السبت 10/مايو/2025

مَن يحمي الفلسطينيين؟

مَن يحمي الفلسطينيين؟

صحيفة النهار اللبنانية

 
قد تكون العملية العسكرية الصهيونية الواسعة في غزة في وجه من وجوهها محاولة لرفع معنويات الجيش المنهار في لبنان ولإعادة الهيبة إلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي مرّغت المقاومة سمعتها في الأوحال في صيف هذا العام .

وقد تكون طريقة أخرى من قادة الكيان الصهيوني لامتصاص التناقضات السياسية الداخلية التي أطلقتها هزيمتهم المروّعة في لبنان وظهرت علائمها في توسعة الحكومة بإشراك حزب يهودي متطرف (إسرائيل بيتنا) فيها وتكليف زعيمه العنصري ليبرمان بحقيبة استراتيجية .

وربما كانت العملية شكلاً من الضغط الحاد على “حماس” والمقاومة الفلسطينية في عملية التفاوض على تبادل الجندي الإسرائيلي الأسير بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين قصد خفض سقف المطالب الفلسطينية. لكنها في كل الأحوال ليست بعيدة عن هدف أصل وأصيل في السياسة الإسرائيلية: تصفية المقاومة في المناطق الفلسطينية الخاضعة لسلطة الحكم الذاتي .

لم تحد “إسرائيل عن هذا الهدف الحاكم لسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية حتى حينما كانت “شريكاً” في عملية التسوية قبل ست سنوات. وكان الفصل الأخير من عملية التصفية المادية المسلّحة ما بدأته بعد أسر جنديها في نهاية حزيران الماضي من اجتياح وعدوان أُجبر على التوقّف الاضطراري بعد إقدام المقاومة اللبنانية على أسر جنديين صهيونيين لتنتقل ساحة المعركة حينها من قطاع غزة إلى لبنان. وإطلاق العدوان اليوم من جديد ليس أكثر من استئناف له. بيد أنه الاستئناف الذي يجد لنفسه من المقدمات وموارد القوة الموضوعية ما يبني عليه .

ما الذي يمنع “إسرائيل” من إطلاق هذه العملية العسكرية الواسعة في بيت حانون والدولة الأكبر “الراعية” لـ”عملية السلام” تمنحها الضوء الأخضر وتجيز لها العدوان إجازة مفتوحة تحت عنوان “حق الدفاع عن النفس”؟! وتستطيع “إسرائيل” دائماً أن تقتل وتدمّر وتنتهك القانون الدولي وتعلن – في الوقت نفسه – تمسّكها بما يسمّى “خريطة الطريق” لطمأنة سيدها الأميركي على ولائها لـ”رؤيته”؛ وأحياناً ما تبرّر حملات الاغتيال والاعتقال وتدمير منازل المناضلين وقصف مقرات المقاومة بأنه جزء من تنفيذ “خريطة الطريق” التي تنص على “وقف الإرهاب”، وأنه تنفيذ “أجبرت” عليه بعد أن عجزت عنه السلطة التي أُوكل إليها أصلاً .

وما الذي يمنعها – ثانية – من أن تفعل ذلك بحرية إذا كانت الأمم المتحدة غير مبالية تماماً بما يجري في المناطق الفلسطينية من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وللقرارات الدولية الصادرة عنها، والتي لم تكن تملك أن تتدخّل، ولو من باب إنساني، لفك الحصار الاقتصادي المضروب على غزة وإنقاذ مليون ونصف من البشر من المجاعة؟! وتُدرك “إسرائيل” أن درعها الأميركي يحميها من الأمم المتحدة إن حصل ودبّ فيها دبيب من شرف رسالتها الكونية مثلما حصل أثناء إعادة اجتياح الضفة الغربية واقتراف مجزرة جنين (وتلك كانت المرة الأخيرة التي تحرّك فيها ضمير الأمم المتحدة). وفي الأحوال كافة، “إسرائيل” مطمئنة إلى أن الأمم المتحدة سلّمت، منذ زمن بأن ملف فلسطين من “أملاك” السياسة الأميركية التي لا يجوز لها أن تطرحه للتداول – ولو لإصدار بيان من مجلس الأمن – دون موافقة البيت الأبيض أو مبادرة منه !

ثم ما الذي يمنعها من اقتراف جرائمها فيما “الاتحاد الأوروبي”، المنظور إليه كقوة دولية “مُنصفة” لحقوق الشعب الفلسطيني، لا يقوى على إبداء حراك في انتظار تفاهم في الموضوع مع الولايات المتحدة؟ أليس “شريكاً” في “الرباعية” وفي “برنامجها” السياسي (خريطة الطريق)؟ أليس متناغماً مع السياسة الأميركية في مواجهة “الإرهاب”؟ ألم يضع “حماس” وغيرها من فصائل المقاومة في قوائم المنظمات “الإرهابية”؟ ألم تشارك دوله في “اليونيفيل” لحماية الأمن الإسرائيلي على نحو ما ذكرت ميركل: مستشارة ألمانيا؟ ألم يساهم في الحصار الاقتصادي المضروب على الحكومة الفلسطينية لأنها متألفة من أعضاء في منظمة “إرهابية” لا تعترف بكيان “إسرائيل”؟

وأخيراً، ما الذي يمنعها من ذلك كله فيما دول المنظومة العربية – “حليف” الفلسطينيين افتراضاً – لا مبالية بأوضاع الفلسطينيين: أمنهم وقوتهم ومستقبلهم الوطني، ولا تنظر إلى سلاح المقاومة في فلسطين بأفضل مما نظرت إليه في لبنان، وأقصى ما تستطيع أن تردّ به على جرائم “إسرائيل” هو دعوتها إلى “السلام”؟ ثم أليست الدول العربية شريكاً في الحصار الدولي على الفلسطينيين ولا تجرؤ على تقديم مساعدات، بل الأقساط المستحقّة عليها بمقتضى القرارات العربية، للحكومة الفلسطينية؟

لقد أجرت “إسرائيل” تمريناً سياسياً على ردود فعل هذه القوى المختلفة، وما عساه تكون عليه مواقفها، لمناسبة حربها على لبنان والمقاومة اللبنانية، فتبيّن لها بأقطع الأدلة أن يدها ستكون طليقة أكثر في غزة إن كانت طليقة في لبنان. فالعالم من حولها – وهي تعتدي وتقتل وتنشر الخراب – إما موافق متواطئ، وإما متفهّم راضٍ، وإما شريك بالمشاعر “معارض” باللسان، وإما صامت لا مبالٍ وكأن حرب “إسرائيل” تجري في المريخ !

تلك دروس حصّلتها “إسرائيل” من حربها على لبنان: ليس للبنان مَن يحميه من العرب ومن أمم الدنيا غير أهله (مقاومته). ولعله الدرس الذي على الفلسطينيين وسلطتهم ومقاومتهم أن يحفظوه جيداً: إن أحداً في العالم لن يحمي الفلسطينيين من عدوّهم غير مقاومتهم. حين تكون في فلسطين مقاومة بشوكة “حزب الله” واقتداره تقف حدود الغطرسة الإسرائيلية في القطاع والضفة .

* كاتب مغربي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات