الإثنين 12/مايو/2025

الأردن هي فلسطين؟!

الأردن هي فلسطين؟!

(المضمون: هاكم عقدة أخرى : لا نستطيع أن نهدم المستوطنات، رغم أن بيننا من يتوق لعمل ذلك. للعرب 22 دولة إحداها (الأردن) هي منذ الآن دولة فلسطينية، أما نحن فليس لنا بلاد أخرى ولا خيار آخر إلا التمسك بهذه البلاد ببساطة – المصدر).

في القرية التعاونية – موشاف بيت شعاريم في سهل يزراعيل جلسوا هذا الأسبوع في الحداد على المستوطن من سكان بيت ايل. اسمه هو ميخائيل يشاي، وكان عمره حين توفى 93 عاماً . كان من مؤسسي بيت شعاريم ، أقام بكلتي يديه المنزل الحجري الأول في الموشاف – القرية التعاونية، وفلح أرض السهل لأكثر من أربعين سنة. وكان صعد إلى بيت ايل مع نواة المؤسسين الأولى في ليلة باردة، في تشرين الأول 1977، وهنا سكن في الخمسة والعشرين سنة ونصف التي انقضت منذئذ ، وكان منخرطا جدا في حياة المكان وكان ينهض كل صباح مبكراً للعمل في مصنعه المحلي لجمع الكرتون.

ميخائيل يشاي لم يكن رجلاً متديناً ، وعندما انتقل إلى بيت ايل لم يكن قد “تاب”. كما أنه لم يكن رجلا يمينيا، ولكن انطلاقا من تغيير مفاجئ في وعيه تحول في سن 68 إلى مستوطن. فالقرار للانتقال من بيت شعاريم إلى بيت ايل كان في نظره طبيعيا: ففي تلك الفترة ذهبت فتاة صباه إلى عالمها الآخر، وكبر أبناؤه الثلاثة حتى أن أحدهم أدار المصلحة العائلية. ولم يكن بيت شعاريم بحاجة إليه، أما بيت ايل فنعم . خريطة طريقه لم تتضمن الفصل بين الأجزاء المختلفة لأرض “إسرائيل” ولهذا بدت له غوش ايمونيم كمواصلة الدرب اللازمة لحركة الاستيطان التي شهدها في شبابه، ولم يكن في نظره فارق بين الاستيطان في سهل يزراعيل والاستيطان في جبال بنيامين . وضد المدعين أن ذاك الذي في جبال بنيامين ليس أخلاقيا، كان ميخائيل يمتشق من مخزون تجربته الشخصية أوصاف مثيرة للدوار عن طرد عرب الجليل و الشارون والسهل في حرب الاستقلال، هدم قراهم وتوزيع أراضيهم بين الكيبوتسات والموشافات. والاستيطان على التلال القاحلة في يهودا و السامرة بدا له أقل إشكالية، وليس أقل ضرورة.

قبل وقت غير بعيد قال لي صحفي كبير ذو رؤى يسارية، في حديث عن خريطة الطرق لجورج بوش، إن مشكلة “الإسرائيليين” المؤمنين بإخلاء المستوطنات هي أنهم ببساطة لم يزوروا “المناطق” لسنوات طويلة. أما أنا فأصل إلى هناك بين الحين والآخر ، ابتسم بمرارة، ولهذا فأنا افهم بأنه لن يكون انسحاب . فقد خلقتم واقعا لا رجعة عنه.

إن التمعن في خريطة الطريق لميخائيل يشاي، والتي تؤدي من بيت شعاريم إلى بيت ايل، من حرب الاستقلال إلى حرب الأيام الستة ومن الاستيطان داخل “الخط الأخضر” وذاك الذي خلفه، يعزز الفهم بأن الواقع الذي نقف أمامه اليوم كان واقعا لا رجعة عنه منذ البداية. ليس المستوطنون هم الذين خلقوه بل تاريخ شعب “إسرائيل” . مصيره وغايته. وانعدام الأمل في تحقيق اليوم رؤيا الرئيس الأمريكي ليس فقط بسبب البيوت التي بنيت في أماكن مثل بيت ايل و الأشجار التي تعمقت جذورها والحياة لثلاثة أجيال من “الإسرائيليين” التي ترسخت هنا. إنه قبل كل شيء لأنه لا يوجد أي سبب – حتى في وقت السلام ، و بالأساس في وقت السلام ، يمنع اليهود من العيش في كل مكان في أرض “إسرائيل” . و لأنه لا يمكن، بكل الأحوال، إقامة دولة فلسطينية حقيقية في قطعتي الأرض ، المنقطعتين الواحدة عن الأخرى ، اللتين يخصصهما لهم بوش واليسار “الإسرائيلي” .

لا شك في أن الوضع معقد : فلا نستطيع ولا نريد أن نسيطر على أبناء شعب آخر ، لا نستطيع ولا نريد أن نسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى الأماكن التي عاشوا فيها حتى العام 1948، لا نستطيع ولا نريد أن نعيد في دولة ثنائية القومية . ولكن هاكم عقدة أخرى : لا نستطيع أن نهدم المستوطنات، رغم أن بيننا من يتوق لعمل ذلك . للعرب 22 دولة إحداها (الأردن) هي منذ الآن دولة فلسطينية، أما نحن فليس لنا بلاد أخرى ولا خيار آخر إلا التمسك بهذه البلاد ببساطة .

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات