العراق وفلسطين ونظرية الخرائط المتوالية

لقضية التسوية الفلسطينية تاريخ ممتد مع عمليات المماطلة والتسويف والمقاربات المراوغة والمشروعات والرؤى الفضفاضة.. وتعزى هذه الظاهرة في جانب كبير منها إلى انحراف الوسطاء والأطراف الضالعين والمعنيين بمسار القضية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، عن منتجات ومداخلات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعكوفهم بلا ملل على ابتداع حلول بديلة، غالباً ما تكون مدعاة لمزيد من الخلافات والجدل والتعقيدات، ومن ثم مدخلاً إلى مزيد من التسويف والتأجيل.
خريطة الطريق الأميركية هي آخر نماذج هذه الحلول، التي تمكنت بها واشنطن من إشغال المجالات الفلسطينية والعراقية والدولية على مدار الأشهر الستة الماضية وهي الفترة ذاتها التي تفاقم خلالها التحرش الأميركي بالعراق وصولاً إلى العدوان عليه واحتلاله وكان ذلك هو بعض أهم المطلوب أميركياً وإسرائيلياً من طرح الخطة.. أن يتلهى الفلسطينيون والعرب بالخطة عن مفهوم ازدواجية المعايير والمعالجات الأميركية للقضايا الساخنة شرق أوسطياً ودولياً.
ولم يكن الفلسطينيون والعرب بالطبع على قدر من السذاجة بحيث تمر عليهم الخدعة الأميركية بدون أن تستفز لديهم الإحساس القديم بمراوغة واشنطن ضدهم: لقد استفزوا بالفعل.. وراح المفاوضون الفلسطينيون يطالبون بالتطبيق العاجل للخطة وعدم إرجائها إلى ما بعد التعامل مع الأزمة العراقية، لاسيما وأنهم قبلوا بها على علاتها وشرعوا في أداء الاستحقاقات الملقاة على عاتقهم فيها.. غير أنه لا الفلسطينيون ولا العرب، فرادى أو مجتمعين، تمكنوا من صرف انتباه واشنطن عن الانغماس الكامل في الشأن العراقي، عدا تصريحات متفرقة صدرت عن هذا المسئول الأميركي أو ذك، كررت فيها واشنطن اهتمامها بالتسوية الفلسطينية ونيتها إعلان الصيغة النهائية لخريطة الطريق فور استكمال الجانب الفلسطيني تصفيف أوضاعه بحسب الخطة.
ومما يتداول بالخصوص على نطاق ضيق أن واشنطن مسرورة من تباطؤ الطرف الفلسطيني في تشكيل وزارة محمود عباس (أبو مازن)، لئلا يضعها إتمام هذا الاستحقاق أمام الخطوة التالية المطلوبة منها بحسب وعودها.
ومع ذلك، نحسب أن هذه الوزارة سوف تتشكل قبل أن تستقر الأحوال في العراق بكثير، هذا إن كان بمفهوم الاستقرار في الحالة العراقية مضمون محدد من الأصل! ولا معنى والحال كذلك ألا أن يتم ابتداع أساليب لإعاقة الدخول في خطوات ملموسة لتطبيق خريطة الطريق ذلك لأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” متهمتان بربط مسار التسوية الفلسطينية وتعقيد مضمونها النهائي وفقا لما سيؤول إليه «العراق الجديد» المفترض في سياستهما الإقليمية والدولية.
نريد القول بأنه سيكون من الصعب – وربما من المستحيل – الفصل أميركياً وإسرائيلياً بين خارطة الطريق العراقية والشرق أوسطية إذا جاز التعبير وبين خارطة الطريق الفلسطينية، ما يجرى في العراق بكل تداعياته الإقليمية، سيترك بلا ريب أصداء على ما سيجرى في فلسطين.
هذا التوالي في رسم الخرائط وهندسة التسويات ينبغي أن يكون مفهوماً للمعنيين الفلسطينيين والعرب بحكم منطق التشابك في القضايا الشرق أوسطية، وكذا من سنن العلاقات الدولية، هذا وإلا ما معنى الأحاديث والتحليلات التي ملأت الأفق العربي حول تأثيرات الحرب العدوانية على العراق بالنسبة للقضية الفلسطينية؟ وعلى الرغم من ذلك فإن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين لم يدعوا بتصريحاتهم المباشرة مجالاً للتشكيك فيما يفهم بالمنطق وطبائع الأمور، ذلك حين صرح هؤلاء فور سقوط بغداد، بأن على الفلسطينيين- والسوريين – الانتباه إلى الحقائق الجديدة في الشرق الأوسط.
ولنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك غوراً فالعدوان على العراق رتب انعكاسات على عملية توازن القوى والمكانة في إطار النظام الدولي كله.
إذ تمكنت الولايات المتحدة من معاكسة إرادات قوى كثيرة مانعت مطولاً في وقوع هذا العدوان وأخرجته من دائرة الشرعي والمشروع، داخل مجلس الأمن وخارجه، ومع هذا، لم يصدر عن هؤلاء الممانعين ردود أفعال صارمة ضد واشنطن حتى ليكاد المرء يقتنع بأن المفهوم الأميركي للنظام الدولي بات مؤهلاً للتطبيق بالكامل ويعنى ذلك بين معطيات أخرى، أن واشنطن أضحت تحظى بطلاقه في حرية التصرف تجاه قضايا دولية أخرى، ومنها بالتأكيد القضية الفلسطينية، على نحو أكبر بكثير من المستوى الذي توفر لها من قبل الأمر الذي ينذر بتضييق هامش الحركة الدولية أمام الطرف الفلسطيني، على غرار ما أنشأته الحرب العدوانية من واقع جديد مقبض على الصعيد الإقليمي.
وعليه، فإن استمرار حالة السيولة عراقياً، سيدفع إلى وقت مستقطع آخر في الحالة الفلسطينية، حتى لو أعلنت الوزارة الفلسطينية العتيدة في وقت قريب ولكن تظل هناك طاقة نور في هذا المناخ الموحش بالنسبة لفلسطين وهي أن يلملم العراقيون جراحهم سريعاً ويقرنوا رفضهم للاحتلال الأميركي البريطاني البغيض بحد من المقاومة على الأرض يتجاوزون به الرفض السياسي إلى الغضب الفاعل عندئذ سيكون للسياسة الأميركية شأن أخر مع القضيتين العراقية والفلسطينية، فقد يحفزها ذلك على عروض عملية تسعى جدياً لاحتواء الغضب هنا وهناك، المقاومة وحدها، فلسطينياً وعراقياً، هي التي ستفصل ما بين الجد والهزل في هذه السياسة اللعوب.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...