عاجل

الأحد 04/مايو/2025

الصهيونية اللاهوتية الجديدة.. النظام الإسرائيلي العقائدي الجديد

الصهيونية اللاهوتية الجديدة.. النظام الإسرائيلي العقائدي الجديد
الكاتب الإسرائيلي “أوفيرا سيلكتار”(Ofira Seliktar) سابقاً من جامعة حيفا ذكر “أن السياسة الإسرائيلية الحالية قد ارتبكت وحيرت المراقبين الأجانب منذ تولي بيغن السلطة عام (1977).
 
وبالرغم من أن تجمع الليكود بزعامة بيغن قد وصل إلى تسوية مع مصر ، إلا أن الليكود اتبع سياسة وقام بأعمال قد تعيق سير عملية السلام ، وذلك كالسير الحثيث لإنشاء المستوطنات ، وضم الجولان ، وتدمير المفاعل الذري العراقي ، وبالتالي غزو لبنان الأول والثاني ، الذي هيأ جواً لمذابح الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا ، ومذابح أخرى حديثة في قانا وأخواتها ، السؤال هو ، يقول سليكتار: “لماذا اختلفت سياسة تجمع الليكود (وقتئذ) عن سابقتها لحزب العمل الذي تولى السلطة منذ إنشاء الدولة وحتى عام (1977)؟ يقول الكاتب الإسرائيلي أن هذا التغيير يرجع لأسباب تخرج عن التفسيرات التقليدية العادية السياسية والدبلوماسية ، وتعود لبروز نظام عقائدي جديد في إسرائيل مبني على عنصر للايديولوجية الصهيونية غير معروف خارج إسرائيل ، ويعود لمشاكل الأمن الإسرائيلي وانعزالها العالمي.
 إن لب هذه “الصهيونية الجديدة” يدعمه الناخبون لأن قادة الليكود تعلموا توظيف سياسة خارجية تمس الأوتار النفسية الحساسة للأكثرية الإسرائيلية وهي السفارديم أو اليهود الشرقيون.

لقد ساد إسرائيل الحديثة في الفترة الأولى نظام عقائدي مبني على مزيج من الاشتراكية والايدولوجية الصهيونية ، والذي تطور تبعاً لتطور النفسية اليهودية في أوروبا في القرن التاسع عشر ، وخاصة نتيجة لتجارب اليهود في أوروبا الشرقية ما يسمى “الاستجدين Ostjuden” الذي ساد مناطق واسعة من روسيا القيصرية ، واخضع اليهود إلى اضطهاد مذل ، بعكس يهود غرب أوروبا حيث كان حالهم أفضل من حال جيرانهم ، حيث اندمجوا في مجتمع “الأغيار Gentiles” وتقبلوا أفكار الفيلسوف الألماني اليهودي “مندلسن Mendelssohn” بأن الاندماج الثقافي مع الآخرين يقضي على اللاسامية ، ويجعل اليهود متساوين مع الأغيار ، ويصبحون “عاديين”.
 
وبالرغم من ذلك ازدادت اللاسامية خاصة في فرنسا ، مما دفع “ثيودور هرتزل” رسول الصهيونية الأول وقادة آخرين للاعتقاد الجازم بأن اليهود لا يمكن أن يكونوا “محاربين” “واحراراً” “ومتساوين” طالما أن شتات (Diaspora) -الأَلفَي سنة – من أرض صهيون المفترضة ما زال قائماً. ولذا هيأ قادتهم عودة اليهود إلى فلسطين بحجة أن يهود العالم خارج “أرض الميعاد” هي ظاهرة اجتماعية غير عادية ، وستخلق اللاسامية ما لم يصبح اليهود “أمة كبقية الأمم”.

بعد أن أنشئت إسرائيل عام (1948) ، قام سادتها ، خاصة بن غوريون بالتأكيد على طابع السيادة والأمن للدولة الصهيونية ، وليس على الاشتراكية كما كان التفكير قبل إنشاء الدولة. إلا أن ازدياد الفساد والمادية في المجتمع الإسرائيلي أثناء حكم حزب العمل (1948 – 1977). أضر ضرراً بالغاً في الايديولوجية الاشتراكية. بيد أن التغير الكبير حدث نتيجة للأوضاع الاجتماعية والنفسية التي خلفتها حربي 1967 و 1973. لقد أصبح من الضروري إعادة تقييم القيم الصهيونية السالفة. كما أن احتلال الضفة والقطاع اظهر بوضوح التناقض بين الصهيونية الاشتراكية العلمانية ووجهة النظر الدينية لأرض إسرائيل ERETZ YISREAL – بتطبيق فكرة الاستيلاء على الضفة والقطاع (ما تسميه الصهيونية يهودا والسامرة وقطاع غزة) من نظرة لاهوتية إلى سياسة واقعية. لكن كان من نتائج فوز تجمع الليكود عام (1977) بزعامة مناحيم بيغن ظهور نظام عقائدي منافس صار يعرف بـ”الصهيونية الجديدة” ، هذا النظام هو مزيج من الصهيونية “التنقيحية” أو “المراجعة” REVISIONIST – اليمينية ، والتي برزت في العشرينات بقيادة حزب “حيروت” (الحرية) ، وأطراف من “حركة أرض إسرائيل”. انشأ “الحزب التنقيحي” فلاديمير جابوتنسكي” معلم مناحيم بيجن ، وكان صحفياً في مدينة أوديسا من أعمال مقاطعة اليوكرين في روسيا القصيرية. يؤمن “المراجعون” بأن معاداة السامية ، وفشل الاندماج هما اللذان أديا إلى ظهور حركة “القومية اليهودية” أي الصهيونية وهم كالصهاينة السياسيين يعتقدون بأن المشكلة هي مشكلة يهود ، وليست مشكلة الديانة اليهودية ، بل أنهم يؤمنون أن اليهودية كدين هي تراث تاريخي وقومي يمكن الاستغناء عنه تماماً.
ويتفق “المراجعون” مع هرتزل في تغليب الجانب القومي على الجانب الديني. وقد تأثر جابوتنسكي بأفكار “مازيني MAZZINI” و”غاري بالدي GARIBALADI” و”انزيو – ANNUNZIO” واضع نظرية الفاشية الإيطالية. وتأثر بالحركات القومية الأوروبية التي أقنعته بأن كفاح الشعب ومعاناته ودمه تبرهن على استحقاقه للحياة وإنشاء أمة ووطن. حتى بعد إنشاء الوطن اعتقد “جابوتنسكي” بأن واجب الأمة الكفاح من أجل حدود جديدة بغزو جديد ، كما برهن على ذلك تاريخ اليونان وإيطاليا،، إن اعتقاد المراجعين بأن الدولة تنشأ بحد السيف فقط قد احتواه شعار عصابة “الارغون تسفاي لئومي” والتي كانت مرتبطة بحركة “المراجعين” فقد تضمن هذا الشعار خريطة “أرض إسرائيل” بضفتي الأردن الغربية والشرقية ويد تحمل بندقية ، وفي الأسفل عبارة تقول: “بهذه الطريقة فقط – KACH RAK”،، يرى المفكر الإسرائيلي سيلكتار مار الذكر ، بأن فلسفة “جابوتنسكي” (المراجعين) تقول بأن التاريخ أعطى للشعب اليهودي حقاً (كذا) للأرض الواقعة على ضفتي الأردن. وقد نادى “جابوتنسكي” بتثبيت دعائم الاستعمار الاستيطاني عن طريق كل من الهجرة الجماعية والجهد الفردي ، وعارض هو وجماعته “أي المراجعون” ما يسمى “الصهيونية العملية” كتركيزها على النشاط الاستيطاني وحده ، وإهمالها النشاط السياسي والدبلوماسي . ودعا “جابوتنسكي” (الذي أسس حزبه عام 1925) لمساندة أية قوة إمبريالية لتنفيذ المخطط الصهيوني ، وبالتالي الارتماء في أحضان الاستعمار ، والقيام على خدمته ، حتى يسهل عملية تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين وإقامة الدولة. كما دعا “المراجعون” إلى استعمال العنف كأقوى وسيلة عملية للتعامل مع الفلسطينيين العرب ، على اعتبار أن التفاهم بين الشعبين مستحيل ، لأن المراجعين اعتبروا قيام السيادة الإسرائيلية على أرض إسرائيل التاريخية (أي ضفتي الأردن) بكاملها. وبالتالي يقول الكاتب “سيلكتار” بأن المراجعين يعتقدون بضرورة إنشاء جيش نظامي قوي للقتال من أجل “أرض إسرائيل”، خلال العقود الأولى لإنشاء دولة اليهود كان مذهب “المراجعون” مرفوضاً من الأغلبية الساحقة لشعب إسرائيل إلى أن بدأ بالظهور بتشكيل “حكومة وحدة وطنية” خلال حرب عام (1967) ، حيث حاول ايهود باراك إنشاء مثل تلك الحكومة. وكذلك أنشئت حركة أرض إسرائيل الكاملة من نفس العام (1967) من قبل خمسين شخصية عالمية سابقة ، ومن بينهم كتاب وشعراء.
 
وقد نقحت صهيونية “المراجعة” كما وصفها “اليعازر لفني E. LIVNEH”في كتابه “إسرائيل وأزمة الحضارة الغربية” والذي كان نفسه ينتمي إلى الصهيونية الاشتراكية التقليدية ، واشترك في إنشاء المجموعة العسكرية “الهاجاناه” والتي أصبحت جيش إسرائيل الرسمي. يقول “لفني” بأن حرب الستة أيام ، واحتلال الضفة والقطاع قد نبه الإسرائيليين إلى تقاليدهم الدينية القديمة وأوقف تطورهم ثقافياً نحو الاغيار (GENTILES) ، وأن حقهم (كذا،،) في السامرة ويهودا كما يقول “لفني” فريد من نوعه – SUI GENERIS ، ويجب أن لا ينظر إليه بالمقاييس السياسية التقليدية. فبينما كانت الصهيونية التقليدية تعتني “بجمع الشتات” فقط ، والحماية المدنية الأمنية ، إذ “بالمراجعين” بعد عام (1967) يهتمون بإنشاء الدولة اليهودية بحدودها القديمة التاريخية الدينية ، وأصبح إنشاء علاقات عادية بين الأمم والأمن نفسه وحتى الرغبة في السلام ، كلها أمور أقل أهمية وارتباطاً بالهدف الرئيسي.

يقول “اليعازر لفني ELIEAUR LIVNEH” في كتابه “إسرائيل وأزمة الحضارة الغربية” بأن التوراة لا تعتني بالسلم والحرب كقيم مطلقة ، وإنما كانا “أي السلم والحرب” معنيين دائماً بحتمية أكبر ، يعني الدولة اليهودية بحدودها القديمة.

***
 
ترتكز “الصهيونية العقائدية الجديدة” من الناحية الدينية “على إعادة تفسير التلمود” المصدر الرئيسي اليهودي الديني بعد العهد القديم ، بقيادة “الحزب الديني اليهودي القومي” (NRP) ، وجماعة “غوش أمونيم GUSH EMUNIM” المتطرفة حتى النخاع ، والتي تقف أيضاً وراء الحملة المحمومة للاستمرار في إنشاء المستوطنات وتوسيعها. إعادة التفسير هذا تعني بأن إنشاء إسرائيل بحدودها التاريخية “أرض إسرائيل” لا يعتبر فقط تحريراً قومياً ، ولكنها عملية مقدسة من أجل الوصول “للخلاص SALVATION”.

هذا الاعتقاد مبني على الخرافة اليهودية بأن “إله إسرائيل” وعد جميع أرض إسرائيل لأبناء إسرائيل. وبالتالي تقول هذه الخرافة البائسة أن التخلي عن “السامرة ويهودا” والقدس (يهودا) يعتبر “خطيئة أخلاقية” يخل بعملية “الخلاص” (كذا،،).

يستقي الإسرائيلي المعروف المدافع عن حقوق الإنسان “أمنون روبنشتاين” في كتابه “من هرتزل إلى غوش امونيم والعودة” ، من أقوال الكهنة القوميين قولهم بأنهم يُحلّون قتل المدنيين بمن في ذلك النساء والأطفال والأسرى خلال الحرب ، حتى لو كان ذلك مخالفاً للسياسة العسكرية الإسرائيلية أو القوانين الدولية ، كما أن الحملة الشرسة لإنشاء المزيد من المستوطنات فسرت على أنها حملة عسكرية ، ومن يخالفها يعتبر عدواً. أكثر من ذلك يعتبر الحاخام “إسرائيل هيس” من جامعة “بار ايلان” الإسرائيلية أن النزاع بين العرب واليهود ليس كأي نزاع عادي وإنما هو “حرب مقدسة”. أما الحاخام “اميتال AMITAL” من “غوش اتزيون باشيفا” ، فيعتقد بأن هدف الصهيونية الحقيقي هو تنظيم الشعب اليهودي ليصبح “الشعب المختار”. هذا الرأي يختلف في تطرفه حتى مع “الصهيونية المراجعة” لجابوتنسكي وبيغن وأتباعهما من المدرسة الحديثة.

ومن نافلة القول بأن النظم العقائدية تلعب دوراً أساسياً في تكوين السياسة الخارجية للدولة. وبالتالي فإن “الصهيونية الجديدة” تلعب دوراً واضحاً في ترشيد وتنفيذ السياسة الإسرائيلية الحالية. لقد دفعت هذه العقيدة الجديدة الزعماء الإسرائيليين لتوظيف تاريخ اليهودية في تحليل مضمون العلاقات الدولية. وبالرغم من أن “بن غوريون” نبه إلى المخاطر الجسيمة من أتباع التاريخ بطريقة عمياء ، إلا أن بيغن “شبه موقف الغرب تجاه إسرائيل كموقف” “نيفل شمبرلن” ، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في ميونخ ، وشبه منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات بألمانيا النازية وهتلر. وقارن قصف بيروت الجوي بقصف “درسدن” والمعارضين الإسرائيليين لغزو لبنان بتعريض تشيكوسلوفاكيا للدبابات النازية.

كل ذلك يعني استغلال عواطف الإسرائيليين ، وهو في نفس الوقت يلوًّن السياسة الإسرائيلية ، ويوهم الناس بأن ما يعتبره العالم الخارجي حقائق دولية يجب أن لا يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها الداخلية اللاهوتية التصوفية. كذلك فإن “الصهيونية الجديدة” تعتبر أي نقد للسياسات الإسرائيلية عملاً لا سامياً حتى لو جاءت من ساميين ، لا على أساس نقد موضوعي عادي. كما أن “الصهيونية الجديدة” تهدد قدرة إسرائيل على تحليل العلاقات الدولية تحليلاً عقلانياً ، وتبالغ كلياً في المشاعر اليهودية فيما يتعلق بالاضطهاد ، وتلقي ظلالاً كالحة على هذه العلاقات ، تماماً كنظرة العالم والمفكر الألماني “HOBBS هوبس” ، واضع نظرية علم السياسة الحديث. وبالتالي لا تترك هذه العقيدة الإسرائيلية الجديدة سوى فسحة ضيقة جداً للعمل بمبادئ العدالة والأخلاقية. وبالتالي فإن المحاولات الأميركية ، لو صدقت أصلا ، لأتباع سياسة “متوازنة EVEN HANDED” ، هذه المحاولة الأميركية تعتبرها الصهيونية “كخيانة” من أجل البترول العربي (كذا،،) تبعاً لذلك فإن العقيدة الإسرائيلية الجديدة زادت من التصميم على استعمال البطش والعنف لتسوية الخلافات السياسية.

هذه الروح العسكرية وسياسة “القبضة الحديدية” ليست فقط نتائج العقيدة الجديدة وإنما أيضاً إصرار اليهود على استلام زمام أمورهم ، بعد روح الاستسلام التي س

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

صاروخ يمني يستهدف مطار بن غوريون

صاروخ يمني يستهدف مطار بن غوريون

المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الإسرائيليين بجروح - اليوم الأحد- بعد سقوط صاروخ يمني على مطار بن غوريون وفشل منظومات الاحتلال في اعتراضه....