«خريطة الطريق»

من المتوقع أن تفرج الإدارة الأميركية هذا الأسبوع عن ما بات يعرف اصطلاحاً بـ«خريطة الطريق» إذا لم تنجح “إسرائيل” في إقناعها بتأجيل آخر يضاف إلى سلسلة التأجيلات السابقة، ومع أن مضمون هذه الخريطة أصبح معروفاً ومتداولاً، وهو لا يختلف كثيراً عن اقتراحات عديدة سابقة قدمتها الولايات المتحدة لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفقاً لمنظور الدولة العبرية، لكن واشنطن تحاول أن تظهر إعلان الخريطة الآن، في حد ذاته، وكأنه إنجاز كبير ينبغي الترحيب به والتسبيح بحمد الولايات المتحدة من أجله.
وحتى يكون لهذا «الحدث» وقعه المطلوب فقد جرى ربطه بأحداث تغيير جوهري في هرم السلطة الوطنية الفلسطينية وفي النظام السياسي يتم بموجبه التحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، مع اشتراط أن يتولى محمود عباس «أبو مازن» رئاسة الحكومة «وهو المنصب الجديد المستحدث» بينما تسند مسئولية الشئون الأمنية إلى العقيد محمد دحلان.
وفي الواقع فإن صدور الخريطة عن اللجنة الرباعية الدولية التي تضم، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، كلاً من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، لم يخف حقيقة أن النص يعكس «رؤية» الرئيس الأميركي جورج بوش كما عبر عنها في تصريحات وخطب عديدة سابقة، بما في ذلك «وعده» بقيام «دولة فلسطينية قابلة للحياة» في عام 2005.
كما لم تمنع هذه المشاركة الدولية الإدارة الأميركية من احتجاز الخريطة لعدة أشهر والامتناع عن إبلاغها للطرفين المعنيين: السلطة الوطنية الفلسطينية و”إسرائيل”، برغم الإلحاح المستمر من «الشركاء» الثلاثة على واشنطن للتقدم إلى الأمام بدلاً من بقاء الجميع تحت رحمة التصعيد الذي يحدثه الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه اليومية ضد الفلسطينيين من جهة، وردود فعل المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال من جهة أخرى.
ولعل العبرة المستخلصة من ذلك هي أن هذا الخلل السياسي في ميزان القوى داخل اللجنة الرباعية الدولية يقود بالضرورة إلى تغليب وجهة النظر الأميركية المنحازة كلياً لإسرائيل، مثلاً يقود الخلل العسكري في ميزان القوى على الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى استمرار عملية التنكيل الوحشية بالشعب الفلسطيني، وإلى وصم مقاومة هذا الشعب دفاعاً عن نفسه بـ«الإرهاب».
وهذا الخلل المزدوج يؤشر بوضوح إلى مقدار جدوى العملية السلمية الجديدة التي توشك على الانطلاق، خصوصاً في ظل نتائج الغزو الأميركي للعراق واعتبار الحكومة الإسرائيلية نفسها طرفاً في مشروع التوسع الذي تنفذه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
الشعب المتهم دائماً
وتبين من ملابسات إعداد «خريطة الطريق» ثم التلويح بالإفراج عنها، وكذلك تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة بعد تجاوز عقدة وزارة الداخلية، أن هناك حرصاً على تحميل الجانب الفلسطيني كامل المسئولية لا عن تأخير إعلان الخريطة رسمياً حتى الآن فحسب، بل وأيضاً عن وصفها في الصيغة الراهنة، بحيث يأتي وقف ما يسمى «الإرهاب» الفلسطيني شرطاً لازماً لابد أن يسبق أي خطوة أخرى على صعيد استئناف المفاوضات السياسية والأمنية بين الجانبين.
وتحت ضغط هذه المسئولية ستجد الحكومة الفلسطينية الجديدة نفسها أمام مهمة رئيسية، وربما وحيدة، تتمثل في القبول بتصنيف منظمات المقاومة الفلسطينية على أنها حركات إرهابية ينبغي قمعها بالقوة وحملها على تسليم أسلحتها والناشطين فيها، وبالتالي مواجهة خطر الدخول معها في حرب أهلية مدمرة، وهذا بالضبط ما تريده الحكومة الإسرائيلية وما تسعى إليه.
فخطة «خريطة الطريق» تشتمل على ثلاث مراحل، تركز الأولى منها على معالجة ما تسميه مشكلة «الإرهاب» الفلسطيني، والمقصود بذلك إنهاء كل شكل من أشكال المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، أي الانتفاضة الحالية بمختلف تعبيراتها وتجلياتها، بما في ذلك التحريض السياسي والإعلامي.
ووفقاً للتفسير الإسرائيلي، المؤيد دائماً من قبل الإدارة الأميركية، فإنه لا يمكن الانتقال من المرحلة الأولى للخطة إلى ما يليها مما يتعلق بالخطوات المتوازية، من دون التنفيذ الكامل والدقيق لبند «مكافحة الإرهاب» وذلك لاختبار مدى التزام الحكومة الفلسطينية، أو قدرتها على تنفيذ التزاماتها ليس وفقاً للنص الحرفي الوارد في «الخريطة» فقط، وإنما بحسب القراءة الإسرائيلية، والتفسير الإسرائيلي، والنوايا التي يعبر عنها رموز التطرف في الحكومة الشارونية: قولاً وفعلاً، وبوتيرة يومية متصاعدة.
وعلى ذلك فإن أكثر المحللين تفاؤلاً لا يتوقعون أن تتجاوز الجهود الدولية «الحاجز الأمني» الذي وضعته “إسرائيل” في مستهل «خريطة الطريق» تحت مسمى «مكافحة الإرهاب» لأن تجاوزه، ووفقاً للشروط الإسرائيلية، يعني قبول الحكومة الفلسطينية بخيار الحرب الأهلية، إن كان ذلك يستحق أن يسمى «خياراً» قابلاً للبحث والنقاش والتداول.
اعتبارات أميركية
وهذا الانسداد الكامل أمام «خريطة الطريق» مرده إلى اعتبارات أميركية أولاً، ولأن التعنت الإسرائيلي ناتج، في الأساس، عن رفض الولايات المتحدة القيام بدورها الحقيقي كوسيط نزيه بين الأطراف المتنازعة وفقاً للمبادئ التي أرساها مؤتمر مدريد عام 1991.فما هي هذه الاعتبارات الأميركية؟
– أولاً، لابد من الأخذ في الاعتبار العلاقة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، والتي مكنت الدولة العبرية من انتهاك جميع القرارات الدولية المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية.
– ثانياً، من الواضح أن هذه العلاقة ازدادت رسوخاً وتداخلاً في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث نجحت “إسرائيل” في أن تجعل من نفسها شريكاً كاملاً فيما يسمى «مكافحة الإرهاب» سواء على الصعيد العالمي أو على الصعيد الإقليمي.ولم تكن الحكومة الإسرائيلية، في حاجة إلى جهد كبير لإقناع الإدارة الأميركية، أن ما تقوم به في الأراضي الفلسطينية المحتلة إنما يدخل في إطار «مكافحة الإرهاب» بل على العكس من ذلك فقد لاقى هذا «الربط السببي» تأييداً وتشجيعاً ودعماً من صقور البيت الأبيض تجلى بإطلاق يد آرييل شارون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قتلاً وتدميراً وتخريباً منهجياً للبنية التحتية في مناطق الاحتلال وإلغاءً كاملاً لكل ما نصت عليه القوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
– ثالثاً، بالرغم من أن طبيعة المشاركة الإسرائيلية الفعلية في الحرب الأميركية على العراق لم تتضح تفاصيلها بعد، إلا أن “إسرائيل” تعتبر نفسها شريكة في هذه الحرب «والإدارة الأميركية تقر بذلك» وتطلب أن يكون لها حصتها من نتائج الانتصار الذي تحقق، سواء في العراق نفسه، وهو ما سيأتي دوره لاحقاً، أو في ما تبقى من «الغنيمة» الفلسطينية.
وثمة أمر جرى الاتفاق عليه سابقاً بين الإدارة الأميركية وحكومة شارون وهو تأجيل إعلان «خريطة الطريق» إلى ما بعد انتهاء الحرب على العراق كي تعكس الأجواء التي تجري فيها المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والجهود الدولية المرافقة حقيقة النتائج العسكرية والسياسية التي ستسفر عنها هذه الحرب.
وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد الآن، وبعد أن تطابقت نتائج الحرب مع حسابات واشنطن «حتى الآن على الأقل» بأن الدعم الأميركي لإسرائيل سيكون أقل مما عرفه العالم في الماضي، وتبعاً لذلك ليس ثمة ما يحمل على توهم إمكانية أن يصبح الموقف الإسرائيلي أقل تعنتاً وعدوانية وانتهاكاً لحقوق الشعب الفلسطينية والمبادئ الشرعية الدولية.
وسيظل من المفيد التذكير بأن “إسرائيل” تريد من الفلسطينيين استسلاماً كاملاً وتنازلاً عن حقوقهم الأساسية، لاسيما حق العودة، فضلاً عن القبول بكيان فلسطيني، أراد الرئيس جورج بوش أن يسميه «دولة» في حين أن عشرات المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ستحول دون أي تواصل بين أجزاء هذا الكيان، وهو ما يسقط عنه صفة «الدولة المستقلة القابلة للحياة» بحسب تعبير الرئيس الأميركي.
هموم بوش وأولوياته
– رابعاَ، إن الهاجس الذي يسيطر على الرئيس جورج بوش حالياً هو الانتخابات التي ستجري في العام المقبل، ومن الطبيعي القول إن بوش الابن، وهو يسعى إلى تجديد ولايته لمرة ثانية، يحاول تجنب الأخطاء التي وقع فيها والده وحرمته من تجديد ولايته عام 1992، ومن بين هذه الأخطاء إجبار الحكومة الإسرائيلية – آنذاك – على الذهاب إلى مدريد والمشاركة في إطلاق عملية التسوية السلمية، برغم معارضتها الشديدة لذلك.
وربما دفعت تلك الخطوة اللوبي اليهودي في واشنطن إلى العمل ضد بوش الأب بحيث يؤدي سقوطه إلى إسقاط مشروعه وتعهداته تجاه الدول العربية التي ساندت حربه الخليجية الثانية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...