رؤية سينمائية غربية للانتفاضة الفلسطينية

مع دخول انتفاضة الاستقلال عامها الثالث .. تغدو أعمق و أشمل تحرّك جماهيري في تاريخ وطننا .. و لتدخل التاريخ العالمي بوصفها واحدة من أهم موجات الغضب الجماهيري و أكثرها عمقاً و ديمومة .
لقد كان للانتفاضة في فلسطين وقع الزلزال الذي اخترق كلّ بيت ، و هزّ كلّ إنسان معادٍ للاستعمار و القمع و الإرهاب في العالم . و إذا كانت الانتفاضة قد أثّرت في معظم مستويات الإبداع الفني و الأدبي ، عربياً و عالمياً ، إلا أنها لم تتبلور بشكلٍ صريح في الفن السينمائي إلا بعد فترة من الزمن ، لأن الفن السينمائي من الفنون بطيئة الإنتاج ، و ذلك لما يحتاج إليه من إمكانيات و تقنيات و وقتٍ طويل ، عكس فنون الكتابة الفردية مثل الشعر و القصة .
و هنا يبرز الدور الفعال و المهم للأفلام الوثائقية و التسجيلية التي صوّرت أحداث الانتفاضة و تفاصيلها ، و التي عرضت على شاشات التلفزيون العالمية و في لمهرجانات السينمائية ، و بدت في هذه الأفلام المعالجة النضالية الخلاقة و المبدعة للواقع و الحوادث الجارية و تصوير المنظر الحي و الحدث الحقيقي.
و الجميع يذكر ما أثاره في الرأي العام العالمي الفيلم الوثائقي الذي صوّر سياسة تكسير العظام التي اتبعها المحتلون الصهاينة لقمع مظاهرات الانتفاضة الأولى ، و ما أثاره الفيلم الذي صوّر مجزرة الحرم القدسي الشريف أثناء عرضه في اجتماعات هيئة الأمم المتحدة ، و التأثير العالمي الذي تركه الفيلم الذي صوّر استشهاد الطفل محمد الدرة .
الصهيوني لم يعد يحتكر الصورة السينمائية :
إن الانتفاضة الفلسطينية فجّرت مضامين الصور و أشكالها التي كانت ترسل من الشرق الأوسط إلى عيون العالم منذ أكثر من أربعين عاماً . فالمشروع الصهيوني الذي كان قد فرض صورة بقوة الإعلام و إعلام القوة ، وجد نفسه مهدّداً بنجاعة أهم العناصر التي كان يتوهم أنها من احتكاره الخاص ، لقد أصبحت «الكاميرا هي الشاهد المحايد» حيث حرّرت الفلسطيني من التزييف المتراكم على صورته ، و أصبح الصهيوني يخوض صراعاً مع صورته الحقيقية في الصورة المتخيّلة التي أنتجها بأداة لم يعد يحتكرها ، و في شرطٍ لم يعد قادراً على تحديد هويته السابقة ، و لا قادراً على تبرير كلّ ما يفعل .. إن ما كان سلاحه الخاص صار سلاحاً عليه ، و ما كان يصوّره «جماله و كماله» صار يصوّر بشاعته .
و من الأفلام العالمية التي صوّرت الانتفاضة الفلسطينية الفيلم التسجيلي «فلسطين تشتعل» للمخرجة الألمانية مونيكا مور ، و هو سادس فيلم لها عن القضية الفلسطينية استطاع أن يشدّ الانتباه و هو عبارة عن نشيدٍ حي للغناء اليومي و البطولة و للعذاب الذي يلقاه المواطن الفلسطيني و القمع الذي تلاقيه الانتفاضة الفلسطينية في فلسطين المحتلة .
كما استطاع المخرج الهنغاري “لا يوش كروديناك” في فيلمه التسجيلي «الانتفاضة» أن ينقل صورة حقيقية عن النضال اليومي الفلسطيني و عن يوميات الانتفاضة الشعبية . بل استطاع من خلال الفيلم أن يستهدف الفكر الصهيوني من خلال قادة العمل و الليكود و تعريته للصهيونية كامتداد لعصابات الشترين و الكاخ .
