الفوضى في العراق وحوله

باحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية- دمشق

بعد أن أنجـزت القـوات الأميركية والبريطانية احتلال بغداد ومعظم الأراضي العراقية، ما حدث في العراق من فوضى عامة كانت من بعض مظاهرها أعمال السلب والنهب للمنازل والمصالح العامة ومستشفيات الدولة وتعطيل أمور الناس ومعيشتهم اليومية من أفران وكهرباء وماء وما إلى ذلك من شؤون الحياة ومتطلباتها كان عملاً مقصوداً من قبل قوات الاحتلال نفسها يهدف إلى:

أولاً: اصطناع الأسباب والمبررات التي تسوغ إقامة حكومة للاحتلال تتولى فرض النظام وإلغاء الفوضى وتأمين شؤون المعيشة اليومية وتنظيم المداواة في مستشفيات الدولة وتيسير أمور الناس وغير ذلك من خدمات ضرورية كالخبز والماء والكهرباء، ذلك أن من واجبات قوة الاحتلال أن تتولى إدارة هذه الخدمات والشؤون في أحوال الاحتلال ووفق اتفاقيات جنيف الأربع 1949 وتعديلاتها.

ثانياً: مسح وطي ذاكرة المجتمع العراقي من الناحية التاريخية وذلك بنهب موجودات المتاحف وبيع مقتنياتها إلى جهات أجنبية بهدف تفريغ المتاحف من موجوداتها التاريخية، وهذا ما يفسر أعمال نهب المتاحف وبيع موجوداتها إلى تجار الآثار سواء كانوا في العراق أو في أميركا وأوروبا.

ثالثاً: إظهار نقمة العراقيين على النظام السابق وذلك بالتعبير من قبل العراقيين أنفسهم عن تمتعهم بالحرية والقدرة على اتخاذ المواقف التي يؤمنون بها، وبخاصة إذا ما توجهت أعمال النقمة ضد النظام السابق.

وإذا كان من بين الهدفين الرئيسيين اللذين حددهما الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إسقاط النظام القائم في العراق، فإن هدف الرئيس الثاني وهو تجريد العراق من أسلحة التدمير الشامل لم يتحقق بعد، ذلك أن العراق لا يمتلك هذه الأنواع من الأسلحة النووية، والكيميائية، والبيولوجية. فقد فتشت قوات الاحتلال جميع مستودعات ومخازن الأسلحة ومختبراتها ومعاملها في العراق فلم تعثر على أي أثر قط لوجود أسلحة للتدمير الشامل. لهذا ليس مستغرباً أن تقوم قوات الاحتلال باستجلاب بعض أسلحة التدمير الشامل وتضعها في أحد المختبرات والمعامل التابعة للتسلح العراقي وتزعم، فيما بعد، أنها عثرت عليها في مكانها. فمن طبيعة الاحتلال وقواته أن تلجأ إلى هذه الخدعة وهذا الكذب من أجل أن تبرر الولايات المتحدة وإنجلترا أمام العالم غزو العراق وانتهاكهما ميثاق الأمم المتحدة وإعلاناتها وقراراتها وخروجهما على الشرعية الدولية.

وإكمالاً للخدعة ذاتها تستر هاتان الدولتان العظميان أهدافهما الحقيقية وراء الهدفين المعلنين للغزو، فتراكم الإدارة الأميركية المبررات لكي تقوم القوات الأميركية المحتلة للعراق بالعدوان على سوريا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ونقصد بالشكل غير المباشر السعي لإجبار سوريا على قبول عدة أمور، منها: المشروع الأميركي المسمى خريطة الطريق لتسوية القضية الفلسطينية وتفرعاتها، ومشروع إعادة رسم الخريطة السياسية لدول المشرق العربي، ومشروع إعادة بناء النظام الإقليمي بما يضمن اعتبار “إسرائيل” عضواً أصيلاً في النظام الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وليس عضواً دخيلاً عليها، ومشروع إعادة بناء النظام العالمي باعتبار سوريا عضواً في مجلس الأمن للعام الحالي.

إن الفوضى التي تنتشر في العراق، من المتوقع أن تنتشر في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، للأسباب التي أشرنا إليها، وبخاصة للأهداف التي قصدتها القوات الأميركية والبريطانية من جراء غزوها العراق واحتلالها إياه.

وإذ تريد الولايات المتحدة أن توظف نتائج حربها العدوانية على العراق، فإنها تنادي الآن بمشروع نظام عالمي جديد. وكانت قد فعلت ذلك إثر أحداث11 سبتمبر 2001 وقبل ذلك إثر حرب الخليج الثانية حينما دعا الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب رؤساء دول مجلس الأمن في 31 يناير 1992 إلى هذا، وقد تمخضت محاولات الإدارة الأميركية آنذاك عن لا شيء إذ استعمل الملوك والرؤساء مصطلحات ميثاق الأمم المتحدة.

فهل تكون الفوضى التي سببتها الحرب العدوانية على العراق والنصر الأميركي – البريطاني في اصطناع تلك الفوضى سببين لتأسيس نظام جديد في إقليم الشرق الأوسط وفي العالم كله؟.