الجمعة 02/مايو/2025

ضحيّة تعوّض جلادها

ضحيّة تعوّض جلادها

 

صحيفة الخليج الإماراتية

فصل آخر جديد من دراما اللجوء يقفز الآن إلى المشهد، هو مطالبة منظمة حقوق اليهود العرب بتعويضات تصل إلى مائة مليار دولار عن ممتلكاتهم في البلاد العربية التي هاجروا منها.

وهذا التوقيت بحد ذاته ذو مغزى سياسي كبير، المقصود به خلط حابل التهجير الفلسطيني بنابل الهجرة اليهودية، وكأن هذه الدراما ذات خط طول يتقاطع مع خط العرض، ويصبح الفلسطيني المعتدى على آدميته وهويته وأرضه ومجمل كينونته مطالباً بتعويض جلاديه لكن من خزائن عربية تخصه بشكل أو بآخر، بل كانت حتى وقت قريب من احتياطياته الاستراتيجية في الصراع.

ولا ندري حتى الآن كم هي خسائر الفلسطينيين خلال ما يقرب من الستين عاماً بسبب السطو واللجوء والقتل والتدمير؟ وكم هي المليارات التي يمكنهم المطالبة بها كتعويض أولي عن هذه الخسائر.

إن هذه الأطروحة السياسية الماكرة التي لجأت إليها الدولة العبرية هي بمثابة المصادرة على المطلوب حسب تعبير أهل المنطق، لكننا نعيش زمناً لم يودّع المنطق فقط، بل ودّع المنظومة القيمية كلها، وكسر جرة فخار وراء آخر ضمير مهاجر.

ومن يعوض مَنْ؟ وفق هذه الرياضيات التي تجاوزت الحداثة إلى ما بعدها والتاريخ إلى ما تبقى من ضواحيه من غبار الحروب الإبادية.

إن هذا المطلب “الإسرائيلي” يأتي ضمن سياق ما يسمى الآن الحروب الاستباقية، وذلك انسجاماً مع نظرية العدوان الوقائي، لكن العالم تلقح خلال السنوات الخمس الأخيرة ضد هذا الفيروس السياسي، ولم يعد قابلاً مثلما كان لتقبل معادلات معكوسة، منها بل في مقدمتها إدانة الضحية، وتحميلها وزر العدوان.

أليس هذا شبيهاً إلى حد كبير بحكاية شعبية عن الاستعمار البريطاني في فلسطين، عندما طالب عدد من الجنود إحدى العجائز الفلسطينية بتعويضهم عن الوقت الذي بددوه في التهام دجاجاتها وما ادخرت في خابية قديمة من الزيت؟

إن هذه المناسبة نموذجية بالنسبة للعرب كي يتقدموا بقوائم تشمل خسائرهم خلال أكثر من نصف قرن، وهي ليست فقط خسائر الدم والتهجير وتدمير البنى التحتية فقط، فالخسائر غير المنظورة والعصية على الحسابات المادية التقليدية لا تحصى، منها مثلاً الإعاقة عن التطور، وإعادتهم عقوداً إلى الوراء بحيث باتوا يعانون من مديونيات حضارية ومدنية، تريد “إسرائيل” إضافة نسبة كبيرة من الربا “الشايلوكي” إليها.

نحن نعلم جيداً أن الهجرة اليهودية من العواصم العربية كانت تخضع لاستراتيجية صهيونية، وكان المقصود باستقطاب اليهود إعطاء المشروع الاستيطاني مادته ومجاله الحيوي، وبالتالي مضمونه السياسي.

اليهود هاجروا لكن الفلسطينيين هجّروا ولم تكن هجرتهم فعلاً مبنياً للمجهول، وإذا كان التاريخ المدون قد تعرض إلى تعقيم وتدجين فإن التاريخ الشفوي يعج بالحقائق التي تعيد الحكاية كلها إلى أول السطر، وثمة أعداد غفيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من جذورهم بالقوة والترهيب لاتزال على قيد الحياة والذاكرة.

إن هذا الفصل من الدراما الفلسطينية يدشن حرب التعويضات، بدءاً من التعويض الأخلاقي الذي تصر “إسرائيل” على عدم الاعتراف به حتى التعويض المادي.

وما نخشاه هو أن تكون أسلحة هذه الحرب قد اعتراها الصدأ أيضاً في الذاكرة العربية القومية.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...