السبت 10/مايو/2025

الهدف الرابع للحرب الخامسة

الهدف الرابع للحرب الخامسة

 

صحيفة الخليج الإماراتية 

كتب الكثير حتى الآن عن العدوان الصهيوني على لبنان، بحيث يصعب تصنيف تلك التعليقات بين أسود وأبيض، فالرمادي له حصة كبرى في معالجة قضايا من هذا الطراز في زمن عزّت فيه المواقف الواضحة، وشحت الشجاعة، لأن لكل واحد احتياطاته التي يلوذ بها بأثر رجعي، لكن تعليقاً واحداً، استوقفني وقد نشرته مجلة “حوار العرب” في العدد الثاني والعشرين للدكتور عبدالرؤوف ستو الأستاذ في الجامعة اللبنانية، يقول: باستثناء قتل السكان المدنيين وتهجيرهم والدمار الهائل الذي ألحقته الدولة العبرية بالبنية التحتية اللبنانية فإن العدوان لم يحقق أهدافه.

فما هي تلك الأهداف إن لم تكن في نطاق هذا الثالوث؟

بالنسبة لأي حرب أخرى فإن ما حققه العدوان على لبنان يعتبر إنجازاً للأهداف، لكن هذه الحرب التي لا تُقرأ بمعزل عن سياقها التاريخي ومسرحها الجغرافي، فإن أهداف الدولة الصهيونية أبعد من القتل والتشريد وتدمير البنية التحتية، لأنها تسعى إلى تهجير العربي من ذاته وليس من وطنه ومسقط رأسه فقط، أما القتل فهو حسب المعجم الصهيوني الذي أفرزته الحروب الخمس فهو قتل الإرادة وتفريغ الإنسان العربي من شحنة الغضب والمناعة.

وقد يبدو هذا الكلام بمقياس القراءة الذرائعية للحرب أقرب إلى المعالجة التراجيدية، التي تقفز من ثنائية الربح والخسارة بالمعنى المادي المحض، لكنه، قدر تعلقه بالتاريخ وسياق الصراع يصبح عصياً على التدجين في هذا الخطاب الرياضي، الذي لا يُعنى من قريب أو بعيد بالمستقبل، أو بالفائض الناجم عن حاصل جمع العناصر.

إن فشل الدولة الصهيونية في تحقيق أهدافها قد يشمل فلسطين أيضاً، رغم مرور قرابة ستة عقود على احتلالها، فالهدف الصهيوني المنشود والمكرسة له كل البرامج والأدوات هو احتلال التاريخ والذاكرة وليس الأرض فقط، إضافة إلى حلم صهيوني مزمن حول ما يمكن تسميته احتلال المستقبل.

إن المساحة الرمادية بين نعم ولا وبين الشجب الفطري للعدوان ومقاومته، قابلة للاتساع الآن، في عالم عربي تبث في أجوائه مناخات من التخدير وأحياناً التضليل بحيث يختلط الحابل بالنابل، وتصبح قسمة التاريخ بين نصر وهزيمة غير عادلة على الإطلاق، فنحن نعرف أن الاحتكام إلى المعايير الكلاسيكية في النصر والهزيمة لا يليق بحرب كهذه ولا بمقاومة كتلك، خصوصاً أن الطرف الذي ينسب إليه الانتصار وهو الدولة العبرية مصاب بداء سيكولوجي اسمه إدمان الظّفر بحيث يصبح أي انتصار ناقص بمثابة هزيمة.

ولو كانت أهداف العدوان هي فقط التهجير الموضعي داخل لبنان وتدمير البنية التحتية والقتل الأعمى، لما حدث في الدولة العبرية ما حدث حتى الآن، وهو خلخلة شديدة لما كان الإعلام الداجن يصوره بُنياناً شديد التماسك.

والاعتراف بالهشاشة قد يكون ذا وجهين أو بُعدين، أولهما نقد الذات ومراجعة المواقع بهدف الاستدراك، وثانيهما الإقرار الموضوعي بواقع الحال.

فالوعود الصهيونية لليهود في فلسطين كانت ولا تزال عبئاً على قادة الدولة.

وقد بدأ اليهود يكتشفون عرقوبية هذه الوعود، لأنها لم تحقق لهم الأمن ولا الاطمئنان للمستقبل. ومن هؤلاء من يرى المستقبل كميناً تاريخياً يهدد أحلامه وأحفاده معاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات