الأحد 11/مايو/2025

معركة هامشية

معركة هامشية

أبو مازن يقدم قائمة بتشكيل وزاري جديد إلى عرفات، عرفات يعترض، تنشأ أزمة سياسية حادة، والسؤال هو: هل هذا خلاف حول المستقبل السياسي للشعب الفلسطيني؟ لنتأمل أولاً الحقائق الماثلة.

التشكيلة الوزارية جاءت تلبية لمطلب أميركي إسرائيلي، ونقول إنه «مطلب» ولا نقول إنه ضغط لأن محمود عباس أبو مازن لا يحتاج حتى إلى إقناع فضلاً عن ضغط. فهو بالاشتراك مع شيمون بيريز مهندس اتفاق أوسلو في التسعينيات.

الضغط وقع على عرفات ليقبل خلق منصب رئيس وزراء بصلاحيات حقيقية.. ثم ينزوي إلى خلفية مظلمة، وبعد ذلك يتولى أبو مازن رئيس الوزراء إدارة عملية الأخذ والرد مع آرييل شارون وإدارة بوش للتوصل إلى تسوية سلمية نهائية للقضية الفلسطينية.

لكن التسوية مرسومة إسرائيلياً وأميركياً على أساس سيناريو معد مسبقاً وفقاً للشروط الإسرائيلية لمستقبل علاقة إسرائيل مع الشعب الفلسطيني.

ولأن إدارة بوش وآرييل شارون يدركان سلفاً أن مثل هذه التسوية سوف تكون مرفوضة تلقائياً من فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية والشارع الفلسطيني بوجه عام، فإن المطلوب هو شخصية قيادية فلسطينية على مستوى السلطة العليا تتولى قمع فصائل المقاومة دون تردد أو هوادة.

من هنا كانت المراهنة الأميركية الإسرائيلية على أبو مازن، ولا يعقل بالطبع أن بوش وشارون وقع اختيارهما على هذا الرجل تحديداً – من بين كل القيادات الفلسطينية – دون معرفة مسبقة بشخصيته وتوجهاته وأفكاره.

وأبو مازن من ناحيته لم يترك زيادة لمستزيد، فهو لا يتحرج من إبلاغ الفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين والعالم بأنه ضد المقاومة الفلسطينية، ليس من منظور «تكتيكي» وقتي وإنما انطلاقًا من موقف مبدئي ثابت.

هل يعني هذا أن ياسر عرفات على الطرف الآخر، منحاز بالكامل إلى فصائل المقاومة ونهج الكفاح المسلح والعمليات الاستشهادية؟ ليس بالضرورة.

إن عرفات لا يعارض المقاومة المسلحة تماماً لكن ما يريده هو أن تكون قيادات المقاومة المسلحة تحت أمرته ليتحكم في نشاطها، تتوقف حين يريد لها أن تتوقف.. وتنطلق في عملياتها حين يريد لها ذلك.

نحن إذن إزاء صراع سلطوي بين عرفات وأبو مازن يستعين فيه الأول بقاعدة شعبية عريضة متنوعة بينما يعتمد الثاني على قوتين خارجيتين، “إسرائيل” والولايات المتحدة.

إن الهدف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل والولايات المتحدة هو تصفية المقاومة الشعبية الفلسطينية بالكامل وإلى الأبد حتى تكون الساحة السياسية الفلسطينية مجهزة بقبول صيغة سلام مبنية على الشروط الإسرائيلية الثابتة التي تدعمها الولايات المتحدة.. وهي كيان فلسطيني على نصف مساحة الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية.. ولا بـأس في أن يطلق عليه كلمة «دولة».

هذه هي خلاصة مشروع «خريطة الطريق».. أو قل الخلاصة التي سوف ينتهي إليها المشروع عملياً عند نهاية المطاف، إذا قدر للعملية التفاوضية أن تستأنف برئاسة أبو مازن على الجانب الفلسطيني.

ورغم أن عرفات يقبل مبدأ المساومة وما يتطلب من تنازلات كبيرة، إلا أنه لن يرتضي الانحدار إلى هذا المستوى مخاطراً برصيده التاريخي من ناحية وزعامته الحاضرة من ناحية أخرى.. مما لا ينطبق على حالة أبو مازن، فهو شخصية ليس لها أي سند شعبي بأي حد أدنى وليس لها تاريخ من مواقف وطنية نضالية.

وقبل هذا كله وبعده فإن عرفات يدرك بالطبع مغزى اللعبة الإسرائيلية الأميركية من خلال «خريطة الطريق» فالهدف الفوري من المشروع هو إقصاء عرفات سياسياً أو تهميشه على أقل تقدير وإذا كان عرفات قد قبل المشروع من حيث المبدأ ومضى في مصانعة واشنطن وتل أبيب وتجاوب في خلق منصب رئيس وزراء بصلاحيات قوية وتعيين أبو مازن في هذا المنصب فإنه ليس على استعداد للمضي إلى آخر الشوط مع لعبة تستهدف إخراجه نهائياً من مجرى التاريخ الفلسطيني.

وصفوة القول إن الصراع السلطوي الدائر قد ينتهي إلى انتصار عرفات. وهزيمة أبو مازن. لكن ذلك لن يكون نصراً أو هزيمة للشعب الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات