخامس والعشرين من حزيران الماضي.

كما توهمت إسرائيل من جانبها أن انخراط حركة حماس في مؤسسات السلطة الفلسطينية سوف يشغلها ويخفض من سقف نشاطها العسكري، وشاركت واشنطن ربيبتها ذلك الوهم، على أمل نجاح خطة تدجين فصائل المقاومة الفلسطينية باعتبار حركة حماس تمثل رأس حربتها في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي على الأقل من وجهة نظر إسرائيل ذاتها وحليفتها وكثير من المنصفين. بيد أن ذلك الوهم بددته حركة حماس التي حافظت من جانبها على هدوء نسبي مؤقت منذ قيادتها للحكومة الفلسطينية، عندما تساقطت صواريخ القسام التي ينتجها جناحها العسكري على البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، وعندما نجحت بالاشتراك مع آخرين في تنفيذ عملية بالغة النوعية والاحتراف شرق مدينة رفح جنوب القطاع، والتي أودت بحياة اثنين من جنود الاحتلال وأسر ثالث ما زالت تحتفظ به منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، ولذلك مؤشرات ودلالات مهمة.

إن الوقائع والحقائق الدامغة على أرض الواقع تشير إلى أن الرياح آتت بغير ما اشتهت سفن إسرائيل وحلفائها، حيث كانت خطة تدجين المقاومة الفلسطينية تضع في اعتبارها نتائج استطلاعات الرأي التي زخرت بها الصحف الفلسطينية عيشة الانتخابات التشريعية، والتي كانت تضع حركة حماس في المرتبة الثانية بعد حركة فتح، لكن نتائج الانتخابات قلبت حسابات الجميع رأساً على عقب كون حماس حصدت غالبية مقاعد البرلمان الفلسطيني، وأصبحت تقود السلطة دون الحاجة لأصوات نواب حركة فتح وغيرهم.

ولعل خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت خصوم حركة حماس تعززت بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على تولي الحركة سدة الحكم في الأراضي الفلسطينية دون أن تنجح الضغوط الدولية والحصار السياسي والمالي في انتزاع تنازلات منها، إضافة إلى عدم تنكرها لخيار المقاومة الذي رفعت رايته منذ انطلاقتها، بل وممارستها لأشكال المقاومة علاوة على ذلك.

الكثيرون قالوا إن الجمع بين مقتضات السلطة ومستلزمات المقاومة أمر صعب وشائك ومعقد، وهذا صحيح ولا جدال فيه، ولكنه أيضا ليس مستحيلاً، علاوة على أن حركة حماس منذ انطلاقتها تخوض أتون المواجهات على مختلف الصعد بما يخدم القضية الفلسطينية، مؤمنة بأن الطريق مفروشة بالعراقيل والتحديات الجسام والمحن الشديدة، لا بالورود والزهور والرياحين.

وقد يقول قائل إن حماس ربما نجحت في مواصلة قيادة المقاومة بعد توليها زمام السلطة، لكنها فشلت في قيادة السلطة، وهذا كلام غير موضوعي البتة، فكيف لنا أن نحكم بفشل الحركة دون الأخذ في الحسبان مجمل الضغوط والتحديات والعراقيل والمناكفات والتعقيدات التي وضعت في طريقها، فإن من يحكم بفشل تجربة حماس كمن يقيد إنسان بالسلاسل والأغلال ثم يطلب منه ممارسة عمله، وهذا غير منطقي وغير موضوعي على الإطلاق. ومع ذلك فإن حركة حماس لم تستسلم لمحاولات عزلها وجهود حصارها، وسعت لتجاوز كل العقبات التي وضعت في طريقها، حيث انطلق وزراءها في جولات خارجية لكسر الحصار وأمنوا دعم مالي كبير حالت جهود الإدارة الأمريكية دون دخوله إلى الأراضي الفلسطينية، كما أعادوا الدفء إلى علاقات عربية كانت باردة، وفي هذا مؤشرات ودلائل على قدرة حماس على أداء الأدوار المختلفة في المواقع التي تتوسدها، رغم تضافر الجهود الأمريكية والإسرائيلية والغربية والداخلية للحيلولة دون تمكنها من أداء مهامها بشكل طبيعي، رغبة من هذه الأطراف في استمرار الضغط على الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس وتوليد ضغط شعبي يؤدي إلى لفظ الجماهير لحركة حماس وهو ما لم يحدث حتى الآن.

عدا عن ذلك، فإن حماس أثبتت حنكة سياسية حين قلبت السحر على الساحر بجر الأطراف الأخرى في الساحة الفلسطينية إلى مربع مقبول لديها ولا يضطرها لتقديم تنازلات، عبر إحداث تعديلات محدودة ولكنها جوهرية على بنود وثيقة الوفاق الوطني، والتي باتت فيما بعد سلاحاً بيدهاً تطالب الأطراف الأخرى بالالتزام بها إثر ظهور بوادر تنصل منها عقب اعتراض واشنطن على محتواها.

كما لم تمانع حركة حماس فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية منذ فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية، مترجمة بذلك شعاراتها بالحرص على الوحدة الداخلية في مواجهة التحديات المفروضة على الشعب الفلسطيني، مبرهنة أيضا على وعيها وإدراكها بمتطلبات المرحلة الراهنة، حيث أنها لم تكتف بإجراء مباحثات لضم قوى سياسية وكتل برلمانية للحكومة على مدار المدة القانونية المتاحة، بل أعلنت عن فتح باب الحكومة أمام أي طرف يرغب في الانضمام إليها في أي وقت لاحق.   

وأخيراً تجاوبت الحركة بشكل كبير وأبدت مرونة واضحة حيال استئناف جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعدما ترسخت القناعة لدى الأطراف الأخرى بضرورة تشكيلها، ما يعني عودة هذه الأطراف إلى خيار حركة حماس الأول، وبذا يحق لحماس أن تفاخر بأنها شكلت أول حكومة وحدة وطنية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية حال الإعلان عنها، وذلك في إطار جهودها لفك الحصار الظالم وتخفيف حدة المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي مازال يحتضنها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات