أسطوانة (الديمقراطية) والتسويق الإسرائيلي

يستدعي المقال الذي كتبه شمعون بيريز تحت عنوان مكان دفن الإرهاب وقفة متأملة فعلاً.
صحيح أنه ليس إضافة متميزة عن اللغة الأمريكية لكنه يعكس عمليا التسويق” الإسرائيلي” لربط الحملة ضد الإرهاب بضرب العراق.
البداية تتمثل في اعتبار بيريز أنه لا توجد حرب ضد العراق ، ويزعم أنه توجد حرب عالمية ضد ما يسميه الإرهاب العالمي مشدداً على أنها ليست حرباً بين الشعوب ، بل حرب للشعوب في مواجهة العصابات ، وتبلغ مرافعته بُعداً أخطر عندما يقول إنها ليست حرباً لجيوش ضد أعداء، بل لمنظومات دفاعية) ( ضد مخاطر ليس لها أرجل، أو حدود أو قواعد أو كوابح، فالإرهاب حسب بيريز ليس بديلاً فكرياً
بل تسلط فكري – يقوم على المس “بالكفار” وإحلال الدمار عليهم . ومعياره هنا أن الحرب يجب أن تستمر ولا تتوقف وشاهده هنا المثل الذي يقول : إن القط إذ يطارد الفأر، فعبثاً يطالب الفأر بوقف النار. فليس هذا في أنف القط ويتابع بيريز تسويقه الذي لا نعرف هل يُقنع” الإسرائيليين” به أم يقنع نفس أنها ليست حرباً إيديولوجية بين الغرب والشرق ، أو مواجهة عامة بين الشمال والجنوب، فمن حيث الأساس هذه حرب بين جيل منصرف (ولا نعلم لماذا لا يصنف نفسه وتيار من الجيل المنصرف من العنصريين” الإسرائيليين ” والإيديولوجيين الصهاينة في هذا التيار) وجيل قادم والوحيد الذي يراه بيريز السبعيني من الجيل المنصرم هو النظام العراقي ، الذي
يجسد حسب رأيه الصراع بين عالم يتحرك إلى الأمام ( فيه غرب وشرق على حد سواء، شمال وجنوب على حد سواء، بما في ذلك الدولتان الأكثر سكانا في العالم – الصين والهند- وعشرات الدول من كل القارات) وبين عالم محبوس في قبور الأمس ويرتعد
خوفاً من الديمقراطية ويكمل الرجل أسطوانة الديمقراطية الواعدة التي ستأتي عبر حاملات الطائرات الأمريكية ومثالها منتجع غوانتانامو، وركائزها ديمقراطية الطوائف العراقية التي تسجد بامتياز “للإسرائيليين” الفرصة لأن يكونا شرعيين في مجتمعات محيطة تماثلهم ، فالتوصيف البيريزي للنظام العراقي هو أنه قبالة الأغلبية الشيعية تقف أقلية كبرى، ولكنها أقلية تعيش تحت سيطرة جيل متقادم من الطغاة، الذين يقيمون أنظمة إقطاعية تقمع المرأة وترفض حقوق الإنسان. وهي بمزيد من التوصيف أقلية عالمية متخلفة اقتصاديا وترفض قبول
الطاقة الكامنة للعلم والتكنولوجيا الحديثة. وهذا ما سيذكرنا دائماً بأوهام التسويق الديمقراطي في خطاب بوش في العشرين من أيلول الماضي ومشروع كولن باول لدعم الديمقراطية بـ 25 مليون دولار. . فقط ثم يُكشّر بيريز عن أنيابه معتبراً أن هذه حرب لا يمكنها أن تنتهي إلا بحسم صريح والذريعة البيريزية تتمثل في صورة القرون الوسطى والخيال غير العلمي وتقول للعالم المتطور، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يمكنه أن يسلم بوضع تصبح فيه رحلة طيران مغامرة، والسكن في مبنى متعدد الطوابق خطراً، والسير في الشارع استفزازاً.
أن هذا وراء وراءه خطر يتمثل في النظام العراقي حيث إذا ما حقق الإرهابيون مشروعهم وخططهم باستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية فسينشأ خطراً على الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه، وهذا سيكون عبر النظام العراقي والصورة البيريزية تكتمل أصولاً بالقول إن بن لادن بادر لهذه الحرب، وهو ومن معه غير مستعدين للكف عنها 0والزعم يصل مداه بالقول أنهم يستعينون بسلاح جديد وخدعة قديمة، من مدرسة الطاغية من بغداد، وتكتمل الأسطوانة بالقول أنهم لا يستمعون إلا لدواخلهم الضيقة، ولا يحترمون الحياة للآخرين وأحيانا لحياتهم أنفسهم، وعليه فالحقيقة التي يود بيريز تسويقها تصل إلى زبدتها بأنه وبناءً على ذلك فإن الحرب لا تنتهي إلا إذا أقتلع الإرهاب من الجذور ، تماما. وكعادته في اللعب كثعلب متذاك يقول إنه وخلافا للاعتقاد السائد، فإن النصر على الإرهاب
لا ينبغي أن يكون بالضرورة هزيمة للعالم الإسلامي أو العربي. لكن هذه ستكون هزيمة للرجعية الدينية والتزمت الأعمى ويستعين بيريز بمرجعيات عربية لتدعيم رأيه ومنها وزير خارجية عربي الذي قال إن ما يحصل الآن «سيساعد الجيل الجديد الذي يتصل بالقرن الواحد والعشرين على الوصول إلى السلطة». وذلك بأن تتبنى بلادهم «الانتخابات الحرة والتوزيع العادل للثراء، ووقف الفساد والحقوق المتساوية للنساء» وأنه«لا حاجة للسير خلف بن لادن كي نتأكد من أن المسلمين الجدد غير موجودين في الجانب الصحيح من الطريق» والاستنتاج الأبرز هنا أن النازية والفاشية والشيوعية بدت في حينه لا تهزم، أما اليوم فهي مدفونة حسب تعبيره في أعماق الجزء المخجل من التاريخ، ولا ندري لماذا لم يتعظ هذا العجوز ليرى هذه النتيجة هي المآل الطبيعي لحركة عنصرية تمثل اليوم أعلى مراحل إرهاب الدولة أن واقع الأمور أن المرء لا يرى إلا انتقائياً ومثال بيريز يتدحرج نحو مزيد من البراهين ومنها أنه في القرن العشرين قد ساعدت الولايات المتحدة أوروبا على الانتصار في الحروب وترميم ذاتها، ويزعم أنها لم تجب لقاء النصر أراضي أو كنوز ( في إشارة إلى نفط العراق مع أن ريتشارد بيرل اشترط على العراق للتسليم إلغاء عقود النفط ووضع عوائدها لتسديد كلفة تغيير النظام وديون الحروب السابقة) أو حقوق متميزة.
والتحريض الذي يبعث على التقزز ما ينهي به بيريز مقولاته الساذجة، ومواعظه على طريقة ابتزازهم للألمان والعالم بالنزعة المضادة للسامية و تضخيمات المحرقة ، بأنه طالما تعرضت الولايات المتحدة للهجوم، من الإرهابيين فإن أوروبا ملزمة بالوقوف إلى يمينها بذات الشكل ، ليس فقط بسبب الدين التاريخي ، بل أيضا كي تمنع الإرهاب من الوصول بكل قوته إلى بواباتها هي أيضا، وكل ذلك بسبب مواقف فرنسا وألمانيا وروسيا من الحرب . ويدعو بيريز الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب بلا مرجعية دولية وركائزه هنا المرجعية المتمثلة بأنه عندما قررت أوروبا التوجه إلى مجلس الأمن، متسائلاً هل الطاغية اليوغسلافي بدون أسلحة بيولوجية وكيماوية أخطر من الطاغية العراقي مع مثل هذا السلاح ؟ وتكتمل صورة الواعظ والمبشر بقوله: بدون بشرى “أحب لغيرك ما تحب لنفسك”
ولا يمكن عيش الماضي وجعله مستقبلاً.
واليوم وبسبب ماض فائت يُمنع مئات الملايين من الناس من التمتع من ثمار العصر الجديد . للخروج من التخلف من الفقر، من الكراهية» وهكذا علينا أن ننتظر نتائج البُشرى البيريزية لنضيفها إلى البشرى الأمريكية، ليكون عالمنا أفضل، ومستقبلنا أكثر ديمقراطية وارتباطا لصيقاً بحقوق الإنسان ويغدو العالم مسالماً بلا إرهاب بن لادن وبالتأكيد إرهاب كل الفلسطينيين الذين يدفعون عنهم الاحتلال الإنساني والحضاري الديمقراطي “الإسرائيلي” وما الضير إذا كان الأمريكيون سيفعلون نفس الأمر ؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...