حكومة بعملية قيصرية

ممثل حركة حماس في محافظة طولكرم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ..
شهد العالم بالأمس القريب لبضعة أشهر انشغالاً كبيراً في متابعة أحداث جسام يمرّ بها ، و لعل العراق كان يتصدرها بجانب الانتفاضة الفلسطينية ، و المسألة الكورية و العلاقات الدولية بين كبار الدول ما تبعه من أزمة لم يسبق لها مثيل في مجلس الأمن .. فلا تكاد تجد نظاماً رسمياً خاصاً إلا و يتابع هذه الأحداث و تطوراتها .. و استمر الأمر مع وقوع الحرب على العراق و احتلالها فدخلت القوات الأنجلو – أمريكية .. و أصبحت العراق المحتلة بجانب فلسطين المحتلة هي الشغل الشاغل للشعوب و الأنظمة ؛ كلٌّ ينظر إليها من زاويته ، و لم يشذّ عن هذه القاعدة سوى الطبقة الفلسطينية الرسمية فقد كان لها انشغالها الخاص الذي أخذ كل جهدها .. حتى أنها بذلك تميزت عن الشعب الفلسطيني في تلك اللحظة التي كان يواجه فيها مزيداً من العدوان الصهيوني عليه .. فما هو هذا الأمر الذي شغل الطبقة السياسية الرسمية الفلسطينية يا ترى .. إنّه تشكيل الحكومة الفلسطينية وما رافقها من خلافات بشأن التشكيل، ومن المفارقات الكبيرة الجديرة بالتسجيل هنا أنّنا كنا نشاهد أعضاء الطبقة السياسية الرسمية الفلسطينية منشغلين منهمكين بجولات حكومية بين الأخوين أبو عمار وأبو مازن من أجل تحديد من يكون وزيراً و من لا يكون ، أو من يستلم هذه الحقيبة ومن يستلم تلك في ذات الوقت الذي كانت قوات الاحتلال ترتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني كالمجزرة التي نفذها الاحتلال في رفح ومخيمها وهدم المنازل وتجريف الأراضي .. والمفارقة التي أشير إليها هنا أن انشغال الطبقة السياسية الرسمية الفلسطينية كان حول الاعتبارات الشخصية والسيطرة و ليس انشغالاً لوضع برامج أو سياسات لحماية الشعب الفلسطيني و وقف الاعتداءات المتكررة عليه و مساندته و دعمه لمواجهتها .. نعم بهذه الأجواء يتم تشكيل الحكومة الفلسطينية العتيدة وسط اعتداءات متواصلة على الشعب و وسط عدوان واحتلال للعراق الشقيق ووسط مؤامرات تحاك ضد الفلسطينيين خاصة والوطن العربي عامة.
و لكن لماذا يتم استحداث منصب رئيس للوزراء وتشكيل حكومة جديدة بهذا الوقت بالذات ؟ هل استجابة للحاجة الفلسطينية أم استجابة لإملاءات خارجية ؟ وما الأسباب والخلفيات للخلاف الذي رافق تشكيل هذه الحكومة .. ومن المنتصر فيه ؟ وما هي أولويات هذه الحكومة العنيدة هل هي الحاجة الفلسطينية الداخلية أو تلبية الإملاءات والشروط الخارجية، و هل ستعمل هذه الحكومة على تعزيز الوحدة الوطنية أم ستكون عامل فرقة و سداً أمام استمرار المقاومة ؟ و أين مؤسسات م.ت.ف والمجلس التشريعي في الحكومة من التشكيل والبرامج ؟
هذه التساؤلات والأمور هي التي سأحاول الحوم حولها في هذه السطور اللاحقة سائلاً الله عز وجل التوفيق والسداد..
إن المتابع للوضع الفلسطيني الداخلي فيما يتعلق باستحداث منصب رئيس وزراء فلسطيني يدرك وبلا أدنى شك أن هذا الاستحداث و إن كان حاجة فلسطينية طالب بها الفلسطينيون لفترة طويلة خدمة للمصلحة الفلسطينية وإنهاءً لفردية القرارات وتوزيعاً للمهام؛ إلا أن الاستحداث لمنصب رئيس وزراء جاء نتيجة ضغوط خارجية ولعل إعلان استحداث هذا المنصب عبر وسائل الإعلام بوجود شخصيات دولية أو أوروبية وممثل الأمم المتحدة يبرز هذه الحقيقة بجلاء .
هذا فضلاً عن أن أمر استحداث منصب رئيس الوزراء كان قد بحث داخلياً أكثر من مرة، وفي كلّ مرة كان القرار تأجيله، ولعلّ أبرز بحث لقضية استحداث هذا المنصب كانت أثناء وعقب الحصار الذي فرض على الأخ الرئيس أبو عمار حيث اجتمعت بعض الشخصيات الفلسطينية أثناء الحصار وطالبت باستحداث هذا المنصب من جديد، الأمر الذي أثار ضجة إعلامية في حينه وترددت أسماء، وأخذ الموضوع حيز الاهتمام عند العديد من الشخصيات الفلسطينية بين مؤيد و معارض إلى أن اجتمعت مركزية فتح وحسمت الأمر بقرارها أن تعيين رئيس وزراء فلسطيني لن يتم إلا بعد إعلان الدولة الفلسطينية .. و بقي الأمر على ذلك إلى أن أعلن عن استحداث هذا المنصب ودعيت بعد الإعلان مركزية فتح ثم المجلس التشريعي المركزي لإقرار استحداث هذا المنصب ووضع القوانين الخاصة به في فترة قياسية.. و عندما عقد المجلسان المركزي و التشريعي – صاحبا التشريع لذلك – جلسات لبحث الموضوع طلب الأخ الرئيس في خطابه إقرار استحداث المنصب و أعلن عن تكليف الأخ أبي مازن لتولي هذا المنصب ، أي بصورة أخرى يمكن القول إن دور المجلسين لم يكن مناقشة المسألة و بحث إقرار الاستحداث أو عدم إقراره ، بقدر ما كان إيجاد الصيغة القانونية التي تغطي هذا الاستحداث .
و النتيجة أن تم استحداث هذا المنصب و تم تكليف الأخ أبي مازن، على أن يقوم بتشكيل حكومة جديدة التي أصبحت شرطاً لإعلان ما سمي بخارطة الطريق .. و اعتبرت العديد من الشخصيات الفلسطينية الرسمية أن هذا الأمر فرضته المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا .. و أنها جاءت لسحب الذرائع ، و هدفت إلى تسريع رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني .. و بناء على ذلك كان من المتوقع أن يتم تشكيل هذه الحكومة بأسرع ما يمكن لكسب الوقت و إحراج الإدارة الأمريكية لتقوم بطرح خارطة الطريق التي من شأنها أن ترفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني كما يتوهّم البعض، و لكن الأمور لم تسرْ على هذا النحو حيث فوجئ الشعب الفلسطيني بأزمة حول تشكيل الوزارة و تردد في الطبقة السياسية الرسمية الفلسطينية حول تشكيل الوزارة خلاف بين الأخ الرئيس أبو عمار و أبو مازن حول التشكيلة المقدمة للرئيس الأمر الذي لم تنجح كل الجهود الفلسطينية بحلّها حتى أعلن فلسطينياً أن كل الجهود وصلت إلى طريق مسدود ، و بدأ الحديث أن على الرئيس القيام بتكليف شخصية أخرى لتشكيل الوزارة و تردد لذلك بعض الشخصيات الفلسطينية إلى أن تدخّل مدير المخابرات المصرية عمر سليمان بوساطة كبيرة في الساعات الأخيرة و استطاع أن يتغلب على الخلافات و قام بإصلاح ذات البين ، و تم الإعلان عن جاهزية التشكيلة لطرحها على المجلس التشريعي لنيل الثقة ! .
و لكن يا ترى ما سبب الخلاف الذي دار حول الوزارة المقترحة ؟ من كلّ ما وضح عبر التصريحات الفلسطينية تبيّن بجلاء أن الخلاف لم يكن على البرنامج و إنّما في حقيقته كان يدور حول الذي يملك قوة القرار والسيطرة ، أي بمعنى آخر كان الخلاف حول مدى صلاحيات رئيس الوزراء ، رغم أن الفكرة الأساسية من استحداث المنصب كما قيل هي توزيع الصلاحيات و تكامل الأدوار ؟
و لعل بهذا يتضح أن الخلاف لم يكن على البرنامج كما أسلفنا و إنّما كان على الشخص فمن يكون في التشكيلة و من لا يكون ، و من يتسلّم وزارة الداخلية (الأمن) و من لا يتسلّمها ، و من يجوز أن يخرج من الوزارة أو يبقى فيها ..
فمثلاً : طرح اسم العقيد محمد دحلان لتولي وزارة الداخلية (الأمن) من قبل الأخ أبي مازن فيما رفض ذلك الأخ أبو عمار الذي أراد إبقاءها للأخ هاني الحسن أو إسنادهما إلى مرشحين آخرين ، كذلك تم استبعاد بعض الوزراء الذين جلسوا على كراسي الوزارة منذ أول وزارة شكلت فرفض هذا الأمر خاصة بخصوص بعض الأسماء .. و تم سحب بعض الوزارات من بعض هؤلاء و تحويلهم إلى وزراء بدون حقيبة و رفض الأمر كذلك … الخ .
إذن يتضح لنا من هذه المعطيات أنّ الخلاف كان على الشخوص و ليس على البرنامج ، و ما أوردناه يدلّل على ذلك ، فضلاً عن أن تاريخ العلاقة بين الأخوين أبي عمار و أبي مازن يؤكّد توافقهما التام في الجانب السياسي و ما يتعلّق بالتسوية السياسية و خلفية الخلاف على الشخوص تأتي على أرضية المعسكرات (إن صح تسميتها بذلك) أي الشخصيات التي تساعد أحد الطرفين على أن يتمتع بقوة و صلاحيات أكبر .. و هل باستطاعة رئيس الوزراء أياً كان أن يحقّق ما أرادته الجهات الخارجية من استحداث هذا المنصب بتجريد الأخ أبو عمار و صلاحياته و سلطته و استبعاده بصورة تتبيّن و كأنها خيار فلسطيني داخلي بعدما فشلت بتحقيق ذلك بصورة مباشرة ..
قد يكون الأخ أبو عمار مدركاً تماماً لهذا الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني كما أن العديد من قيادات و مركزية فتح قد أدركوا هذا الأمر أيضاً لذلك كان الخلاف مع أبي مازن رغم أنّه كان و ما زال الحليف القوي للأخ أبي عمار و لكن لضمان المستقبل المجهول و ما قد يأتي به من مفاجآت .
و هنا نقول إنه لم يخرج أحد من الأطراف منتصراً أو مهزوماً كشخوصٍ للعلاقة التي تربط بينهما و لكن بالتأكيد كان هناك نجاح و لو نسبي لما أرادته الإدارة الأمريكية و كذلك الكيان الصهيوني ، و ربما بعض الأطراف الدولية و الإقليمية أيضاً ..
و بناء على ما سبق فإن ما سيحدّد ما إذا كانت هذه الحكومة ستعزّز الإرادة الخارجية أم لا هو أداؤها على مختلف الجوانب السياسية و الداخلية .. و ما تقدّمه من برامج و تنتهجه من سياسات خلال قيامها بمهامها ..
هل ستقوم بما تتطلبه الحاجة الفلسطينية من تعزيز للوحدة الوطنية و دعم استمرارية المقاومة و النضال الفلسطيني لنيل حقوقه و التمسك بالثوابت الفلسطينية و إنهاء حالة الفساد على مختلف الأصعدة المالي و السياسي و الإداري و الأمني ؟ ، و هل ستلبي الحاجات الأساسية للمواطن الفلسطيني من حرية و مستلزمات الحياة الكريمة و هل ستفرض سياسة القانون و استقلالية القضاء و تطلق الحريات و تعتمد مبدأ المشاركة للجميع لا سيما في القرارات المصيرية ؟ و هل ستعمد لتعزيز التعددية ؟ .. الخ .
أم أنها ستقوم تحت ذريعة الواقعية و الظروف الدولية الجديدة و متطلبات المهلة و سعياً لرضى المجتمع الدولي بالعودة إلى ما قبل الانتفاضة من انعدام للتعدّدية السياسية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...