نتائج حرب لبنان تفجّر الخلاف بين وزير الدفاع ورئيس الأركان

ورغم أن الشكوك حول مستوى الزعامة في إسرائيل كانت قائمة منذ سنوات، إلا أنها ارتفعت إلى مستويات قياسية في أعقاب حرب لبنان الثانية. فالرجال الذين أخذوا على عاتقهم، في الحكومة والجيش، مهمة تحرير إسرائيل من الكوابح أوقعوا أنفسهم في أشد أزمات الثقة خطورة في تاريخ إسرائيل. تشهد على ذلك استطلاعات الرأي التي بيّنت أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين تكاد لا تؤمن بأي زعيم.
ومع ذلك فإن لأزمة الثقة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أهمية خاصة حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية شرحها مؤخراً بقوله إن الإسرائيليين يعتبرون أنه لا وجود لهم من دون قوة الجيش الإسرائيلي. وقد أظهرت حرب لبنان الجيش الإسرائيلي بكامل عناصر قوته وضعفه ولم ترضِ النتائج أحداً. وسرعان ما تراشق القادة العسكريون الاتهامات فيما بينهم وتبادل المستويان السياسي والعسكري تحميل الآخر مسؤولية ما جرى.
غير أن أبرز مظاهر الخلاف هذه تبدّت في سلوك كل من وزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حلوتس. وفيما كان الرجلان خلال المراحل الأولى من الحرب على خير ما يرام في تعاونهما سرعان ما دبّ الخلاف بينهما إثر تراكم المصاعب والفشل في تحقيق الغايات. وفيما أشار قادة عسكريون إلى أن الفشل نجم عن تدخلات الساسة في إدارة القتال قال القادة السياسيون إن الحكومة أقرّت كل الخطط التي عرضها الجيش. ولكن الخلاف كان يستند إلى خلفية أخرى تضعضعت فيها الثقة بين الطرفين. فقد أشار بيرتس، مثلاً، في أحاديثه مع مقرّبيه إلى أنه لم يكن يتخيل أبداً أن تكون إدارة الجيش على هذه الدرجة من السوء. وأشار آخرون إلى أنهم لم يتوقعوا أبداً أن يكون بيرتس على هذه الدرجة من السذاجة فيقع ضحية ألاعيب العسكريين وينفذ أوامرهم.
لقد راهن بيرتس، مثل آخرين، في الحكومة والجيش على تحقيق مكاسب من وراء الحرب، لكنه بخلافهم كان الأقرب إلى دفع الثمن جراء الموقع الذي جاء منه. فهو وزير الدفاع المسؤول رسمياً عن الجيش، وهو أيضاً الزعيم الاجتماعي الذي طالما نادى بالسلام سبيلاً إلى تحسين الوضع المعاشي للشرائح الدنيا في المجتمع الإسرائيلي. وربما، لهذا السبب، قاد الخلاف مع رئيس الأركان إلى مستوى يذكر بحالة <الزوج المخدوع>. فقد شعر أن الجيش، عبر رئيس الأركان، أجاد استخدامه فصار ينتظر لحظة الثأر.
وجاءت قضية جولة التعيينات الجديدة بين قيادات الفرق لتوفر له الفرصة. فمن بين قادة الفرق هؤلاء كان أربعة ممن قادوا الفرق التي حاربت في لبنان ولم تحقق بعضها الأهداف التي أوكلت إليها وبالتالي فشلت. وساهم في توفير الفرصة واقع أن هؤلاء الأربعة وقعوا تحت أنظار الجمهور بسبب تركيز الإعلام عليهم وعلى الإخفاقات التي أصابت أفعالهم. ولعب ضباط وجنود القوات الاحتياطية دوراً هاماً في إثارة الرأي العام الإسرائيلي على هؤلاء القادة جراء فشلهم في إدارة الحرب وعدم تحقيق النصر. وتركزت الأنظار، على وجه الخصوص، على قائد فرقة الجليل العميد غال هيرش الذي أظهرته الانتقادات كشخص بعيد عملياً عن التراث العسكري الإسرائيلي، وكمن أخفق في قيادة قواته.
وهنا ظهر بين السياسيين والعسكريين على حد سواء موقفان متباينان: واحد يرى أن ليس لإسرائيل سوى جيش واحد وأن عليها المحافظة عليه بمنع زعزعته، والثاني يرى أن قوة الجيش تكمن في إظهار العيوب ومعاقبة الفاشلين. وأوضح دان حلوتس وهيئة أركان الجيش، وربما بتأييد من رئيس الحكومة، إصراره على إبقاء القادة العسكريين الفاشلين في حرب لبنان بل وترفيع عدد منهم لضمان عدم حدوث هزة. ولم يرق الأمر لوزير الدفاع الذي أبلغ حلوتس أنه لن يصدّق جولة التعيينات قبل انتهاء التحقيقات في أداء القادة في الحرب.
ورغم إصرار الكثيرين على أن هذا الخلاف جوهري بين الرجلين إلا أنه في الواقع لا يخلو من الأبعاد الشخصية. فالحساب لا يزال مفتوحاً بين حلوتس وبيرتس وهو حساب ذو صلة لكل منهما بالمستقبل. فإن نجح بيرتس أمام الجمهور في إظهار أنه لم يكن لعبة بين أيدي الضباط فإن هذا قد يخدمه في الانتخابات الداخلية في صفوف حزبه. ولكن نجاحه يعني تعميق الهزة في صفوف الجيش وهو ما يمكن أن يعرّضه لحملة شعواء في الحلبة السياسية التي لا تزال ترى في استهداف الجيش وقيادته عملاً يهز أسس المجتمع الإسرائيلي.
أما حلوتس الذي تعرض للكثير من الانتقادات والإهانات بسبب فشل الجيش في تحقيق أهدافه في لبنان فيرى أن معركته الحالية هي معركة البقاء. إذ أن استمرار وجوده على رأس عمله يتيح له ترميم مكانته في صفوف الإسرائيليين من أجل أن لا يخرج من رئاسة الأركان وهو يحمل صفة فاشل.
غير أن هناك في إسرائيل من يراقب الخلاف بين الرجلين والمؤسستين ويقول في قرارة نفسه: المسألة أعمق بكثير. فالأزمة ليست بين شخصين، وليست بين مدرستين، وإنما هي أزمة عامة. قد تكون أحد أوجهها أزمة القيادة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

45 شهيدًا بمجازر إسرائيلية دامية في مخيم جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 45 مواطنًا على الأقل وأصيب وفقد العشرات - فجر اليوم- في مجازر دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدما...

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...