نحو مواجهة مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي

مع انهيار الاتحاد السوفياتي وأفول الحرب الباردة، بزغت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية سمتها الرئيسية ضمور التعددية القطبية وصعود الوحدانية القطبية متمثلةً بالولايات المتحدة الأميركية. غير أن أبعاد المرحلة البازغة ومفاعيلها لم تتكشف بوضوح إلاّ بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. معها أفصحت إدارة جورج بوش وزمرة “المحافظين الجدد” المسيطرة عليها عن الأفكار المحّركة لمشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي. وبغزو أفغانستان، باشرت إدارة بوش هجوماً شاملاً لتحقيق أغراضها الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية. ثم ما لبثت أن قرنته بحرب عدوانية فاجرة على العراق لم تخفِ عشيتها غايتها الرئيسية وهي إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحها وثقافتها وبما يدعم مصالح “إسرائيل”.
ما هي أبعاد مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي، وكيف تكون مواجهته؟
أولاً: الأفكار المحّركة لمشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي
1 – تعتبر الولايات المتحدة نفسها الدولة الأكبر والأقوى والأعظم في عالمنا المعاصر. وقد صممت، من أجل المحافظة على قوتها وفرادتها وتفردها، على “عدم السماح لأية دولة أخرى بالتفوق عليها أو حتى بالتساوي معها”.
2 – لتحقيق غايتها الاستراتيجية هذه، اعتمدت الولايات المتحدة نهج الهيمنة الكاملة على العالم من خلال السيطرة الثقافية، والسيطرة على أسلحة الدمار الشامل، والسيطرة على النفط.
3 – السيطرة الثقافية تعني تغيير الثقافة السياسية للأمم والمناطق التي تُنجب “إرهاباً وإرهابيين” معادين لقيم الولايات المتحدة ومصالحها. ذلك أنه “بتغيير الدينامية الثقافية والسياسية التي تنبت الإرهابيين من الجذور، تضمن الولايات المتحدة عالما آمناً”. فهي “إذا لم تقم بصياغة العالم على صورتها وشاكلتها، فسيقوم العالم بصياغتها على صورته وشاكلته”.
4 – السيطرة على أسلحة الدمار الشامل تعني تحقيق تفوق كاسح على الدول المنافسة والحليفة، وحرمان “الدول المارقة” من حيازة مثل هذه الأسلحة مخافة تسريبها إلى منظمات “إرهابية” قادرة على إلحاق الأذى بالولايات المتحدة دونما تأثير رادع لموازين القوى العسكرية. ولضمان سلامتها، تلجأ الولايات المتحدة، في ظروف تحتفظ بحق تقديرها لنفسها، إلى توجيه ضربات وقائية استباقية لأية دولة أو قوة ترتاب في حيازتها أسلحة الدمار الشامل أو تسعى إلى صنعها أو امتلاكها.
5 – السيطرة على النفط كمصدر للطاقة والمال تعني تمكين الولايات المتحدة من التحكم به إنتاجاً وتسعيراً وتسويقاً وبالتالي التحكم باقتصادات الدول والمجموعات المنافسة لها: الصين واليابان وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي. كما أن قيامها بالسيطرة على عائدات النفط الضخمة يحول دون تمويل حركات المقاومة والتحرير والمنظمات التي تصّنفها الولايات المتحدة “إرهابية” لأغراض سياسية أو ثقافية.
ثانياً: الآثار المترتبة على تنفيذ المشروع الإمبراطوري الأميركي
1 – السيطرة على منابع النفط في منطقة الوسط الإسلامي الممتدة من ماليزيا في الشرق إلى موريتانيا في الغرب، ومن جمهوريات آسيا الوسطى في الشمال إلى دويلات القرن الأفريقي في الجنوب مروراً بحوض نفط بحر قزوين وبأكبر احتياطات النفط الكامنة في منطقة الخليج وصولاً إلى منابع النفط في السودان ونيجيريا.
2 – السيطرة على البرزخ القائم بين شرق البحر المتوسط (بلاد الشام وبلاد الرافدين) ومنطقة الخليج (بما فيها الجزيرة العربية وإيران) لدق إسفين جيوسياسي يفصل العوالم الإسلامية الثلاثة، العربي والتركي والفارسي، بعضها عن بعضها الآخر كتدبير استراتيجي استباقي لمنع تضامن العوالم الثلاثة في مواجهة مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي.
3 – إعادة تشكيل المنطقة العربية سياسياً وثقافياً على نحوٍ يؤدي إلى تفتيت كيانات اتفاقية “سايكس بيكو” لدويلات أو جمهوريات موز هزيلة وهزلية تقوم على أسس مذهبية وقبلية، فتكون بذاتها مثابة حدود آمنة لـ”إسرائيل” الكبرى.
4 – تصفية قضية فلسطين وفق شروط “إسرائيل” بإقامة كيان فلسطيني هزيل بلا سيادة ومجّرد من السلاح، وحرمان اللاجئين حق العودة، والتأكيد على اعتبار الأردن دولة الفلسطينيين.
5 – أمركة سائر دول المنطقة بإقامة نظم “ديمقراطية” تابعة وفق المواصفات الأميركية تعتمد اقتصاد السوق وحرية التجارة، وتنفتح على العولمة بما هي الأمركة، وتكون ممسوكة بواسطة طبقة سياسية عمادها رجال الأعمال وحلفاؤهم من الجماعات المذهبية وأجهزة الاستخبارات وزعماء العشائر.
ثالثاً: الأهداف المتوخاة لمشروع المواجهة العربي النهضوي المضاد
1 – توسيع قاعدة التوافق والالتزام بالأهداف الستة للمشروع النهضوي الحضاري العربي المتمثلة بِـ: الوحدة العربية، الديمقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطني والقومي، والتجدد الحضاري، وذلك “بالإسهام في شحذ الوعي العربي بأهداف الأمة المنوّه بها، وبتحقيق التفاعل بين الوحدويين النهضويين العرب في إطار من التنوع والتكامل، وتعبئة الطاقات الشعبية من أجل تحقيق هذه الأهداف، واتخاذ المواقف المعّبرة عنها، وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع الهيئات المماثلة في أهدافها”.
2 – مقاومة مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي المتكامل مع المشروع الصهيوني التوسعي بأفق عربي إسلامي عالمي تتعاون فيه وتتكامل قوى الشعب الحية السياسية والاجتماعية والثقافية والنظم السياسية المتضررة من المشروعين الأميركي والصهيوني.
على الصعيد العربي
3 – تدعيم الوحدة الوطنية الداخلية في الأقطار العربية وتحصينها واعتبارها شرطاً لمقاومة المشروع الإمبراطوري الأميركي والمشروع الصهيوني التوسعي وأساساً للمجهود التضامني والتكاملي العربي.
4 – دعم المقاومة الشعبية الفلسطينية والمقاومة الشعبية العراقية والمقاومة الشعبية اللبنانية للاحتلالين الإسرائيلي والأميركي وتوسيع نطاق أنشطتها عربياً وإسلامياً وعالمياً، وإدانة حملة الضغط الأميركية على سوريا، وتجديد الدعوة لقيام تفاهم استراتيجي بين سوريا وإيران لمواجهة المشروعين الأميركي والصهيوني.
5 – إدانة الفئات الحاكمة العربية المستسلمة للولايات المتحدة و”إسرائيل” وفك الارتباط بها ومقاومتها بالعمل الشعبي المباشر لغاية إجلائها عن السلطة.
6 – الضغط على النظم السياسية ذات الحد الأدنى من الإرادة الحرة والظروف المتماثلة لإقامة صيغ متقدمة للتكامل السياسي والاقتصادي والدفاعي انطلاقاً من واقع الارتباط العضوي بين الأمن الوطني لكل قطر عربي والأمن العربي في مفهومه الشامل.
على الصعيد الإسلامي
7 – مواجهة استراتيجية “الحرب على الإرهاب” الأميركية باعتبارها في الجوهر حرباً على الإسلام والمسلمين وحملة واسعة لترويج العنصرية وكره الأجانب من غير الأميركيين والأوروبيين، وإلى تقسيم العالم قسمين: واحد يمثل “الخير” وآخر يمثل “الشر”.
8 – تحقيق المشروع العربي النهضوي على أساس أنه ليس استنساخاً لتجارب الغرب وقيمه المفروضة على البشرية باسم العولمة، مثلما هو ليس تكراراً مستحدثاً لتراثنا العربي الإسلامي بل هو في الأساس عمل إبداعي يستلهم أفضل ما في هتين التجربتين الحضاريتين وغيرهما من قيم إيجابية وإنجازات إنسانية.
9 – اعتبار الديمقراطية، بما هي حكم الرأي وحكم القانون وآلية شفافة للانتخاب الحر، السبيل إلى التجدد الحضاري والتفاعل مع الثقافات الإنسانية.
على الصعيد العالمي
10 – مواجهة العولمة بما هي سعي الغرب، بدوله الكبرى وشركاته الكونية، “لإعادة تنميط العالم وفق معاييرها الحضارية ومفاهيمها السياسية ومراميها الاقتصادية وقيمها العقيدية وتجاهلها مواريث الشعوب الحضارية وهوياتها القومية وتجاربها الإنسانية وحقوقها في المغايرة الثقافية”.
11 – اعتبار التقدم العلمي والثقافي “من بديهيات أي مسعى لمغالبة التخلف الحضاري ومكّوناً أساسياً في الإجابة عن سؤال مزمن تطرحه الأمة على نفسها عن سبب تخلفها وتقدم الأمم الأخرى”.
12 – التمسك بقيم الحرية والديمقراطية واحترام الخصوصيات الثقافية والاثنية وضمانات التداول السلمي للسلطة والإفادة من معطيات التقدم العلمي، لا سيما في مجالات ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الفائقة.
رابعاً: مناهج تحقيق المشروع النهضوي العربي وآلياته
1 – مباشرة مراجعة نقدية شاملة وعميقة لتجارب قوى الشعب الحية والنظم السياسية المتعاقبة بعد النكبات الثلاث في العام 1948 والعام 1967 والعام 2003 بغية استخلاص الدروس والعِبرَ وتصويب الرؤية والممارسة في ضوء معطيات تاريخية ثلاثة:
(أ) اصطدام النضال من أجل التحرر والوحدة والتنمية بوجود أجنبي شبه دائم على امتداد المنطقة، دافعه التحكم بمضائقها الاستراتيجية، وبمنابع النفط، وبالسوق القارية الواسعة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...