إنها حرب أمريكية من أجل إسرائيل

«إنها حرب أمريكية من أجل إسرائيل».. هذا هو التوصيف الدقيق للحرب الأمريكية الراهنة التي تشن على العراق وبهذا المفهوم يجب أن يفهم الشعب الأمريكي أن هذه الحرب هي نتيجة طبيعية لهيمنة أنصار “إسرائيل” من «المحافظين الجدد» على صناعة القرار في إدارة بوش ونجاحهم في صياغة أجندة السياسة الخارجية الأمريكية بما يخدم “إسرائيل”.
هكذا فجر بات بيوكانان الكاتب والمعلق السياسي والتليفزيوني الأمريكي الشهير والمرشح الجمهوري للرئاسة سابقاً قنبلة مدوية في الساحة السياسية الأمريكية أخذ صداها يتردد بعد التعثر والإخفاق الذي واجهته الحملة العسكرية الأمريكية في العراق وبعد فشل الخطة العسكرية التي صاغها أنصار “إسرائيل” في «البنتاجون» أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز ودوجلاس فايث والذين صوروا الحرب على أنها ستكون مجرد «نزهة سريعة في الصحراء» لن تستغرق سوى ستة أيام.
وهكذا كسر بيوكانان جدار الصمت في كشف الدور الإسرائيلي في التحريض على شن حرب ضد العراق. إن كلام بيوكانان الذي يفضح فيه مؤامرة الصهاينة في البنتاجون وإدارة بوش في توريط أمريكا بشن الحرب ضد العراق سوف يزداد أهمية وفاعلية إذا ما واصل العراقيون مقاومتهم الباسلة ونجحوا في تبديد «أوهام النصر» لدى أركان إدارة بوش المتطرفين في الولاء لإسرائيل والعداء للعرب. ومن الممكن إذا ما طال أمد الحرب وتفاقمت الخسائر الأمريكية واقتربت الحرب ضد العراق من ورطة مشابهة «للعقدة الفيتنامية» أن يخضع كل هؤلاء الذين دفعوا بوش دفعاً لاتخاذ قرار الحرب وخدعوه بالأماني الكاذبة للتحقيق من قبل الهيئات الرقابية والمساءلة السياسية في أمريكا مثل لجان الكونجرس وأن يفتح على نطاق واسع ملف «العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية» المريبة التي أصبحت فيها أمريكا بكل قوتها الهائلة أداة في أيدي السياسة الإسرائيلية توجهها إلى حيثما تريد حتى لو كان ثمن ذلك كوارث سياسية وعسكرية وأخلاقية مثل شن الحرب غير الشرعية على العراق.
عُرف بات بيوكانان منذ نهاية الثمانينيات بمواقفه الجريئة المناهضة لسطوة النفوذ اليهودي وهيمنة اللوبي الصهيوني على السياسية الخارجية الأمريكية وكان من أبرز أقواله التي تعكس جرأة سياسية نادرة قوله «إن الكونجرس الأمريكي يعد أرضاً محتلة من قبل دولة أجنبية هي “إسرائيل”». وينتمي بوكانان إلى تيار اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري ولكنه على النقيض من تيار اليمين الذي يمثله «المحافظون الجدد» في ذات الحزب يتسم بمناهضة الارتباط باللوبي الصهيوني ويعارض سطوة الشركات الكبرى على صناعة القرار وخاصة الشركات المتعددة الجنسية.
ويرى بيوكانان أن الشركات العملاقة تنتهك دور المؤسسات الديمقراطية المنتخبة وتعمل على توجيه قراراتها بما يخدم مصالح تلك الشركات، كما إنه لا يميل إلى تدخل أمريكا في المشكلات الدولية ويدعو إلى اهتمامها بحل مشكلاتها الداخلية أولاً. ولبيوكانان آراء متقدمة في الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر الثمانينيات طالب “إسرائيل” بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين معتبراً أن الفلسطينيين أثبتوا أن لهم شخصيتهم القومية المستقلة وأنه يحق لهم أن يتمتعوا بدولة ووطن مستقل عن “إسرائيل”، كما أعلن رفضه الاستمرار في تقديم المساعدات الأمريكية لإسرائيل التي تكرسها في «احتلال شعب آخر».
ونظرا لآرائه الجريئة في نقد “إسرائيل” فقد شن عليه اللوبي الصهيوني في أمريكا حملات إرهابية شعواء متكررة اتهمه فيها «بمعاداة السامية» لكنه لم يتراجع عن مواقفه وآرائه الجريئة حيال الكيان الصهيوني. وتأتي آراؤه الأخيرة بشأن الحرب الأمريكية ضد العراق والتي نشرها في دراسة قيمة في مجلته المسماة «المحافظون الأمريكيون» في سياق نقده المتواصل لهيمنة اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية الأمريكية ومخاطر ذلك على المستقبل الأمريكي ذاته.
ولعل من المفيد هنا أن نقدم ملخصاً لأهم أفكاره حول الحرب الأمريكية تجاه العراق. ويرى بيوكانان أنه منذ مطلع التسعينيات وعلى اثر انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي سعى «المحافظون الجدد» ذوو الروابط الوثيقة باللوبي الصهيوني في أمريكا إلى وضع وتنفيذ خطة من أجل القيام بحملة صليبية جديدة لإعطاء معنى لحياتهم وقد وجدوا ضالتهم أخيراً في أحداث 11 سبتمبر ليمسكوا بهذا الحدث المروع لتوجيه غضب الأمريكيين نحو حرب شاملة لتدمير أعدائهم من الدول العربية والإسلامية التي تقاوم سيطرة الولايات المتحدة وتناوئ “إسرائيل”.
وللعلم فإن تيار «المحافظين الجدد» في اليمين المسيحي الأمريكي المحافظ على ارتباط وثيق بالصهيونية ويسميه البعض «المسيحية- الصهيونية» ويسميه آخرون التيار الايفانجيليكي المسيحي المتطرف وهذا التيار يرى أن دعم “إسرائيل” يعد مهمة إلهية مقدسة تعجل بعودة السيد المسيح (عليه السلام). وبالمناسبة فإن الرئيس الأمريكي بوش ينتمي إلى هذا التيار المسيحي المحافظ الذي يرى أن دعم “إسرائيل” «مهمة إلهية مقدسة» وهذا يفسر تفهمه وتأييده لسياسات شارون المتطرفة تجاه الفلسطينيين. وفي هذا السياق تشرح الباحثة والمؤرخة الأمريكية المرموقة جريس هالسيل طبيعة ارتباط هذا التيار اليميني المسيحي بالصهيونية و”إسرائيل” في كتابها الهام «النبوءة والسياسة: المسيحيون الصهاينة» بقولها: «إن أساس عقيدة المسيحيين الصهاينة يقوم على فكرة أن كل ما تفعله “إسرائيل” هو عمل قدر الرب فعله أي أن الرب قدر مسبقاً حدوث هذا الأمر وأن “إسرائيل” قامت به دون أن تدري هي نفسها أنها كانت تنفذ بذلك إرادة الرب. ولهذا يعتقد المسيحيون الصهاينة أن عليهم بصورة آلية تأييد ودعم كل ما تقوم به “إسرائيل”، إذ أنه يعد تجسيداً لمشيئة الخالق وليس لقرارات بعض الساسة والأحزاب. وهكذا فإن قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم واحتلال أراضيهم واقتلاع أشجارهم وإطلاق النار على أطفالهم كل ذلك يصبح في نظر المسيحيين الصهاينة أموراً لا نفهم نحن البشر الحكمة من حدوثها ومن ثم لا تنبغي لنا مناقشتها أو الاعتراض عليها.
وفي ضوء هذه الحقائق البحثية والأيديولوجية يمكننا أن نعرف لماذا لا يحرك الرئيس بوش ساكناً تجاه جرائم شارون. فالرجل الذي ثبت أنه أصبح متديناً للغاية ويصلي كل صباح صلاته الإنجيلية ويطلب من جنوده في العراق أن يدعوا له بالسلامة يرى أن حربه ضد العراق حرب مقدسة تخدم “إسرائيل” ولم يكن فيما يبدو إعلانه المبكر في أعقاب «أحداث 11 سبتمبر» أنها حرب صليبية ضد العالم الإسلامي بعيداً تماماً عن المفاهيم اللاهوتية التي يضخها في مسامعه نخبة الصقور من «المحافظين الجدد» الموالين لإسرائيل في البنتاجون.
وقد كشفت التقارير مؤخراً أن بوش كان يصغي باهتمام واقتناع إلى آراء (ريتشارد بيرل) داعية الحرب الأول اليهودي الصهيوني الذي سقط مؤخراً في الأسبوع الأول من الحرب لأسباب مالية وسياسية. من هنا نقول إن السياسة الخارجية الأمريكية باتت في عهد بوش (المسيحي المحافظ المتدين) أسيرة «للمحافظين الجدد الصهاينة» الذين يسيرونها وفق ما يخدم مصالح “إسرائيل”، وليست الحرب ضد العراق والإصرار على خوضها بالرغم من افتقارها للشرعية الدولية وللمبررات الأخلاقية والسياسية إلا خير برهان على ذلك.
ويؤكد بيوكانان أيضاً انه منذ اليوم الأول لأحداث 11 سبتمبر سعى المحافظون الجدد لتوجيه العمل العسكري ضد العراق على الرغم من عدم ثبوت أي علاقة له بهجمات سبتمبر. «فالمحافظون الجدد» الموالون لإسرائيل يرون أن تدمير العراق سوف يزيل عن “إسرائيل” تهديداً إقليمياً جدياً لأمنها. ويذكر الصحفي الأمريكي المعروف بوب ودوارد في كتابه «حرب بوش» أنه في 15/9/2001 أي بعد أيام قليلة من أحداث 11 سبتمبر قام وولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأمريكي (من أشد أنصار “إسرائيل” وكبار المحافظين الجدد في إدارة بوش) بتقديم مذكرة عسكرية لتبرير شن هجوم أمريكي ليس على أفغانستان معقل طالبان وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، وعندما سئل وولفوفيتز: لماذا العراق؟ قال في اجتماع مجلس الحرب المصغر «إنه في حين قد تكون مهاجمة أفغانستان غير مضمونة فإن العراق يمثل نظاماً استبدادياً هشاً من السهل تدميره وهذا يمكن عمله».
وهكذا نرى كيف يفكر هؤلاء من أنصار “إسرائيل” وكيف أنهم كانوا يتربصون بالعراق وكانوا يتحينون الفرصة لشن الحرب ضده في كل الظروف اعتقاداً منهم بضعف قدراته القتالية نتيجة إنهاك الحصار وليس مهماً لديهم وجود أي ذريعة أو مبرر موضوعي لضربه سوى خدمة أجندتهم الخفية الرامية إلى تحقيق أهداف “إسرائيل” في المنطقة وتوظيف القوة العسكرية الأمريكية الهائلة لتحقيق ذلك.
ويكشف بيوكانان أن نخبة صقور الحرب من المحافظين الجدد عملت على تحريض بوش على تبني فكرة «صراع الحضارات» ودعوه في 12 سبتمبر 2001 إلى مطالبة الكونجرس إلى تبني إعلان الحرب على الإسلام، ثم طالبوه بالا تقتصر قائمة الأعداء على «محور الشر الثلاثي للعراق وإيران وكوريا الشمالية» بل يتعين توسيع دائرة الدول المستهدفة لتشمل دولا أخرى مثل سوريا ولبنان وليبيا وحتى دولا صديقة لأمريكا مثل السعودية ومصر وأيضاً السلطة الفلسطينية.
ويستنكر بيوكانان الافكار المتطرفة التي طرحت في مجلس سياسات الدفاع بالبنتاجون الذي كان يرأسه بيرل وخاصة فيما يتعلق بمهاجمة السعودية واعتبارها «نواة الشر» ويتساءل بتهكم: هل سأل هؤلاء أنفسهم عن كيفية الرد المحتمل من جانب العالم الإسلامي على القوات الأمريكية حينما تطأ أرض المسجد الحرام في مكة؟
ويهاجم بيوكانان هذه التوجهات بقوله:«إن هؤلاء المحافظين الجدد يسعون إلى تجنيد الدم الأمريكي لكي يصبح العالم آمناً لإسرائيل، يريدون لها السلام بالسيف المسلط على الإسلام وأن يموت الجنود الأمريكيون إذا اقتضى الأمر من أجل ذلك السلام».
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....

حماس: الموقف العربي من حرب التجويع والإبادة لا يرقى لمستوى الجريمة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام شددت حركة "حماس" على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة حرب مركبة في غزة، باستخدامها التجويع سلاحا ضد...

السلطة تقطع رواتب عدد كبير من الأسرى في سجون الاحتلال
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام أقدمت السلطة على قطع رواتب عدد من الأسرى والأسيرات، والمحررين والمحررات، في خطوة أثارت استياء واسعًا في...

الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل بالقصف المباشر على قطاع غزة ما معدله 21.3 امرأة...

الصحة تحذر من تسارع مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وزارة الصحة من أن مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية في "تسارع خطير"، فميا أفادت بأن مستشفيات القطاع استقبلت...