اليمين الإسرائيلي ينهض من جديد

الغلبة لمن: للفكر الطارئ في حياة الأمم، أم للعمق التاريخي الديني المنغرس في نفوس الناس؟ يبدو أن الأفكار الطارئة تجد حيزا في أوقات الأزمات الثقيلة، لكنها لا تعمّر عندما تصطدم بتلك الحقائق أو الظنون التي تشكل القاعدة الأساسية للهوية التاريخية والتميز. هذا هو الإشكال الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه منذ أن قرر شارون التمرد على الذات والبحث عن مخارج لحل الصراع العربي_الإسرائيلي. وجدت إسرائيل نفسها بين طروحات تصل إلى حد الآيديولوجيا، وبين مواقف جديدة تتطلب هجران أبعاد دينية وقناعات غلب عليها التقديس.
قرر شارون الآيديولوجي المتزمت متأخرا أن يتنازل عن عرش الآيديولوجيا إلى عالم الفكر الذي يخضع الأمور للتمحيص والتدقيق والتحليل العلمي، ويحاول أن يوازن بين مختلف الخيارات. قرر أن يبحث عن حلول مع الشعب الفلسطيني خارج النطاق الآيديولوجي، فخرج من غزة وفكك المستوطنات العزيزة على قلبه والتي تشكل عنصرا أساسيا في نظرية التمدد الصهيوني، ثم انبرى لتشكيل حزب جديد متحملا تهمة الخيانة التي وجهها إليه صحبه الليكوديون.
حاول شارون أن يجعل من كاديما تجمعا لقادة إسرائيل المعروفين وذوي التأثير الشعبي الواسع، ذلك لكي يكون قادرا على طرح مبادرات سياسية يمكن أن تواجه انتقادات قيادات أقل شأنا وأضعف تأثيرا. لكن تدهور حالته الصحية أتت بأولمرت الذي لا يشكل أي نوع من الإلهام القيادي، ولا الأبعاد العلمية والأخلاقية والمنطقية التي يجب أن تتوفر في القائد. بدا جليا أن حزب كديما أخذ يترنح بعد شارون وأن مسألة بقائه متعلقة بالوقت أكثر مما هي متعلقة بأي عامل آخر. سارعت حرب لبنان من هذا العجلة، وقاربت كاديما من السقوط.
مع الاحتفاظ بالعوامل الأخرى التي ساعدت في نشوب الحرب، ظن رئيس وزراء إسرائيل أنه يستطيع أن يجعل من نفسه بطلا قوميا من خلال الحرب، وأن يصنع لنفسه صورة القائد العبراني التاريخي الذي ترقص حوله ملائكة الحروب. لم تأت النتائج على قدر التوقعات، فأطلت برأسها القيم العبرانية والصهيونية العتيقة، وعلا صوت المعارضة اليمينية التي شعرت بالهزيمة أمام كديما. وجد الإسرائيليون أنفسهم غير آمنين لأن النصر لم يكن حليفهم، وأذنوا لأنفسهم بالكثير من التفسيرات التي تراوحت بين غضب من الله إلى انشغال الجنود في التفكير في صديقاتهم المنتظرة في الحانات والبارات.
لكن المهم أن نظرية الأمن الإسرائيلي قد ضربت في الصميم من ناحيتين: الناحية الأولى أن جدلية الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ارتكزت على معيار الأمن، وأن اليهود سيعيشون حياة هانئة إذا استطاعوا إقامة وطن قومي لهم. رأى الإسرائيليون الصواريخ تنهال على رؤوسهم ووجدوا أنفسهم مضطرين للنزوح إلى أماكن أكثر أمنا أو للهجرة خارج البلاد. ومن الناحية الثانية، عجزت مكونات النظرية الأمنية الإسرائيلية الميدانية عن إثبات جدارتها بسبب النمط الحربي الجديد لحزب الله والوسائل القتالية المتاحة لديه. وإذا غاب الأمن في إسرائيل، فإن مبرر وجود الدولة يغيب. المعنى أن حرب لبنان قد أثارت أسئلة جديدة حول جدوى إقامة دولة إسرائيل، وذهب الحد ببعضهم ليسأل فيما إذا كان اليهود يتجمعون في فلسطين ليموتوا جماعة، وبذلك تتحقق نبوءة القذافي بدل نبوءة التوراة.
انخفضت شعبية أولمرت إلى الحضيض ومعها شعبية وزير دفاعه العمالي الذي كان يعتبر حمائميا، وبرز نتنياهو من جديد في استطلاعات الرأي العام كبطل قومي منتظر. لم يعد أولمرت قادرا على المضي في قيادة مهددة بالتحقيق من زاويتين: من زاوية نتائج الحرب ومن زاوية فضائح فساد من المنتظر أن يتم التحقيق معه حولها. حزب العمل المتحالف معه يعاني من أزمات داخلية بسبب إخفاق بيريتس في الحرب، وبسبب عدم التزامه أصلا في التعقل أثناء معالجة قضية الأسيرين الإسرائيليين، وسكين اليمين يتم شحذها للإطاحة به، فوجد أن في العودة إلى قواعده القديمة ملاذا قد يخفف عنه العذاب. والنتيجة أن ليبرمان الذي يعتبر متطرفا جدا في دعواته لطرد الفلسطينيين وقتلهم قد أصبح عضوا في الحكومة.
توقفت مبادئ حزب العمل التي ترفض مشاركة اليمين الإسرائيلي في الحكم عن الدوران، وصادق الحزب على الاستمرار في الحكومة على اعتبار أن وجوده سيخفف من غلواء حزب ليبرمان، ويمنع أولمرت من الانتقال علنا إلى اليمين المتطرف.
العنصر المهم في هذه التطورات السياسية في إسرائيل أن جمهور الناس يبدون راضين عن العودة إلى اليمين، وكثيرون منهم يستذكرون خطوات شارون الآن على أنها تدميرية. اعتاد الناس الانتصارات السريعة، ودائما خبروا حروبا تدور رحاها بعيدا عن تجمعاتهم السكانية، واعتادوا الاستماع إلى رجال الدين وهم يقولون بأن الرب يرعاهم ويحارب معهم. اختلفت الأمور هذه المرة، وقرر ربهم ألا يشارك، وقرر حزب الله أن يوسع نطاق المعركة. الناس في إسرائيل يعيشون الآن في مرحلة تساؤل، وبالتحديد حول نتائج المعارك القادمة بخاصة أن دولا في المنطقة وفصائل مقاومة تكتسب المزيد من القوة والحنكة والاتزان. أين هو مستقبل إسرائيل؟ يرى كثيرون الآن أن اليمين الإسرائيلي أكثر قدرة على المحافظة على الأمن، ويرون أن حكومات العرب التي تقيم سلاما مع إسرائيل تلعب في وقت قد فاتته جهود الرافضين في المنطقة العربية-الإسلامية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...