حماس و«إسرائيل بيتنا»

صحيفة البيان الإماراتية
عندما تولت حماس السلطة في فلسطين قامت الدنيا الأميركية والأوروبية ولم تقعد، فتعالت الأصوات التي تتهمها بالتطرف والإرهاب وفُرضت العقوبات على الشعب الفلسطيني ومنعت عليه المساعدات المالية الأوروبية والأميركية وحوصرت حدود غزة ومُنع دخول حتى الأغذية وأُغلقت بوابة رفح وتضاعف بؤس الفلسطينيين وامتنعت السلطات الإسرائيلية عن دفع الرسوم وبدل الضرائب المتراكم لديها لحساب السلطة الفلسطينية.
واتسعت حملة تجويع الشعب الفلسطيني، وبُذرت بذور الفتنة بين فصائله وأبنائه، وكان مبرر ذلك أن حماس حركة متطرفة إرهابية ترفض الاعتراف ب”إسرائيل” وقبول إملاءاتها، مع أن هذا التلخيص لموقف حماس هو تلخيص مبتسر منزوع من سياقه مزور ومصنّع ليخدم القهر الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وليموه ويبرر رفض “إسرائيل” لأي حل مهما كان (معتدلاً) للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقد حاول الجميع وضع حماس في الزاوية وإلزامها بالاعتراف ب”إسرائيل” قبل أن تعترف “إسرائيل” بأي حقوق فلسطينية، ودون أن تقبل السير خطوة واحدة في طريق الحل بما في ذلك تنفيذ خطوة واحدة من خارطة الطريق، وبدلاً من أن يكون الاعتراف ب”إسرائيل” نهاية المطاف والخطوة الأخيرة أصرت “إسرائيل” والولايات المتحدة وأوروبا (مع الأسف) على أن يكون ذلك الخطوة الأولى، أي أن حماس مطالبة بقلب سلم الأولويات وبالاستسلام المسبق ل”إسرائيل” وبالقيام بقفزة في فراغ قد تكسر الظهر، وما من عاقل يقبل مثل هذه الشروط بعد مئة عام من الصراع وأربعين عاماً من الكفاح المسلح.
وهكذا زورت “إسرائيل” والغرب الحقائق وقلبت المواقف وأخذت في الوقت نفسه تشكو حماس (الإرهابية) المعادية للتسوية والسلام، ولم تحرك عذابات الفلسطينيين وآلامهم وفقرهم وبطالتهم وجوعهم ومرضهم لا الضمير الأميركي (الحر) ولا الضمير الأوروبي (اليقظ) ولا حتى الضمير العربي والعالمي الذي لم يشعر بحرج ولا بخجل من منع وصول مساعداته إلى الشعب الفلسطيني، وتولى الإعلام الغربي والإسرائيلي تسويق (إرهاب) حماس حتى كاد يقنع الجميع بأنها حركة إرهابية بل جزء من الإرهاب العالمي.
من طرف آخر شارك أفيغيدور ليبرمان رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) بالحكومة الإسرائيلية، ولمن لا يعرف فإن معظم أعضاء هذا الحزب من المهاجرين الروس الذين قدموا إلى “إسرائيل” في ربع القرن الأخير مستفيدين من قانون الهجرة وهو أغرب القوانين التي صدرت في تاريخ العالم وفي أي بلد ومؤداه أن أي يهودي (أو من يزعم أنه يهودي) له الحق بأخذ الجنسية الإسرائيلية فور أن تطأ قدماه أرض (إسرائيل) وأتى المهاجرون الروس (وأكثر من نصفهم من غير اليهود) ووطئوا أرض (إسرائيل) فحصلوا على الجنسية والمواطنة فوراً وشكلوا حزباً من مبادئه طرد العرب من “إسرائيل” وهم فيها منذ مئات السنين وتهجيرهم إلى البلدان العربية المجاورة وزيادة عدد المستوطنات بل وتوسيع الاستيطان ليشمل فلسطين كلها.
وفي الوقت نفسه اقترح ليبرمان (وحزبه) قصف السد العالي (رغم اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية) ومؤخراً اقترح قصف المفاعلات النووية الإيرانية ونلاحظ أن برنامج حزب (إسرائيل بيتنا) وقح إلى الدرجة التي يوحي فيها وكأن أعضاءه يقيمون في “إسرائيل” منذ مئات السنين وأن العرب هم الغرباء المعتدون الطارئون، وزاد الطين بلة أن ليبرمان شارك في الحكومة بوزارة مهمتها تولي الشؤون الاستراتيجية (العدوانية) التي أقلها شؤون المفاعلات الإيرانية إضافة لتعيينه نائباً لرئيس الوزراء، ومع ذلك لم نسمع احتجاجاً واحداً لا من الأمريكيين ولا من الأوروبيين ولا من غيرهم على دخول هذا المتطرف الإرهابي الحكومة الإسرائيلية أو على هذيانه الإرهابي.
عندما فاز حزب يميني في النمسا قامت الدنيا الأوروبية ولم تقعد وهددت بمقاطعة الحكومة النمساوية واضطرت ذلك الحزب إلى التنحي عن السلطة، وعندما كان (لوبين) المرشح الثاني في فرنسا بمواجهة الرئيس شيراك ارتجفت أوروبا لصعود حزب متطرف، أما عندما شارك ليبرمان في السلطة وهو لا يخفي عنصريته ولا تطرفه ولا إرهابه صمت الجميع صمت القبور وكأن شيئاً لم يكن، ومع ذلك يحاولون إقناعنا بأن قلوبهم مع الشعب الفلسطيني وأنهم حياديون وذوو مواقف نزيهة تجاه القضية الفلسطينية، مع أن نفاقهم في الواقع لا يحتاج إلى دليل.
المفارقة الأخرى هي موقف حزب العمل الإسرائيلي الذي كان يقول دائماً إنه حزب يساري مع التسوية و(السلام) وراهن عليه بعض العرب وبعض الأوروبيين زمناً طويلاً وقد زعم أنه شارك في الحكومة الإسرائيلية لإيقاف الاستيطان وتشجيع عملية السلام وإقناعها بالتخلي عن سياسة الانكفاء داخل حدود من طرف واحد، فإذا به الآن يقبل أن يكون شريكاً مع ليبرمان الإرهابي المتطرف وتحت المبرر نفسه أي إيقاف الاستيطان وتشجيع السير في طريق التسوية وإقناع ليبرمان بقبول هذه الطريق، وهكذا يمكن تحقيق السلام وإيقاف الاستيطان بنظر حزب العمل قبل الشراكة مع ليبرمان وبعدها، والأمر برمته وفي حقيقته مبررات كلامية تخفي واقع هذا الحزب الذي قيل إنه معتدل وهاهو يشارك أعتى عتاة المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية.
من الواضح أن إيهود أولمرت أشرك ليبرمان في حكومته ليتفادى سقوطها السريع وألقى برنامجه وبرنامجها وراء ظهره وصار عنده الاستمرار في السلطة أهم من أي حل أو تسوية، وأن حزب العمل تهالك الآن وهرم وترهل وأصبح بدون برنامج وصارت السلطة ملجأه الوحيد لتفادي التفكك، ويبدو أن الجميع يخلقون دون أن يقصدوا الشرط الموضوعي لبنيامين نتنياهو لتولي السلطة وليصبح حزب الليكود عندها حزباً معتدلاً وقابلاً للحياة. إنها مفارقات السياسة الإسرائيلية الداخلية.
لم ينتقد الغرب الأميركي والأوروبي الحكومة الإسرائيلية عندما قررت ترسيم حدودها من طرف واحد ضاربة عرض الحائط بأية تسوية محتملة، وشجع عدوانها على لبنان ولم يحاول أن يثنيها حتى عن قتل المدنيين الآمنين وقصف الجسور والطرقات والمنشآت المدنية، وسكت عن رفضها الفعلي لخارطة الطريق أو لأية مبادرة تسوية، وها هو يسكت عن تطعيمها بإرهابيين متطرفين في الوقت الذي يحاكم فيه حماس على النيات ولم يكلف نفسه الاتصال بها ومعرفة برامجها ومواقفها ليعرف حقيقتها، ويحتج بمبررات وحجج لا تقنع أحداً، ويطلب من العرب أن يكونوا معتدلين، فكيف يستوي الاعتدال أمام كل هذه المواقف؟
كاتب سوري
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...