الأحد 11/مايو/2025

والانعكاسات السلبية للتوسع الاستيطاني

والانعكاسات السلبية للتوسع الاستيطاني

تؤكد الحقائق التي أفرزتها المواجهات الدامية بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الصهيوني منذ اندلاع الانتفاضة سقوط النبوءة الصهيونية التي بشرت بأن «إسرائيل» ستكون مركزاً روحياً يدعو يهود العالم للعيش فيه، ويمنعهم من الاندماج في المجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها. حيث ازدادت المخاوف التي تسيطر على عقلية الصهاينة بسبب عدم الاستقرار، في ظل رفض غالبية اليهود في العالم الاستجابة للدعوات الصهيونية .. الأمر الذي جعل التجمع الاستيطاني الصهيوني بحاجة دائمة للمادة البشرية، من أجل تحقيق عملية الاستيطان.

 

ومنذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948، أقدم الإرهابي بن غوريون على نقل عدد كبير من الجاليات اليهودية من الدول العربية إلى «إسرائيل»، هذه الجاليات لم تتمكن من الانصهار مع الجاليات الأخرى.. حيث فشل الصهاينة في مزج «يهود المنفى» ولم يتمكنوا من إيجاد شعب واحد. مما أدى إلى خلق مشكلة ديمغرافية من جراء وصول جماعات يهودية ذات معتقدات وثنية مختلفة عمقت التمايز العرقي. الذي تفاقم في ظل هجرة اليهود  السوفييت في السبعينات من القرن الماضي، ووصل ذروته إثر هجرة يهود روسيا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، ووصول أعداد كبيرة من يهود «الفالاشا» من القارة الأفريقية، وأدت محاولات صهر المستوطنين في «هوية يهودية» إلى نتائج عكسية عززت التناقض وعمقته، وباتت أزمة الهوية من أبرز الإشكاليات التي رافقت التجمع الاستيطاني الصهيوني منذ وجوده في  فلسطين. حيث تأججت النزعة العنصرية لدى «الإسرائيليين» في مختلف نواحي حياتهم الاجتماعية.

 

فاليهود «الأشكناز» الذين هاجروا من الدول الغربية والولايات المتحدة يختلفون عن يهود «الفالاشا» الذين ينتمون إلى القارة الأفريقية، ويتحدثون اللغة الأمهرية. وكلاهما يختلف عن اليهود الروس الذين يضمون عدداً كبيراً من غير اليهود، الذين فقد غالبيتهم هويته الدينية فأصبح من الأغيار. أما اليهود «السفارديم» الذين قدموا من الشرق والدول العربية وبشكل خاص من المغرب، فيحاولن أن يتركوا أثر الحياة السياسية لكي يجعلوا لهم كياناً خاصا بهم بسبب يهوديتهم الواضحة وحقدهم على غيرهم. وأما اليهود «الصابرا» الذين ولدوا على أرض فلسطين فينظرون باحتقار إلى يهود «الدياسبورا» في الخارج. ويرون أن حياة هؤلاء اليهود تتسم بالسلبية والدونية لأنهم يقبلون حكم الأغيار، وما زال التجمع الاستيطاني بتركيبته القائمة غير مهيأ للجمه بين الشروط المتناقضة والمتمثلة في الواقع السياسي والاجتماعي من جهة، وما تدعيه الصهيونية بأنها حركة إنقاذ لليهود من جهة أخرى، الأمر الذي يشكل أحد أهم سمات أزمته الداخلية. فالصهيونية التي حشدت المستوطنين على أرض فلسطين، وأقامت لهم مؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية، لم تتمكن من تقديم الحلول اللازمة للإشكالات التي برزت في سياق تحويل المستوطنات إلى « دولة يهودية» كما أن محاولات الجمع بين يهودية «الدولة» وديمقراطية النظام السياسي في إطار قومي، جعلت من «إسرائيل» كياناً لا هو دولة يهودية ولا هو دولة ديمقراطية، بل تجمع استيطاني صهيوني يكتسب طابع الثكنة العسكرية التي تقف على رأسها مؤسسة عسكرية منظمة تنظيماً دقيقاً. تحتوي على ترسانة هائلة من الأسلحة النووية، والتكنولوجيا المتطورة. ولذلك امتنع الصهاينة عن وضع دستور لها يحدد طبيعتها وجغرافيتها وعلاقاتها ولها دورها الوظيفي على الصعيد العدواني في إطار المشروع الصهيوني.

 

وعلى الرغم من الإغراءات وعمليات التشجيع التي يتلقاها اليهود في الخارج، فقد ظلت «إسرائيل» هي الخيار الثاني وليس الخيار الأول، حيث أن معظم المهاجرين اليهود يتوجهون للولايات المتحدة أكثر مما يتوجهون ل «إسرائيل»، ذلك أن اليهود في العالم ولا سيما جيلا الشباب يميلون إلى الاندماج بالحضارة العلمية السائدة في المجتمع الغربي. حتى جيل «الصابرا» الذي سمي جيل التكنولوجيا، تسيطر عليه الثقافة الشعبية ذات الصبغة الأمريكية حيث تنتشر في «إسرائيل» الأفلام الأمريكية مثل رعاة البقر وأفلام الجريمة والسرقة والاغتصاب . ولذلك تعمل الصهيونية على تحقيق الانسجام مع التوجهات الراهنة لليهود في المجتمعات الغربية من خلال تقديم «إسرائيل» على أنها بلد المشاريع الرأسمالية الناجحة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى لجوء بعض المستوطنين للهجرة المعاكسة . فقد ذكر التلفزيون “الإسرائيلي” بتاريخ 212003 أنه بدأت ظاهرة توجه عدد من “الإسرائيليين” إلى السفارات البولونية والألمانية لاستعادة جنسياتهم القديمة قبل الهجرة بهدف البقاء في بلدانهم الأصلية وعدم العودة إلى «إسرائيل » مما زاد من مخاوف القادة الصهاينة على مستقبل اليهود في «إسرائيل» في ظل ازدياد التكاثر السكاني للفلسطينيين وتشبثهم بالأرض على النحو الذي يجعلهم قنبلة ديمغرافية تهدد مستقبل اليهود.

 

وتبذل الوكالة اليهودية جهوداً حثيثة لمعالجة النقص الحاصل في عدد المستوطنين من جراء الهجرة المعاكسة، باللجوء إلى تهجير جاليات يهودية كاملة مع قياداتها الروحية تحت اسم «هجرة الحاخام وجاليته» من مدن مختلفة في الولايات المتحدة وأوروبا. وبشكل خاص من فرنسا، مستغلة ما تسميه «تعاظم مظاهر اللا سامية » . وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق الهجرة إلى «إسرائيل» إلا أن الوكالة اليهودية لم تتمكن من حل مشكلة «الهوية اليهودية». ولم يقتصر فشل الصهاينة على عجزهم في مزج « يهود المنفى» بل فشلوا في تعريف اليهودي أيضاً. حيث أن المهاجرين الذين يعتبرون يهوداً بناء على مواصفات إصلاحية يتحولن إلى أشخاص ليسوا يهوداً بمجرد وصولهم  إلى «إسرائيل» وفقاً للتفسيرات الدينية للقانون اليهودي. ويمثل هذا التوقف جوهر الصراع بين التيار الأصولي والتيار العلماني في «إسرائيل» التي يعتبر أن اليهودي هو ذلك الشخص المولود لأم يهودية أو الذي اعتنق الدين اليهودي وليس من أتباع ديانة أخرى، بينما تحاول الأحزاب الدينية إضافة فقرة «بناء على الدين اليهودي » ويؤيد هذا الموقف حزب الليكود ويرفضه العمل، وأحيانا يرفضه الحزبان معا، مما جعله قضية انتخابية وتحالفات حكومية لكسب الأحزاب الدينية، إلى أن تم تعديل قانون العودة الذي يعطي الجنسية «الإسرائيلية» بشكل فوري لكل من يتحدر من عائلة فيها أب يهودي أو أم أو جد أو عم  أو خال يهودي.

 

وأصبح القانون الجديد حسب قرار الحكومة «الإسرائيلية» في جلستها بتاريخ 2362002 يقضي بأن المهاجر الجديد يحصل على الجنسية إذا هاجر إلى «إسرائيل» وجلب معه قريبا يهوديا. أي لا يتيح له الحصول على الجنسية إذا حضر وحده. وقد وافق كل من حزبي الليكود والعمل على هذا التعديل الذي يعتبر شرطاً لضمان «يهودية الدولة» بعد أن عارضاه قبل عشر سنوات عندما طرح على جدول الكنيست.

 

ومهما يكن من أمر فإن التحديات التي تواجه التجمع الاستيطاني الصهيوني في تحقيق «يهودية إسرائيل» ستزداد بشكل مطرد كلما حاول قادة الاحتلال توسيع رقعة الاستيطان. في ظل الأزمة المتشكلة من جراء الهجرة المعاكسة والحضور الفلسطينية المتمثل بالتشبث بالأرض والتمسك بالهوية العربية والقومية في مواجهة الاحتلال الصهيوني وآلته القمعية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....