الإثنين 05/مايو/2025

اليهود في انجلترا العصور الوسطى

اليهود في انجلترا العصور الوسطى

مؤلفة هذا الكتاب هي الدكتورة زينب عبد المجيد عبد القوي مدرس تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب جامعة الزقازيق. وتأتي أهمية الكتاب الذي تقدمه والذي يمثل دراسة علمية شاملة في مجال موضوعه من أنه يمثل محاولة للتصدي لبعض الأساطير التي تحاول بعض الأوساط الصهيونية الترويج لها في سعى للتغطية على أكبر عملية سرقة في تاريخ الإنسانية المعاصر وهو سرقة أرض فلسطين العربية.

 
وتشير المؤلفة في سياق استعراضها لموضوعها إلى أن سرقة التاريخ وإعادة إنتاجه تعد أحد أهم الوسائل التي استخدمتها الصهيونية للترويج لهذه الأساطير، والتي كذبتها البحوث والاكتشافات الأثرية التي قام بها الإسرائيليون أنفسهم. وفي هذا الصدد تشير المؤلفة إلى أن هناك سيلا من الأكاذيب التي ترتدي ثوب التاريخ تتحدث عن اليهود في أوروبا ومعاناتهم لدرجة أن هناك فرعا من فروع الأدب اليهودي تم اختلاقه والترويج له و هو ما عرف « بأدب الشكوى » وهو نوع من الأدب يتحدث بشكل مأساوي عن معاناة اليهود في أوروبا خاصة في فترة العصور الوسطى. وعلى الرغم من أن الدراسات التي جرت حول هذا الموضوع في أوروبا و الولايات المتحدة ناهيك عن إسرائيل كثيرة جدا إلى درجة الغزارة إلا أن الدراسات العربية التي جرت حول هذا الموضوع قليلة تصل إلى حد الندرة ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة والتي حاولت المؤلفة من خلالها الاعتماد قدر المستطاع على المصادر والأدلة التاريخية الموثوق بها

وتثبت من خلالها زيف الدعاوى اليهودية وتكشف عن ندرة الوجود اليهودي في إنجلترا في المرحلة التي تدرسها على النحو الذي يقوض المزاعم اليهودية عن معاناة تعرضوا لها. كما تكشف عن أنه بالنسبة للفترات التي يبدو أنهم تعرضوا لبعض المشاكل فإن ذلك جاء في إطار ما يمكن اعتباره تبادل للمصالح مع النظام الحاكم.

 

في إطار الكشف عن هذه النتائج تعرضت المؤلفة بالدراسة لفترة زمنية هامة تمثل نقطة فارقة ومنعطفا تاريخيا هاما في تاريخ إنجلترا خاصة وتاريخ أوروبا عامة وهى الفترة التي تمتد من عام 1066 بداية الغزو النورماني على يد ويليام الفاتح والذي قام بتحويل انجلترا إلى تابع ثقافي لفرنسا الأمر الذي أفرز تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية هامة في التاريخ الإنجليزي، كان من أهمها قيام وليام الفاتح باستقدام اليهود إلى انجلترا إلى الفترة حتى عام 1290 و هي السنة التي تتوقف عندها هذه الدراسة.

تشير المؤلفة إلى أن هذه الفترة شهدت أحداثا جساما على المستوى الأوروبي من ناحية، فضلا عن أنها سبقت نهاية الوجود الصليبي في فلسطين بسنة واحدة من ناحية أخرى. وعرضت الدراسة لكافة جوانب اليهودي في انجلترا أثناء تلك الفترة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا .

تتناول المؤلفة حقيقة الوجود اليهودي في الجزر البريطانية في فترة ما قبل 1066م مستعرضة تأكيدات بعض المؤرخين المحدثين استنادا إلى ما يعرف بقوانين إدوارد «المعترف» – الملك قبل الأخير في الحقبة الأنجلوساكسونية (1042- 1066 ) – باعتبارها دليلا على وجود يهودي في تلك الفترة في ضوء ان الفقرة الـ ( 25 )

من هذه القوانين نصت على « يجب أن يكون معلوما للجميع تمتع اليهود في أي مكان في المملكة بحماية الملك ورعايته ولا يحق لأيا منهم أن يضع نفسه تحت حماية أي رجل ثري بدون ترخيص الملك لأن اليهود وكل ما يملكون ملكا للملك ، وإذا أقدم أي شخص على اعتقالهم والاستحواذ على أموالهم، فللملك حينئذ الحق في المطالبة بهم إذا أراد باعتبارهم ملكا للملك .

ثم تأتي الفقرة رقم ( 38 ) من هذه القوانين والتي تتعلق بالربا حيث جاء فيها « منع الملك إدوارد المرابين من البقاء في المملكة، و إذا وجهت لأي منهم تهمة أخذ فائدة يجب حرمانه من ممتلكاته ويعتبر خارجا عن القانون لأن الربا أصل كل الرذائل ».

وتعليقا على هاتين الفقرتين بصدد اليهود في قوانين إدوارد المعترف تستشهد الدكتورة زينب بأراء بعض المؤرخين الذين يرون أنه لا يمكن حسم ما إذا كانت تلك الإشارة الواضحة لليهود موجودة في أقدم نسخ هذه القوانين أم لا لأنها بهذه الصيغة تعكس وضع اليهود في ظل النظام الإقطاعي الذي لم يدخل إنجلترا بالشكل النهائي إلا بعد الغزو النورماني عام 1066 م ومن ثم يرجح هؤلاء إقحام هاتين الفقرتين على مخطوط النص الأصلي لهذ القوانين ويرجحون حدوث ذلك في عهد الملك هنري الثاني ( 1154- 1189).

في حين رأى البعض الآخر صحة الفقرتين وإشارتهما إلى الوجود اليهودي في تلك الفترة استنادا إلى حقيقة أن إدوارد قد عاش بالفعل فترة شبابه في نورماندي وكانت تربطه علاقة وثيقة بدوق هذه المقاطعة الفرنسية ، كما أنه صبغ إدارته و بلاطه في إنجلترا بقدر كبير من روح الحكومة النورماندية الأمر الذي يجعل تبنيه لمثل هذا التشريع أمرا ممكنا في ضوء التأثر بالنظم السائدة في فرنسا وأهمها النظام الإقطاعي و الذي جاء التشريع المشار اليه انعكاسا له نظرا لأنه كان يحدد وضع اليهود في فرنسا آنذاك .

و تتفق الدكتورة زينب مع وجهة النظر الأولى وتؤكد عدم صحة هاتين الفقرتين بصدد اليهود استنادا إلى أن واحدة من أهم و أقد المصادر المعاصرة في التاريخ الأنجلوساكسوني والتي تتناول الفترة من 1042 – 4511 م لم تتضمن الإشارة لهاتين الفقرتين في قوانين إدوارد المعترف مثلها في ذلك مثل كل مصادر تاريخ إنجلترا في العصور الوسطى. علاوة على ذلك فإن المراسيم الملكية التي تتضمن الامتيازات التي منحها ملوك إنجلترا لليهود بدءا من عهد هنري الثاني و انتهاء بعهد الملك جون لم تتضمن الإشارة لهذه القوانين.

وبعيدا عن الآراء المتضاربة حول الوجود اليهودي المبكر في المملكة فإن أول استيطان يهودي بإنجلترا يكتنفه الكثير من الغموض كما أنه من المحتمل وجود يهود أفراد في إنجلترا قبل عام 1066 م غير أنهم لم يكونوا يشكلون طبقة اجتماعية منظمة على عكس ما تحاول إثباته وتدعيه الصهيونية العالمية ولم تكن قوانين إدوارد «المعترف» هي الدليل الوحيد الذي اعتمدت عليه د. زينب في نفيها لوجود يهودي مبكر و بشكل يعتد به في إنجلترا قبل عام 1066 م بل أنها اعتمدت على العديد من الأدلة والأسانيد التاريخية و الأمثلة الأخرى التي تناولتها تفصيلا ضمن صفحات الكتاب.

ثم تنتقل المؤلفة من خلال دراستها هذه إلى تتبع التسلسل التاريخي لوجود اليهود في إنجلترا في الفترة بين عامي 1066 – 0921 م متناولة أحوال اليهود بداية في عهد ويليام الفاتح ثم تأثير الدعوة للحروب الصليبية عليهم والوضع القانوني لهم في ضوء موقف الكنيسة منهم انتقالا إلى فترة ازدهار وجودهم بالمملكة والامتيازات التي حصلوا ابتداء من عهد الملك هنري الأول و حتى عهد الملك جون وانتهاء بالمشهد الأخير للوجود اليهودي في المملكة والذي انتهى بطرهم منها على يد الملك إدوارد الأول.

وفي النهاية تخلص المؤلفة إلى نتيجة مفادها أن «المال ، الدين ، السياسة» .. تعد العوامل الثلاثة الرئيسية التي حددت ملامح طبيعة الوجود اليهودي في إنجلترا في العصور الوسطى خلال الفترة التي تعرضت لها هذه الدراسة و التي تعكس بشكل واضح دور الكنيسة الكاثوليكية في تردي وضع الجماعات اليهودية وما حاق بها من متاعب في ضوء الوضع القانوني لليهود بالمملكة والذي جاء في جانب منه نتاجا للسياسة البابوية ضدهم من خلال وابل من القرارات الكنسية التي أسهمت في إذكاء المشاعر المعادية لليهود و خلق مناخ عام من الكراهية ضدهم عمت معظم أنحاء أوروبا .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...