الأحد 11/مايو/2025

وزارات السلطة.. بين مطرقة الإقصاء الوظيفيّ وسندان التعيينات غير القانونيّة!

وزارات السلطة.. بين مطرقة الإقصاء الوظيفيّ وسندان التعيينات غير القانونيّة!

منذ أنْ شكّلت حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”، الحكومة الفلسطينية الحاليّة على إثر فوزها الساحق في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ، وهي لم تسلم لحظة واحدة من أعمال العرقلة الممنهجة، و”تكسير المجاديف” ووضع العقبات أمام جهود الإصلاح التي شُكِّلت الحكومة لأجلها.

ولم يقتصر الأمر عند حدّ وضع هذه العراقيل، بل تعدّتها إلى تلفيق الاتهامات لهذه الحكومة ، التي حظيت بثقة المجلس التشريعي لتصبح الحكومة العاشرة في عمر السلطة الفلسطينية، بقضايا كانت تعد السمة الغالبة للحكومات السابقة التي كانت تسيطر عليها حركة فتح.

ومن هذه التّهم ما يدَّعيه بعض رموز التيار الانقلابي في حركة فتح، وبعض من عملوا في الحكومات السابقة بأنّ الحكومة الحاليّة تمارس الإقصاء الوظيفيّ والتعيين حسب الانتماء السياسي والتنظيمي !. وعلى الرغم من تلك المحاولات اليائسة للصق هذه التهمة بالحكومة الحاليّة، إلا أنّ الشارع الفلسطينيّ يعي تماماً الحقيقة، ويعلم من كان يمارس الإقصاء الوظيفيّ من خلال قانون “السلامة الأمنية” سيئ الصيت والسمعة، والذي كان يفرضه جهاز الأمن الوقائي بقيادة محمد دحلان في غزة، وجبريل الرجوب في الضفة الغربية ، ويفهم أنّ هذه التّهم إنّما تذكر من باب المثل القائل: “ودتْ الزانيّة لو أنّ كلّ الحرائر زنين”…

ويبدو أنّ السحر انقلب على الساحر، وكانت إثارة هذه التهمة الباطلة بحقّ الحكومة الحاليّة بقيادة حركة حماس، الباب الذي فُتِح على مصراعَيْه لكشف ما كان مستوراً من ملفات فسادٍ في ظلّ الحكومات السابقة.. وبات من يلقون التّهم جزافاً بحقّ الحكومة الحاليّة يتحسّبون من نشر ملفات الفساد هذه التي تفضح الأمور وتضع كلاً عند حدّه ، مما يدفعهم إلى عرقلة أي جهد يبذل للوصول إلى توافق بين حركتي حماس وفتح لتشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة وثيقة التوافق الوطني.

 

إقصاءٌ وظيفيّ لمدّة 12 عاماً!

فمنذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، عمدت قيادة حركة فتح في مواقعها الأمنية والحكومية على وضع شروطٍ خاصّة للتوظيف في السلك الحكوميّ حتى يمكّنها من ناحيةٍ توظيف أعضاء “فتح” والمحسوبين عليها، ومن جهةٍ أخرى إقصاء الآخرين وبالأخصّ أعضاء وأنصار حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مهما كانت كفاءاتهم وشهاداتهم العلمية . وهذا أمرٌ تتحدث عنه الأرقام والأحداث. لذلك رُكِّزَ عمّا يسمّى بـ”السلامة الأمنية” في الوظائف في عمليّة لإضفاء الشرعيّة والقانونيّة على نهج الإقصاء الوظيفيّ.

فلم يكنْ أحدٌ يستطيع أنْ يحظى بوظيفةٍ مهما كانت بساطتها أو درجتها دون أنْ يخضع للفحص الأمنيّ، بل وكثيرٌ من المتقدّمين للوظائف رُفِضوا ليسوا لأنهم من حركة حماس، بل لأنّ لهم أقارب ناشطون في “حماس”!.

وعلى الرغم من ذلك لم تقمْ حركة حماس بشنّ حملات وفعاليات ضدّ سياسة الإقصاء الوظيفي والمؤسساتي؛ والذي كانت تمارسه أيضاً الجهات المتنفّذة في السلطة الفلسطينية ، وتتحدّث باسم حركة “فتح” دون رقيب، فلم يكنْ أحدٌ يستطيع إقامة جمعية أهلية دون الخضوع للاشتراطات نفسها.

12 عاماً عانت فيها أجهزة ومؤسسات السلطة، المدنية والأمنية، من التخمة الوظيفية لأنصار ومنتسبي “الحزب الحاكم”، حتى باتت السلطة سلطة “فتح” فحسب، فيما كان أنصار وأبناء المعارضة الإسلامية “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ” خارج سياق الحسابات الوظيفية والعمل المؤسساتي الرسميّ.

فهناك الآلاف من أنصار وأبناء “حماس” و”الجهاد” حُرِموا الوظيفة الرسمية تحت نص قانون “السلامة الأمنية” الذي سمح حتّى للعملاء والفاسدين بالتغلغل في كافة ثنايا وزوايا السلطة، ولم يطبّق الإقصاء الوظيفيّ سوى على المجاهدين الذين باعوا أرواحهم رخيصةً فداءً لدينهم ووطنهم وقضيتهم.

الأخطر من ذلك أنّ الموظّف الذي تثبت علاقته بأيٍّ من الحركَتَيْن، أو التعاطف معهما، كان يتعرّض للفصل أو التضييق. وقد شهِد العديد من المواطنين الفلسطينيّين على حالات الفصل التعسفيّ بذريعة التعاطف أو الانتماء، ما يؤلم القلب ويغرس في الإنسان مشاعر الاغتراب داخل وطنه وفي ظلّ سلطته “الوطنية”!!.

 

وشهد شاهدٌ من أهلها..

وما أثار موضوع الإقصاء الوظيفيّ في الحكومات السابقة حالة التجييش والتحشيد التي مارسها البعض ممّنْ ينتسبون لحركة فتح ، وأراد أنْ يسوق على الشعب الفلسطينيّ نداءه لرفع لواء الإصلاح ومنع الإقصاء الوظيفي، متّهماً الحكومة التي شكّلتها “حماس” بممارسة عمليات الإقصاء الوظيفيّ ضدّ كوادر “فتح” في الوزارات والمؤسسات الحكومية، والتي – حسب مسؤول التعبئة والتنظيم في فتح عبد الله الإفرنجي- تضمّ 90% من كوادر حركته .

هذه النسبة وحدها كافيةٌ لتبيان حقيقة الفرز الوظيفي الذي مارسته “فتح” على أساس الولاء الحزبيّ والتنظيميّ وارتهان لقمة العيش للموقف السياسي والاصطفاف الفئوي بعيداً عن أيّ معيارٍ مهنيّ أو قيمة أخلاقية أو اعتبار إنسانيّ، فيُطرح السؤال التالي: “منْ إذنْ مارس ويمارس الإقصاء الوظيفي؟”!.

 

حماس ترفض سياسة الإقصاء الوظيفي..

وعملت حركة حماس خلال 12 عاما من عمر الحكومات التي شكلتها “فتح” على التحذير من مغبة الاستمرار في سياسة الإقصاء الوظيفي باعتبارها تهدد الوحدة الوطنية وتنذر بإشاعة الفوضى والظلم، ودعت “فتح” والحكومة إلى وضع حد لكل أشكال القهر الوظيفي والقيود الأمنية القائمة على الفئوية والمحسوبية والحزبية، حفاظاً على تصليب الجبهة الفلسطينية في مواجهة الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً.

وقالت “حماس” في بيان لها وجهته للرأي العام بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 2005م بعد الانتشار الواسع لممارسات القهر الوظيفي التي تمارسها مؤسسات ووزارات في السلطة الفلسطينية بحق أبناء الحركة ومناصريها ولوضع شعبنا في صورة ما يجري وما يمكن أن تؤول إليه الأمور جرّاء هذه الممارسات التعسفية التي تتهدد الوحدة الوطنية وتنذر بإشاعة الفوضى والظلم “.

وضربت الحركة بعض الأمثلة على هذه السياسة المقيتة بالقول: “ بعد ترقية مجموعة من أبناء الحركة لوظائف متقدمة في وزارة التربية والتعليم نظراً لعوامل الخبرة والكفاءة واجتياز الاختبارات اللازمة بتفوق يتفاجأ الجميع بحجب تلك الترقيات عنهم وتقديم من هم أقل خبرة وكفاءة لا لشيء إلا استجابة لتوصيات جهاز أمن المؤسسات القائمة على حسابات فئوية ضيقة وترصد مبيت لأبناء الحركة ومناصريها.

كما قامت الوزارة بإخلاء مدراء المدارس من مناصري الحركة من وظائفهم كمدراء لصالح مدرسين من جهات سياسية أخرى، وقيام الوزارة بنقل تعسفي لبعض المدرسين من مناصري الحركة دون إبداء الأسباب!

ويكاد ينسحب هذا السلوك القهري على بقية الوزارات، كوزارة العمل التي كلفت إقليم فتح في محافظة جنين بتوزيع خمسة آلاف فرصة عمل في المحافظة، مما قصر هذه الوظائف على أعضاء فتح ومناصريها وحرم الآخرين منها، وحين تمت مراجعة الوزارة حول هذا التصرف الظالم طالبت الوزارة حركة (حماس) بتقديم عشرة أسماء لتوظيفها!

ووزارة الحكم المحلي التي تكيل بمكاييل مختلة في توزيع المشاريع على المجالس البلدية، وكأن هوية الاتجاه السياسي الفائز بالبلدية هي معيار التوزيع عندهم!

إن ما ذكر من أمثلة هي مجرد نماذج للتدليل على هذا السلوك الفئوي الظالم، وإلا فإن المظالم التي تصلنا كثيرة، ولم نكن لنصدر مثل هذا البيان واضعين الرأي العام في صورة هذا المنهج الفئوي الضيق المسيطر على العقلية المتنفذة في السلطة الفلسطينية إلا بعد امتناع الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية عن التجاوب مع مراجعاتنا العادلة لها “.

وقال البيان “إن الذين يطالبون بوحدانية السلطة يحيلون هذه السلطة إلى مكتب تنظيمي لخدمة جهة سياسية معينة من أبناء الشعب الفلسطيني، وكأنهم سلطة وحكومة لجهة دون أخرى، أو كأن الدعم المقدم لهذا الشعب عبر السلطة ومؤسساتها يأتي لطرف معين دون بقية شرائح وفصائل وتيارات الشعب الفلسطيني المرابط! “.

وأضاف قائلاً “ إن الاستمرار السافر في هذه الممارسات هو إخلال بتعهدات أبي مازن بإلغاء إجراءات التوظيف على أساس الانتماء السياسي، فضلاً عن خلوها من المعايير الأخلاقية العادلة، وتجييرها سياسياً لخدمة أهداف حزبية خاصة “.

واختتمت الحركة بيانها بالقول “ إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا يمكن لها إلا القيام بواجبها تجاه شعبنا لوضع حد لهذا الظلم الفاضح عبر الفعاليات المتاحة على الأرض لثني هؤلاء المتنفذين عن سلوكهم المرفوض.

كما أننا نطالب عبر هذا البيان كما طالبنا في كل اللقاءات الخاصة والحوارات الثنائية والجماعية المتنفذين في السلطة الفلسطينية ، وضع حد لكل أشكال القهر الوظيفي والقيود الأمنية القائمة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات