الأحد 13/أكتوبر/2024

ممنوع في كل مكان مسموح في إسرائيل

ممنوع في كل مكان مسموح في إسرائيل
صحيفة السفير اللبنانية 3/11/2006
 
 
هذه ظاهرة من السذاجة ان يفكر أحد بأن مجرد تكرار لفت النظر اليها، والكتابة عنها (بمقالات صحافية، او حتى مجلدات من الكتب)، يمكن ان يؤدي الى تحول لدى المسؤولين السياسيين في التعاطي معها. يستوي في ذلك المسؤولون السياسيون في الدول الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.

 فنحن منذ عقود من الزمن، وخاصة منذ هيمنة الامبراطورية الأميركية على النظام العالمي الجديد (نظام القطب الأوحد) نعيش عصراً باتت ذروة الحكمة السياسية (والواقعية والتعقل) بل ذروة العبقرية في الممارسة السياسية العملية فيه، إحناء الرأس في مجلس الأمن، وأروقة الأمم المتحدة وأي دائرة سياسية دولية او إقليمية او محلية، لأي رغبة يبديها صراحة، او يلمح اليها تلميحاً، اي مسؤول اميركي، حتى لو كان من الدرجة العاشرة. لأن التقاط الاشارات الاميركية الصادرة حتى عن صغار موظفي الادارة الاميركية، فيه <عبقرية> سياسية تشم رياح السياسة الاميركية القادمة، التي ستصدر في النهاية بقرار من سيد البيت الأبيض.

إذن، من السذاجة ان يكون غرض هذه السطور، المعبر عنه في العنوان، الطموح الى نتيجة سياسية ما، جل ما في الأمر، مجرد طموح بسيط الى لفت نظر طلاب وأساتذة العلوم السياسية، الباحثين عن مواضيع جادة ومثيرة، الى ظاهرة لا اعتقد ان السياسة الدولية في اي عصر من العصور قد عرفت مثيلاً لها: ظاهرة التشدد مع كل الدول الكبيرة والصغيرة في ثلاثة محظورات في مواثيق الأمم المتحدة: التسلح النووي، والعنصرية، والاحتلال، في مقابل التساهل مع دولة وحيدة في العالم في هذه المحظورات نفسها (إسرائيل)، وتشاء الصدفة أن تكون هذه الدولة تدين بوجودها الى قرار دولي.
ولا داعي، ولا مجال اصلاً في هذه العجالة، الى فتح الملفات الكاملة لكل هذه المحظورات في سجلات السياسة الدولية، في نصف القرن الأخير، يكفي تماماً إلقاء نظرة على المشهد الأخير، في كل واحد من هذه الملفات:

في مسألة التسلح النووي هناك دولتان في المنطقة التي تحمل في الخريطة الامبراطورية للكرة الارضية اسم <الشرق الأوسط الكبير>، على علاقة متفاوتة بهذا الملف. الاولى، إسرائيل، طورت منذ عقد الخمسينيات من القرن المنصرم طاقتها النووية، بمساعدة فرنسية وبريطانية، الى حد امتلاك عدد من القنابل النووية بقي حتى الآن سراً بين اسرائيل وحلفائها. ومع ذلك لا يُسمح لأحد، خصوصاً الضحايا المحتملين لهذا السلاح النووي (الدول العربية) بالاعتراض، او حتى إثارة الموضوع لفظياً، لأنه في القاموس الامبراطوري الاميركي للسياسة الدولية، يجوز لإسرائيل ما لا يجوز لغيرها، بحجة الدفاع عن النفس، بحيث اصبح حق الدفاع عن النفس في هذه المنطقة من العالم، وفي هذا القاموس، حكراً على إسرائيل وحدها.

أما الدولة الثانية، فهي إيران. ومع أن علاقة إيران بالطاقة النووية، ما زالت بحسب التقارير الدولية المحايدة، وحتى المنحازة ضد إيران، ما زالت في أطوارها الاولى التي لا تتجاوز إطار استخدام الطاقة النووية في اغراض سلمية، فإن كل السيناريوهات واردة ومعلنة في ملف إيران الاميركي، من شن حرب مباشرة، الى حدود التهويل بمناورات بحرية، كما يحدث الآن.

يلاحظ طبعاً، على هامش الملف، صمت عربي كامل عن الملف النووي الإسرائيلي، ومجاهرة بمخاطر الملف النووي الإيراني، وذلك ليس لسبب موضوعي تفرضه المصالح العربية العليا، بل لأن <العبقرية السياسية> في هذا الزمن تقضي بمسايرة رياح الرغبات الامبراطورية الاميركية.
? في مسألة العنصرية. هذا ايضا ملف حافل في السياسة الدولية، لا مجال لنبشه بالكامل، نكتفي بالمشهد الاخير الذي اصبح فيه ليبرمان وزيراً للشؤون الاستراتيجية في حكومة اسرائيل.

فإذا ضممنا الى افكار هذا الوزير، التي تجاهر بالتطهير العرقي الكامل ضد العرب في اسرائيل، وفي الاراضي المحتلة، السجل العملي لدولة إسرائيل منذ تأسيسها، ثم في مرحلة ما بعد احتلال 1967 سنجد أنفسنا امام ممارسات عنصرية اسرائيلية (فكرياً وسياسياً)، لا سابق لها في اتساع رقعتها الجغرافية، وامتداد زمنها، وتشعب آثارها في فلسطين (اراضي 48 وأراضي 67).

أما اذا أجلنا الطرف في الكرة الارضية بسائر أقاليمها، فلا يمكن ان نجد حكومة مسموح لها ان تمارس هذا النمط الشامل من العنصرية، دون ان تعرض نفسها لغضب معنوي ومادي شامل للمجتمع الدولي، وهو غضب لا يتوقف عملياً عند إصدار القرارات، بل الى التدخل العسكري الدولي لقمع الممارسات العنصرية بقوة السلاح، وجر المسؤولين منها الى المحاكم الدولية، من اصغر موظف، الى أكبر جنرال، الى رئيس الدولة (مثال يوغسلافيا السابقة).

وعلى هامش هذا الملف ايضاً، فإن المسؤولين العرب لا يتخلفون فقط عن القيام بأي فعل يحاصر العنصرية الإسرائيلية ويضغط عليها، بل يتسابقون لعقد اوثق العلاقات العلنية والسرية مع اسرائيل، وهي في ذروة تطوير وتوسيع ممارساتها العنصرية ضد اخوانهم عرب فلسطين، لأن <العبقرية السياسية> في هذا العصر، تقضي بمسايرة اسرائيل، مهما تعلت بغيرنا وبنا، طمعا في <احتمال> نيل الرضا الامبراطوري الاميركي.

? في مسألة الاحتلال. نكتفي هنا ايضا بالتحول الرئيسي في هذا الملف، الذي تكرس معه الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، فأصبح بعد اربعة عقود من الاحتلال يحمل اسما آخر هو <أمن إسرائيل>، وأصبحت مقاومة الاحتلال تسمى إرهابا. ومرة أخرى، يصبح الاحتلال الاسرائيلي، عزيزاً على قلوب المسؤولين العرب، وتصبح المقاومة أشد ما يبغضون، في السر بداية، ثم في العلن بعد ذلك، لأن العلانية في مثل هذه المواقف، دليل على ارتفاع مستوى <الذكاء السياسي>، وطريق الى الحصول على مزيد من الجوائز الأميركية.
ألا تثير هذه الظاهرة، على الأقل، دهشة واستغراب طلاب وأساتذة العلوم السياسية؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات