الأحد 11/مايو/2025

كوريا الشمالية تستخلص العبر من الحرب العراقية

كوريا الشمالية تستخلص العبر من الحرب العراقية

عضو مراسل في أكاديمية العلوم الروسية

نائب مدير معهد الاقتصاد الدولي والعلاقات الدوليـة في أكاديمية العلـوم الروسيـة:

موسكو –  وكالة نوفوستي

لقد حدث ما كان متوقعا وما حذرت منه القيادة الروسية . فقد أعلن ممثل وزارة الخارجية الكورية الشمالية بأن بيونغ يانغ لا تعترف بأي قرار لجلسة مجلس الأمن الدولي المتعلق بانسحاب كوريا الشمالية من معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. “النظر بحد ذاته في مجلس الأمن في هذه المسألة يعتبر التمهيد لبداية الحرب” كما أعلن الدبلوماسي الكوري الشمالي . وكما ذكر فلا الرأي العام الدولي ولا ميثاق الأمم المتحدة منعا مهاجمة العراق من قبل الأميركيين . “فقط قوة عسكرية قوية يمكنها صدّ أي عدوان يجري فيه استعمال الأسلحة الحديثة القادرة على الحيلولة دون وقوع الحرب والدفاع عن أمن البلاد و الأمة.

 

فهذا هو الدرس الذي تعطيه الحرب العراقية” كما جاء في بيان الناطق باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية.

 

لقد قرأت موسكو مسبقا هذه التطورات للأحداث ولذلك كانت ضد البحث في المسألة النووية في كوريا الشمالية داخل مجلس الأمن الدولي داعية إلى إجراء مفاوضات ثنائية بين بيونغ يانغ وواشنطن. وتعتقد الدبلوماسية الروسية بأنه وحتى في إطار اللقاءات المتعددة الأطراف يمكن تنظيم المفاوضات بين ممثلي الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية. و للأسف فإن توصيات موسكو لم تؤخذ بالاعتبار وتم بالرغم من ذلك إحالة القضية الكورية الشمالية إلى مجلس الأمن الدولي. وان ذلك كما كان منتظراً أثار رد فعل سلبي للغاية من بيونغ يانغ التي بالنسبة لها يعتبر أمر إرسال المفتشين الدوليين إليها كما جرى في العراق أمراً غير مقبولا وهي تعلن عن حزمها القوي بتعزيز قدرات البلاد الدفاعية.

 

عندما اعترضت موسكو على قرار استخدام القوة في المسألة العراقية حذرت واشنطن بأن الحرب مع بغداد ستثير حتما ردة فعل من جانب أولئك الذين يعتقدون بأنهم يشكلون هدفا للولايات المتحدة. وأن هذه الأهداف حددتها واشنطن منذ زمن بعيد معلنة وعلى لسان الرئيس بوش بنفسه عن وجود ما يسمى بدول “محور الشر” الذي يضم العراق و إيران وكوريا الشمالية. ولذلك بالذات حذرت موسكو بأنه إذا شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق من دون تفويض من الامم المتحدة فان كوريا الشمالية من دون شك ستسرّع العمل ببرنامجها النووي. و الأحداث تطورت الآن وفق هذا السيناريو غير الملائم. 

 

ومن الجدير القول بأن العدوان الأميركي – البريطاني بالذات على العراق أعطى بيونغ يانغ ذريعة ضرورية من أجل تطوير برنامجها النووي الذي من الصعب معارضته. فوفقا لميثاق الأمم المتحدة لكل دولة الحق في ضمان أمنها وسيادتها القومية. وسيادة واستقلال كوريا الشمالية كما يعتقدون في بيونغ يانغ معرضة للتهديد من جانب الولايات لمتحدة الأميركية . وفيما يتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية فإن بيونغ يانغ تؤكد على ضرورة وحق كل دولة في الانسحاب من الاتفاقات الموقعة إذا كان الاستمرار فيها سينقص من أمنها القومي. وفي هذا السياق فإن كوريا الشمالية وليس من دون أساس تشير إلى مثال الولايات المتحدة التي ومن طرف واحد انسحبت من معاهدة موسكو للنظام الدفاعي الصاورخي المضاد الموقعة العام 1972 معلنة أنها شاخت وتمنعها من توطيد أمن البلاد.

 

فهل هناك أساس يدعو بيونغ يانغ إلى الخشية من الأميركيين ؟ على الأرجح نعم مع الأخذ بالاعتبار التذكير الدائم لواشنطن بـ “محور الشر” ومضاعفة الأميركيين للمجموعات العسكرية في منطقة الشرق الأقصى والنظرية العسكرية الجديدة الأميركية التي تلحظ إمكانية توجيه الضربات الوقائية إلى أي نقطة في العالم و أخيراً المثال المحزن للعراق. وبالطبع فإن بيونغ يانغ تملك قدرات عسكرية أكبر من العراق وخاصة في مجال تقنيات الصواريخ وبيونغ يانغ أعلنت أكثر من مرة بأنها قادرة إذا احتاج الأمر إلى توجيه ضربات قاصمة على القواعد العسكرية الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية . وهكذا فإن أي عمل عسكري أميركي ضد كوريا الشمالية سيكون مغامرة خطرة للغاية خاصة وأن بيونغ يانغ تخشى من أن تقوم الولايات المتحدة بقصف يونغون أي المنشأة النووية الأساسية لكوريا الشمالية. أي أن الأميركيين يمكنهم القيام بما قامت به “إسرائيل” منذ 20 عاماً من خلال توجيهها ضربة إلى المفاعل النووي في العراق “دافنت” بذلك البرنامج النووي العراقي.

 

ومختصر القول إن كوريا الشمالية لها الحق أن تقلق على أمنها وتقوم باستنتاج الدروس من الحرب العراقية التي وكما توقعت موسكو عقّدت الوضع الدولي و أثارت توتراً سلبياً خطرا ويمكنها أن تدفع العالم إلى سباق تسلح جديد. وموسكو بالتالي تدعو باستمرار إلى نظام عدم انتشار الأسلحة النووية ودعم معاهدة عدم انتشارها إلا أنها تتفهم قلق تلك الدول التي تحتاج إلى ضمانات لأمنها وعلى الأمم المتحدة التفكير بهذه المسألة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات