حل عربي للمسألة الفلسطينية!

صحيفة الشرق الأوسط
فيما يلي اقتراح للأمة، يسرى عليه ما يسري على كل أنواع الاجتهاد بين الصواب والخطأ، وتوزيع أجور الثواب بينهما. وللحق فإن هذا الطرح لا يعجبني شخصياً لما فيه من مثالب، ولكن في مجال السياسة فإن الاختيار لا يكون دائماً بين الجيد والرديء، وإنما يكون أحياناً بين المر والعلقم. ونقطة البداية في هذا المشروع أنه قد بات مستحيلاً على الفلسطينيين الوصول إلى حل لصراعهم مع “إسرائيل” سواء كان هذا الحل قائماً على المفاوضات أو قائماً على المقاومة. والأكثر خطورة من ذلك أن الجبهة الوطنية الفلسطينية آخذة في التفكك ودخلت بالفعل على طريق الاحتراب الداخلي حتى بات عدد القتلى من الفلسطينيين باليد الفلسطينية أكثر ممن سقطوا بيد السلاح الإسرائيلي. وبعد سنوات وعقود من حديث الأصدقاء الفلسطينيين عن «الخطوط الحمراء» الفلسطينية التي لا تبيح قتل الفلسطيني بيد الفلسطيني، فقد ظهر – كما حدث في حال العراقيين – أن الخطوط ليست حمراء، أو أن حمرتها ليست قانية إلى الدرجة التي تكفي لوقف القتل. وبعد أكثر من عقد وعودة ياسر عرفات وصحبه من تونس وإقامة السلطة «الوطنية» الفلسطينية فإن الحقيقة المرة هي أنه لم تعد هناك «سلطة» وما بقي من وطنيتها بات محدوداً بحسن تقديرات القيادة في دمشق.
وبدون الدخول في كثير من التفاصيل المعروفة فإن الانهيار الداخلي الفلسطيني سوف ينتج ما هو معروف في مثل هذه الحالات، وهو المزيد من العنف والفوضى بين فصائل متناحرة في قطاع غزة والضفة الغربية، ويصعد في نفس الوقت العنف تجاه “إسرائيل” – وربما الولايات المتحدة أيضاً – بغية المزايدة والحصول على التأييد ورفع أسقف الشعبية والإعجاب من القنوات الفضائية. مثل هذه الحالة سوف يكون لها نتائجها الوخيمة على العالم العربي وخاصة الدول القريبة، فالحدود المصرية – الفلسطينية باتت أشبه بالجبن السويسري الذي تثقبه الأنفاق وعمليات تهريب السلاح والمخدرات ومؤخراً حتى اللاجئين القادمين من الصين. وثبت لدى مصر أن من قاموا بعملية «دهب» الإرهابية الأخيرة جرى تدريبهم في غزة على يد «جيش الإسلام» وهو واحد من الجماعات الأصولية الجديدة المشبعة بتقاليد تنظيم القاعدة. أما بالنسبة للدول العربية البعيدة، فإن القضية الفلسطينية لا تتركها لحالها وإنما تستغلها جماعات سياسية وأصولية وراديكالية وإرهابية لأغراض شتى بعضها نبيل خاص بمناصرة شعب شقيق، وبعضها الآخر ليس نبيلاً تماماً وإنما يحقق مصالح سياسية ضيقة. ومنذ بداية الصراع العربي – الإسرائيلي فإن القضية «المركزية» كانت كرة تلقفتها وناورت بها حركات سياسية وراديكالية من أجل السيطرة على السلطة أو إحكام السيطرة عليها عندما تكون معها بالفعل.
والخلاصة أن العالم العربي لا يستطيع التخلي عن القضية الفلسطينية، ومن الناحية العملية البحتة فإن القضية الفلسطينية لا تستطيع التخلي عن العالم العربي، ومن ثم فإن مصير فلسطين ومصير العالم العربي بات معلقاً بقرارات القيادة الفلسطينية وقدرتها على إدارة الصراع مع “إسرائيل”، حرباً أم سلاماً. وكما أسلفنا، وكما هو واضح، فإن القيادات الفلسطينية لم تعد قادرة لا على إدارة سلطتها الوطنية ولا صراعها مع “إسرائيل”، ولا يعود ذلك فقط لما أسلفنا من فوضى داخلية فلسطينية وإنما لأنه لن توجد قيادة فلسطينية قادرة بشجاعة على عقد اتفاق مع “إسرائيل” لأن مثل هذا الاتفاق – كما هو الحال في كل الاتفاقات – سوف يتضمن تنازلات مُرة. ولا يوجد بين الفلسطينيين من هو مثل مايكل كولينز الذي قبل استقلالاً منقوصاً لكي يضع آيرلندا على طريق الاستقلال، ولا من هو مثل سعد زغلول الذي قبل دستوراً للاستقلال أعدته لجنة من «الأشقياء»، ولا حتى مثل جمال عبد الناصر الذي قبل عودة القوات البريطانية إلى قاعدة قناة السويس في ظروف خاصة حددتها اتفاقية الجلاء البريطانية مع مصر. وعندما وقف ياسر عرفات – وهو من أشجع القيادات الفلسطينية التاريخية وأكثرها شعبية – أمام فرصة مريرة للاتفاق مع “إسرائيل” في كامب دافيد أو في واشنطن في يوليو وديسمبر عام 2000 تراجع وعاد إلى الانتفاضة مرة أخرى وهي التي لم تحرر في نهايتها من أرض ما حررته اتفاقيات أوسلو. وبعد أن فازت حماس في انتخابات حرة بات موقفها الإستراتيجي مراوحة بين حديث عن مقاومة لا يطلق فيها نار، وصلابة في مفاوضات لا تجرى من الأصل. ولم يكن ما فعله عرفات وما تفعله حماس سوى جزء من سلسلة تاريخية لفرص ضائعة للحصول على حدود دنيا من الحقوق الفلسطينية المفقودة.
وأمام هذا المأزق العربي التاريخي ما بين مصالح لا يمكن تجاهلها في المسألة الفلسطينية، وحالة من الشلل الفلسطيني منذرة بالفوضى، لا يمكن غض البصر عنها، فإنه لا يوجد مفر من قيام العرب بتحمل مسؤولية المفاوضات مع “إسرائيل” وفقاً للمبادرة العربية التي وافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية من قبل. فمن ناحية فإن العالم العربي لديه ما يعطيه ل”إسرائيل” من تطبيع وعلاقات سلمية وأمن إقليمي، بينما لم يعد لدى الفلسطينيين ما يعطونه من أرض، ومن ناحية أخرى فإن تسوية الصراع مع الدولة العبرية ينبغي له أن يكون ضمن نظرة استراتيجية تخص الشرق الأوسط كله. وببساطة فإن المطلوب هو أن ينفق العرب من العملة ما يكفي لتغطية ما لا يستطيع الفلسطينيون دفعه. وعملياً فإن ذلك يمكن حدوثه من خلال تفويض تقوم به الجامعة العربية لعدد من الدول العربية – المعنية مباشرة بالطبع – للقيام بعملية التفاوض لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 ثم بعد ذلك العودة إلى الجامعة مرة أخرى للحصول على تصديقها.
ولا يوجد في هذا الطرح ما يخل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فأيا كانت نتائج المفاوضات العربية – الإسرائيلية، فإن هذه النتائج ينبغي طرحها تحت رقابة دولية مشددة في استفتاء فلسطيني للموافقة أو الرفض بعد حوار كاف حول إيجابيات وسلبيات الاتفاق. فإحدى المشكلات التي يواجهها الشعب الفلسطيني حالياً أنه لا توجد لديه صورة كاملة، وتقييماً شاملاً، لاتفاق متكامل يجري مع “إسرائيل” يكون واضحاً فيه المكاسب التي سوف يحصل عليها، والتنازلات التي عليه تقديمها. وبدلاً من ذلك فإن المعرفة قاصرة على مبادئ عامة مثل حق العودة التي لا يستطيع أحد الاختلاف عليها، ولكنها في ذات الوقت تجعل التسوية مستحيلة. ولذلك فإن وجود اتفاق تفصيلي واضح بالخرائط والنقاط – مثل اتفاق جنيف – سوف يضع الشعب الفلسطيني موضع الاختبار، وعما إذا كان على استعداد لقبول تسوية تاريخية أم يصوت لاستمرار الصراع خلال القرن المقبل.
لقد فوض العالم العربي منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 لكي تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولكن الشعب الفلسطيني نفسه اختار ممثلين آخرين، وخلق حالة من ازدواجية السلطة – حتى قبل فوز حماس – لأسباب ارتآها في ذلك الوقت. وفي وقت من الأوقات كانت الفصائل الفلسطينية المسلحة مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي تنفذ سياستها الخارجية الخاصة بمعاداة “إسرائيل” إلى الأبد، وسياسة الأمن القومي الفلسطيني بالقيام بالعمليات الانتحارية في الوقت الذي كانت فيه السلطة الوطنية تقوم بمحادثات السلام مع الإسرائيليين. وقد آن الأوان للبحث عن طريق آخر!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...