«الخليل».. ومسلسل من الاعتداءات اليهودية اليومية

صحيفة الوطن القطرية
تجمعت حشود المستوطنين المقيمين في الخليل التي تقع على بعد 30 كيلو متراً جنوب القدس وبدا عليهم مدى تعطشهم للدم وهم ينتظرون قدوم أفراد الجيش والشرطة الإسرائيلية من أجل تمكينهم من اقتحام منزل هاشم العاجز (44 عاماً) وهو فلسطيني يعمل في الأمم المتحدة ويقيم في بيت يقع قرب مستوطنة تل رميدة الإسرائيلية. كان هؤلاء المستوطنون في إحدى جولاتهم التي يقومون بها بصورة منتظمة مع كل نهاية أسبوع لتخويف الفلسطينيين وإجبارهم على الخروج والفرار من ممتلكاتهم من أجل الاستيلاء على المزيد من الأرض اللازمة لتوسيع مستوطناتهم .
من بين الشعارات التي كان يصرخ بها هؤلاء المستوطنون «اقتلوا العرب بالغاز» و«الموت للعرب» أخيراً حطم المستوطنون مدخل المنزل بالقوة بوجود قوات الجيش والشرطة ودخلوا إلى المنزل وعاثوا به فساداً وتدميراً. أنابيب المياه خارج المنزل دمرت تدميراً كما تم تسميم أشجار الكرمة وقطعت أشجار الزيتون .
داخل المنزل كانت الصورة أشد قتامة حيث تم تحطيم الأثاث وأجهزة الكمبيوتر والنوافذ وخزائن الملابس وتم إفراغ محتوياتها مع محتويات الدواليب ورميت على الأرض. الحمام الشمسي الموجود على سطح المنزل دمر بدوره كما دمرت أقفاص الحمام .
السيد هاشم دعانا لرؤية ما حدث حيث قام شقيقه الذي يقيم في منزل مجاور بتصوير هجوم المستوطنين. من أجل زيارة البيت نفسه توجب علينا أن ندخل عبر فتحات حيث تم إغلاق المدخل لأسباب أمنية .
رفع هشام دعوى إلى المحكمة العليا في “إسرائيل” للنظر في قرار إغلاق منزله تمهيداً لوضع اليد عليه وحاله بالتأكيد أفضل من حال الكثيرين غيره من الفلسطينيين الذين دمرت منازلهم وبساتينهم من أجل تشييد طرق للمستوطنين عليها أو من أجل تعزيز الأمن ولا يزال الكثيرون منهم ينتظرون التعويض الذي قرر لهم .
يقيم هاشم على هذه الأرض التي تعود لأسرته منذ ثلاثة أجيال واستطاع النجاة من أذى وضرر المستوطنين الذين يقودهم باروخ مارزل الذي يعتبر واحداً من أكثر قادة المستوطنين تطرفاً وهو ينتمي لحركة كاخ التي لا تتورع عن قتل العرب أو التهديد بقتلهم. وقد اعتقل مارزل أكثر من مرة من قبل الشرطة الإسرائيلية ولكن كان يعاد لإطلاق سراحه بعد اعتقاله بعدة أيام .
أيديولوجية حركة كاخ تدعو علناً لطرد العرب وإذا ما اقتضت الضرورة فبالإمكان قتلهم. وقد اعتبرت هذه المنظمة لاحقاً من قبل السلطات الإسرائيلية منظمة إرهابية وذلك عقب المجزرة التي ارتكبها الدكتور باروخ غولدمان وهو مستوطن وأحد أعضاء حركة كاخ في المسجد الإبراهيمي مما أدى إلى مقتل 29 فلسطينياً كانوا يؤدون الصلاة. تمت تلك المجزرة في شهر رمضان وتمكن المصلون الفلسطينيون بعدها من الإمساك به وضربه حتى الموت .
دفن غولد شتاين وأقيم نصب تذكاري له وأصبح مكان دفنه يقصده المستوطنون المتعصبون والمعجبون به. والغريب أنه قد سمح لمارزل بأن يرشح نفسه لخوض الانتخابات البرلمانية في “إسرائيل” .
تعتبر مدينة الخليل مقدسة لأتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلامية وأصبحت مكاناً للاحتكاك بين المسلمين واليهود حيث اشتبك اتباع الديانتين وأكثر من مرة عبر التاريخ من أجل الاستيلاء عليها لأسباب قومية ودينية أكثر الأماكن التاريخية شهرة في الخليل هي مغارة الكفيلا وضريح القديسين .
وحسبما يشير سفر التكوين في الإنجيل «اشترى إبراهيم عليه السلام هذه المغارة والأرض المحيطة بها من أجل دفن زوجته سارة». ويعتقد اليهود أن ليا ويعقوب وربيكا وإسحق وسارة وإبراهيم مدفونون فيها .
تشتهر مدينة الخليل بصناعة الزجاج وزراعة الكروم والأدوات المنزلية. الصدامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المدينة وحولها تمتد على مدى عقود .
ففي عام 1929 قتل 67 يهودياً على يد الفلسطينيين وأجبر بقية اليهود في المدينة على الخروج منها، قبل عدة أعوام أطلقت النار على أم يهودية وطفلها الرضيع مما أدى إلى مقتل الطفل وإصابة الأم بجروح بليغة مما أثار حفيظة المستوطنين ودفعهم للقيام بأعمال تخريب للممتلكات الفلسطينية. كذلك يتعرض المستوطنون باستمرار وعلى مدار سنوات طويلة لإطلاق النار عليهم من قبل الفلسطينيين ومع كل هذه الأعمال لا يمكن مقارنة الخسائر التي تلحق بالمستوطنين بتلك التي تقع في صفوف الفلسطينيين كونها أعلى وأشد إيلاماً .
يعود تاريخ المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الخليل إلى حرب الأيام الستة في 1967 عندما أقدمت مجموعة من المستوطنين الذين تنكروا في زي سياح أجانب يقودهم الحاخام موشيه ليفنجر بالاستيلاء على الفندق ورفضوا المغادرة. بعدها تركوا المكان وأقاموا في معسكر خال للجيش وأقاموا مستوطنة كريات أربع. بعد ذلك وفي 1979 قادت زوجة ليفنجر 30 امرأة يهودية واستولت على مستشفى دبويا الواقع في وسط الخليل. ولم يمض وقت طويل حتى أعطت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على إقامة جيوب يهودية في المدينة وتم ذلك طبعاً تحت حماية الجيش .
عملية توسيع الوجود اليهودي لا تزال مستمرة وهناك الآن أكثر من 20 مستوطنة يهودية يعيش بها حوالي 500 مستوطن وسط محيط فلسطيني يبلغ تعداد سكانه 170 ألف نسمة .
يقول المستوطنون وأنصارهم إنهم يعودون للسكن والإقامة في أماكن سبق لليهود أن أقاموا بها منذ قديم الزمان. مثل هذه الأقوال لا تجد من يؤيدها حيث تنظر الكثير من الحكومات الأجنبية إضافة للأمم المتحدة إلى الاستيطان اليهودي على أنه يعد خرقاً للقانون الدولي .
الكثير من الإسرائيليين ينظرون للمستوطنين على أنهم أناس متطرفون ويشكلون عبئاً على الدولة، وعلى الشعب الإسرائيلي. ويقدم نشطاء السلام الإسرائيليون والأجانب كل دعم ممكن للفلسطينيين المحاصرين في نهاية سبتمبر الماضي تجمع حوالي 200 من نشطاء السلام الإسرائيليين وتظاهروا ضد المستوطنين الراديكاليين منددين بسلوكهم وقد تم إجلاء هؤلاء النشطاء من المنطقة بالقوة من قبل الجيش والشرطة الإسرائيلية وأعلنت منطقة وجودهم منطقة عسكرية مغلقة .
إضافة لنشطاء السلام الإسرائيليين، يتلقى الفلسطينيون الدعم أيضاً من بعض المنظمات الدولية مثل فريق صنع السلام المسيحي الذي يوجد مقره في المدينة القديمة وقد بدأ هذا الفريق يقوم بدوريات لمرافقة الأطفال الفلسطينيين إلى المدارس لمنع مهاجمتهم من قبل المستوطنين. المستوطنون يكرهون أفراد هذا الفريق ما أن يقع أحد أفراده بيدهم إلا ويشبعوه ضرباً وركلاً .
هناك تعاون لا يخفى قائم بين الجيش والمستوطنين .
عاد حسين النتشة (44 عاماً) من عمله في بلدية الخليل إلى منزله الشهر الماضي ليجد أن المنزل تم احتلاله من قبل العديد من الجنود. أحد الجنود أخرج عدداً من الرصاصات من جيبه أمام حسين ووضعها في جارور في غرفة نومه وقال له «لقد وجدنا هذا الرصاص في منزلك وأنت الآن رهن الاعتقال بتهمة حيازة ذخيرة بصورة غير شرعية، حاول حسين الفرار ولكن تم إلقاء القبض عليه وأشبع ضرباً .
بعد وصوله إلى مركز الشرطة أخبر حسين بأنه سيتوجب عليه دفع غرامة قيمتها ألف شيكل (471 دولاراً) قبل أن يتم إطلاق سراحه. وإذا لم يدفع هذه الغرامة فإنه سيواجه عقوبة الحبس لمدة ثلاثة أشهر. أخبرت زوجة حسين بقرار الحكم ولكنها أجابت الشرطة قائلة «بأمكانكم الاحتفاظ به في السجن لمدة خمسة أشهر. إنني لا اهتم لحبسه». تصرف هذه المرأة الشجاع عني إن حيلة الشرطة الإسرائيلية لابتزاز المال منها لم تنطل عليها ولم تجد الشرطة بعدها بداً من إطلاق سراحه دون دفع الغرامة بالطبع .
أطفال الخليل يتحدثون باستمرار حول ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من ضرب وتعذيب وإهانة لأولياء أمورهم واعتقال لأشقائهم وتحطيم لأثاث منازلهم، هذا العنف انعكس سلباً على الأطفال حيث أصبحوا أكثر عنفاً وأكثر ميلاً للعدوانية ويقاتلون بعضهم البعض باستمرار .
عندما تحدث المشاكل يفرض حظر التجول على الفلسطينيين بينما يسمح للمستوطنين بالتجول بحرية وإطلاق يدهم في مهاجمة الفلسطينيين وممتلكاتهم. يحرم الفلسطينيون عادة من حرية الحركة في الأراضي المحتلة ويوجد هناك المئات من نقاط التفتيش التابعة للجيش الإسرائيلي وأقام الجيش الكثير من البوابات على الطرق إضافة لجدار العزل والخنادق. هذه الأشياء تحول دون تمكين الفلسطينيين من السفر أو الزيارة أو الوصول للمستشفيات أو المدارس أو إلى مزارعهم وأماكن عملهم .
تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 35% من الفلسطينيين في الخليل عاطلون ويعيش حوالي 75% منهم تحت خط الفقر. وتشير نفس الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي الفلسطيني تراجع بنسبة 27% في 2006. أعداد الفلسطينيين الذين يقتلون على يد الجيش الإسرائيلي في تزايد حيث قتل 177 فلسطينيا خلال الخمسة الأشهر الأولى من 2006 مقارنة بـ 223 فلسطينياً في عام 2005. الروح المعنوية للفلسطينيين لا تزال عالية وكل صغير وكبير منهم يصرخ ويقول «لن نغادر بلادنا أبداً».
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تُثمن حصار اليمن الجوي على دولة لاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إعلان القوات المسلحة اليمنية فرضها حصاراً جوياً شاملاً على كيان الاحتلال...

