«خريطة الطريق» بعد الحرب وموقف عرفات والفلسطينيين

من الواضح أن تل أبيب قد استقبلت أنباء انتصار الولايات المتحدة في حربها على العراق على نحو أكثر احتفالاً من واشنطن ونيويورك وسائر المدن الأمريكية، ذلك أن الأولى كانت الوحيدة التي وضعت بيضها في سلة ذلك الانتصار، ولن ندرك حقيقة هذه النظرية إلا في حال تخيلنا الموقف الآخر ممثلاً في عودة القوات الأمريكية – البريطانية مجللة بالخيبة، وتداعيات ذلك على الملف الفلسطيني.
من المؤكد أن خيار المقاومة لن يعود في هذه الحال إلى ساحة الجدل من جديد، وستغدو «خريطة الطريق» نسياً منسياً لتحل محلها خريطة أخرى استخدمها اللبنانيون في تحقيق انتصارهم، ولا يبدو أن ثمة خريطة غيرها يمكن أن تفضي إلى النتيجة ذاتها.
الآن تزهو القيادة الصهيونية بانتصارها على العراق، ويدفعها الزهو إلى توزيع الاشتراطات ذات اليمن وذات الشمال. كيف لا وفي البيت الأبيض والإدارة التابعة له صديق حميم ومعه ثلة من أشد الناس إخلاصاً للدولة العبرية، فضلاً عن رؤاهم الأكثر انسجاماً مع الفكر الليكودي الذي يمثل شارون ذروة تجلياته العنجهية؟!
لذلك كله لم نستغرب ذلك اللون من التدخلات الإسرائيلية في الجدل الفلسطيني الداخلي حول تشكيلة الوزارة، ومن ثم السير على هدي «خريطة الطريق» أياً كانت استحقاقاتها على الوضع الداخلي.
لم يقتصر القادة الصهاينة على اشتراط رئاسة محمود عباس (أبو مازن) للوزارة بوصفه رجل السلام ومهندس أوسلو والعدو اللدود لـ«عسكرة الانتفاضة»، أي المقاومة التي شكلت أهم تهديد وجودي في تاريخ الدولة العبرية. لم يقتصر الأمر على ذلك بل تجاوزه نحو اشتراط وجود محمد دحلان على رأس الأجهزة الأمنية. فقد نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أوساط وصفتها بأنها رفيعة المستوى قولها إن السبب الكامن خلف ذلك هو أن «دحلان هو المسؤول الفلسطيني الذي يبدي رغبة حقيقية في وقف الإرهاب، وأثبت قدراته في الماضي في هذا المجال، ومن هنا إصرار “إسرائيل” على تعيينه». وقد أدى ذلك إلى موجة ضغوط دولية وعربية مررت القصة على النحو الذي أراده الإسرائيليون.
عرفات كان الوجه الآخر للمشهد المحزن، فالرجل الذي يستحق الكثير من الشفقة لم يجد وسيلة لحفظ ماء الوجه سوى القول لأعضاء القيادة الفتحاوية، ومنهم (أبو مازن) «ارحموا عزيز قوم ذل»، فيما لم يذهب غريمه نحو تطبيق هذا المثل بعدما أدرك أن صاحبه قد غدا في أضعف حالاته بسبب الظروف الدولية والعربية والإقليمية، وحيث انهالت عليه المكالمات المطالبة بتمرير مشروع الوزارة الجديدة بكل سوءاته!!
«الختيار» كان يدرك حالة الضعف التي يعيشها، وكل ما هنالك أنه حاول الاستناد إلى القادة الفتحاويين الآخرين وإطالة مدة المماحكة عسى أن يحصل على ما يحفظ ماء الوجه، لا سيما والخيار الآخر المتاح أمامه لا يبدو وارداً، والمتمثل في قلب الطاولة في وجه الجميع وإعلان المقاومة الشاملة حتى لو أدى ذلك إلى استشهاده وترك من وراءه يواجهون الناس إذا أرادوا تغيير البوصلة.
الغائب الأكبر عن الجدل الذي دار في الأروقة الفلسطينية العليا كان الشارع الفلسطيني، فهو لم يتجاوز صدمة ما جرى في العراق بعد، فيما بدا منشغلاً بتوفير حاجاته الأساسية وهو المطحون داخل معادلة غريبة يأكل من خلالها حصرم المقاومة فيما لا يجني ما تمنحه من مشاعر الكبرياء والوحدة الوطنية والدعم المعنوي من العرب والمسلمين، فضلاً عن قدرتها على كسر إجراءات الحصار وحظر التجول بالتحدي والمواجهة الشاملة مع الاحتلال.
الشارع الفلسطيني في ضوء ذلك كان يشعر بالكثير من السخط على الوضع القائم وما يفعله البعض باسم الحفاظ على مصلحته. أما عرفات فلا يزال يراهن على زمن آخر، كذلك الذي يراهن عليه أصدقاؤه اللدودون في دمشق الذين اضطروا هم أيضاً إلى التراجع أمام الضغوط منتظرين بروز معالم الورطة الأمريكية في العراق على أمل أن يدفعها ذلك إلى التوبة عن إثم مهاجمة الآخرين في عقر دارهم لا سيما إذا كانوا عرباً ومسلمين.
نحن إذن أمام معادلة صعبة، بل بالغة الصعوبة تمر بها القضية الفلسطينية إثر انتصار أحرزه أعداؤها على واحدة من أهم العواصم العربية، ويريدونه محطة لضرب الجميع بمن فيهم الفلسطينيون، غير أن ذلك لن يمر بإذن الله، لأن بغداد ما تلبث أن تنتفض في وجه الغزاة، محوّلة أحلامهم إلى هباء منثور.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...