أهداف الحرب المعلنة على قطاع غزة وفرص تحقيقها

صحيفة الحياة اللندنية
منذ أسابيع والتقارير الإسرائيلية تشير إلى أن قطاع غزة بانتظار عملية عسكرية، بصرف النظر عن مداها ومستواها، فيما يقول الإسرائيليون إن العلمية الحالية ليست هي المقصودة، وإن ثمة أخرى كبيرة قادمة، مع التذكير بأن قرار إعادة احتلال القطاع كما حصل في الضفة الغربية في نيسان (إبريل) عام 2002، فيما عرف بعملية السور الواقي، لا يبدو متوفراً ضمن الظروف القائمة إسرائيلياً وفلسطينياً ودولياً .
يحدث ذلك نظراً لصعوبة تطبيق المعادلة القائمة في الضفة الغربية على القطاع، والتي تتلخص في نظام الاحتلال الديلوكس (الفاخر) الذي يأخذ ما يشاء من دون أن يدفع الكلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولا يعود سبب تلك الصعوبة إلى طبيعة القطاع الجغرافية واكتظاظه بالبشر فحسب، بل أيضاً لأن إعادة الاحتلال قد تنهي السلطة برمتها التي يشكل وجودها مصلحة للإسرائيليين، بصرف النظر عن بعض المكاسب التي تنطوي عليها للفلسطينيين، لاسيما لأهل القطاع الذين تحرروا جزئياً من سطوة المحتل في حياتهم اليومية .
في ضوء ذلك يمكن القول إن للعملية الحالية، والتي يمكن أن تأتي، جملة من الأهداف التكتيكية السريعة والأخرى الاستراتيجية، مع العلم أن تواصلها سيعتمد بالضرورة على جملة من العوامل من بينها النتائج الواقعية على الأرض، من حيث قدرة قوى المقاومة على الصمود وإيقاع الخسائر في صفوف العدو، إضافة إلى ردود الفعل العربية والدولية في ظل التصعيد القائم في العراق وأفغانستان وما ينطوي عليه من فشل قد يدفع واشنطن إلى تهدئة الساحة الفلسطينية .
هنا ينبغي التذكير بالفارق الكبير بين تجربة «حزب الله» في الجنوب اللبناني والواقع على الأرض في قطاع غزة، وهو واقع لا تكسره إرادة الصمود التي تتوفر على نحو فريد، والسبب هو بؤس الإمكانات العسكرية واللوجستية، ما يعني صعوبة تكرار ما جرى في لبنان، وإن توفرت فرصة الصمود وإيقاع قدر من الخسائر في صفوف العدو .
لا شك أن الحكومة الإسرائيلية في حاجة ماسة هذه الأيام إلى انتصار سهل وسريع في قطاع غزة يزيل ما علق في أذهان الجمهور الإسرائيلي بسبب الهزيمة في لبنان، لاسيما بعد انضمام المتطرف اليميني ليبرمان إلى الحكومة وحصول رئيسها إيهود أولمرت على فرصة أكبر للبقاء حتى نهاية ولايته، على أمل تثبيت نفسه كرئيس وزراء حقيقي، وعلى أمل أن يشكل ذلك محطة باتجاه تثبيت حزب «كديما» في الحياة السياسية الإسرائيلية. ويتبع هذا البعد بالتأكيد ما يتعلق بالمشروع الذي تأسس هذا الحزب على قاعدته، أعني الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة والضفة الغربية، وفرض الدولة المؤقتة ضمن حدود الجدار على الفلسطينيين، ومن ثم تحويلها إلى دولة دائمة لها نزاعها الحدودي مع جارتها، الأمر الذي ينتقل حله إلى أروقة التفاوض الدولية. من هذا المنطلق يتحدد البعد الاستراتيجي للعملية العسكرية في قطاع غزة، أعني العودة إلى مشروع الحل الأحادي، الأمر الذي لا يمكن أن يتوفر من دون إثبات نجاح شقه الأول في القطاع .
من الأهداف السريعة والآنية للعملية العسكرية في قطاع غزة ما يتعلق بالمساعدة في الوصول إلى الجندي الإسرائيلي المخطوف، وذلك من منطلق أن التحركات العسكرية ستضطر خاطفيه إلى تغيير مكانه، بما يسهل على جيش العملاء وأجهزة الرصد الوصول إليه، وهي قضية بالغة الأهمية من حيث دلالاتها المعنوية، وعلى رأسها حرمان حركة «حماس» من انتصار سياسي يتمثل في عملية تبادل للأسرى بصرف النظر عن تفاصيلها، مع منح خصومها فرصة القول إنها فرطت في عرض مصري كان بوسعه الإفراج عن بعض الأسرى، الأمر الذي يدخل في باب التشهير لا أكثر، لأن «حماس» كانت الأحرص على إتمام الصفقة، لكن العرض الإسرائيلي كان ولا يزال أكثر من هزيل .
هناك أهداف سريعة أخرى تتمثل في مطاردة ظاهرة الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب السلاح، فضلاً عن منع إطلاق صواريخ القسام، وهي صواريخ قليلة التأثير من الناحية العسكرية لكنها بالغة الإزعاج من الزاوية السياسية، الأمر الذي تعترف به معظم الدوائر الإسرائيلية، مع العلم أن «حماس» ليست الوحيدة التي تطلق الصواريخ بل تفعل ذلك جميع الفصائل، بما فيها «فتح» .
كل ذلك يدخل في إطار ضرب القوة العسكرية لقوى المقاومة، وتحديداً لحركة «حماس»، الأمر الذي يحقق بالنسبة للإسرائيليين جملة أهداف أخرى من بينها تسهيل الانقلاب الفتحاوي على الحكومة بعد توفير المزيد من القوة للحرس الرئاسي كما طالبت رايس قبل أسابيع، والنتيجة هي ترتيب الوضع في القطاع للخط الفتحاوي الذي تمثله مجموعة الرئيس محمود عباس، والذي يرفض كل أشكال المقاومة المسلحة .
كل هذه الأهداف التكتيكية تصب في خانة الهدف الاستراتيجي الكبير المتمثل في فرض الاستسلام على الفلسطينيين ودفعهم إلى التعامل مع قطاع غزة بوصفه منطقة محررة لا علاقة لها بالصراع على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وتحقيق هذا الهدف هو وحده الذي سيمكّن الحكومة الإسرائيلية من العودة إلى برنامج «كديما» وتنفيذ الشق الثاني من خطة فك الارتباط، والذي لن يتم من دون إخراج القطاع أولاً من دائرة الصراع، تليه مدن الضفة داخل الجدار، وصولاً إلى جعل النزاع مجرد ملف في الأروقة الدولية ليس إلا، كما كان هدف مخطط شارون والذي تأسس من أجله حزب «كديما». مع العلم أن مرور الخطة المشار إليها لن يتم إلا بعد إقصاء «حماس» من الحكومة، أو تخليها عن ثوابتها وقبولها بهذه المعادلة، أقله مرحلياً تمهيداً لإقصائها خلال جولة لاحقة أو عبر انتخابات أكثر ترتيباً من السابقة .
كل ما فعله شارون منذ إعلان خطة الانسحاب الأحادي الجانب عام 2003 كان يصب في هذا الاتجاه، لكن الخطة لم تنجح، ليس فقط بسبب فوز «حماس» في الانتخابات، وإنما أيضاً بسبب إصرارها على برنامج المقاومة وعدم إخراج القطاع من دائرة الصراع، ولذلك لا مناص من شطب تجربتها بعد ضرب قوتها العسكرية ووضع هذه المساحة «المحررة» بأيدي آخرين يمكنهم تمرير الخطة وقبول الدولة المؤقتة ولعبة تأبيد النزاع، وهو ما لن ينجح حتى لو أخرجت «حماس» من الحكومة. وفي أي حال فإن أحداً لن يتمكن من فرض هذه المعادلة على الفلسطينيين حتى لو آمن بها وسعى إلى تطبيقها بالفعل !
يبقى حديث التطورات الجديدة المتعلقة بحكومة الوحدة التي تبدو قريبة بعد التوافق على شخصية أخرى غير إسماعيل هنية، وإذا صح ذلك وتم رفع الحصار فسيكون الموقف معقولاً في مواجهة الهجمة الإسرائيلية حتى لو واصلت «فتح» سعيها المحموم لاستعادة السلطة. المهم أن يتم ذلك مع احتفاظ «حماس» بثوابتها التي هي ثوابت معظم الفلسطينيين في الداخل والخارج .
* كاتب من الأردن
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...