القوات المسلحة اليمنية تُعلن فرض حصار جوي شامل على إسرائيل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأحد، فرض حصار جوي على كيان الاحتلال الإسرائيلي، رداً على التصعيد...

منظمات أممية تعلن رفضها الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام رفضت منظمات أممية وغير حكومية، المشاركة في الخطة التي يستعد الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها في قطاع غزة بخصوص توزيع...

الاتصالات تُحذر من انقطاع الخدمة جنوب ووسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، مساء اليوم السبت، أنها ستُنفذ أعمال صيانة اضطرارية على أحد المسارات الرئيسية في قطاع...

الدويري: عمليات القسام برفح تمثل فشلا إسرائيليا مزدوجا
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن عمليات كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)-...

شركات طيران دولية تلغي رحلاتها لتل أبيب عقب قصف مطار بن غوريون
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركات طيران دولية، صباح اليوم الأحد، إلغاء رحلاتها إلى "تل أبيب"، عقب قصف مطار بن غوريون الدولي. وبحسب...

مؤسسة حقوقية: آلاف المعتقلين بسجون الاحتلال يواجهون عمليات قتل بطيئة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام يواجه الأسرى في سجون الاحتلال تصاعدًا غير مسبوق في عمليات التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، التي تمارسها الإدارة...