«المجرم يرتعب من شهادة الشهيد و شهادة السينمائي» :
و قد روى المخرج «لايوش كروديناك» أنه أثناء القيام بتصويره الفيلم كان مواجهة دائمة مع الجنود الصهاينة الذين أصبحوا يحاربون أصحاب آلات التصوير كما يحاربون أطفال الحجارة . روى هذا المخرج أنه في إحدى المرات أراد أحد الضباط منعه من التصوير لكنّه تحت إلحاح المخرج صرخ الضابط بغضب هستيري قائلاً : «إذهب من هنا إنك تزعج حربنا» ، فأجابه الكورديناك : « أنتم إذاً في حرب ضد العزل و تقتلون أيضاً .. هذا أنتم و لكننا نحن لا نقتل فلماذا أنتم خائفون ؟» لاحظوا كيف يرتعب المجرم من شهادة السينمائي .. و كيف يخاف من تحالف العدالة الفلسطينية مع الرصد المحايد .. بل يخاف من ذلك لأنه لا يعرف أن الصورة العادلة حتى و لو كان صاحبها محايداً فإنها تتضامن حتماً مع العدل .
«العمق الداخلي للانتفاضة سينمائياً» :
الفيلم الألماني «الانتفاضة الطريق إلى فلسطين» للمخرج “روبرت كريغ” يبدأ بمشهد الأرض و المحراث و الزيتون تعبيراً عن أصالة شعبٍ و جذوره الراسخة ثم يتابع الحياة الداخلية اليومية للمخيم ، تشكّل الانتفاضة و المواجهات جزءاً استطرادياً خلفياً للفيلم . فقد أراد مخرج الفيلم أن يرينا أولاً كيف تتصادم الحياة اليومية ، العمل ، لعب الأطفال ، التبضع مع وجود الاحتلال في تلك الصورة الثابتة للحواجز و مفارز القمع ، مشهد لقوات الاحتلال و مشهد للحياة اليومية في تقاطع سريع .
و في الفيلم مشهد لجنود الاحتلال فوق أحد السطوح برشاشاتهم و خوذهم ، يحاولون اعتقال شابٍ لمجرد الاشتباه بأنه ألقى حجراً ، و يرينا المخرج كيف أن الحجر سقط تلقائياً من عمارة قيد البناء ، لا شيء في منطق الاحتلال يفسّر بالصدفة نفسها قابلة لأن تكون سبباً في الاعتقال .. يتابع الفيلم بالتركيز على البنية التحتية للانتفاضة ، فيرينا كيف يعمل الشعب الفلسطيني على استمرارية الانتفاضة و يحسب لأسوأ الاحتمالات في المواجهة الشاملة مع الاحتلال .. قيمة الفيلم تكمن في طابعه الريبورتاجي و المعلوماتي الذي قدّمه فريق عمل عاش داخل المخيم ، و رأى الأمور من جانبها غير المرئي العمق الداخلي للانتفاضة .
أما فيلم «الانتفاضة طريق الحرية» فإن مخرجته البريطانية (جيني مورغان) لها موقف واضح من قضية الصراع العربي – الصهيوني ، فهي تقول عن الاحتلال الصهيوني : “إنه نقطة مؤلمة في التاريخ الإنساني ، و أردت في هذا الفيلم أن أبرز كيف يواجه الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني في مواجهة غير متكافئة ، و لكن هناك إصراراً من قبل أهل أرض فلسطين على استعادة حقوقهم و وطنهم . و لذلك أردت من الفيلم أن أنفي صفة الإرهاب التي تلحقها الصهيونية بالعمل الفلسطيني” .
مدة الفيلم (22) دقيقة .. و هي كما تقول المخرجة : «كافية لتوضيح الحالة التي لا تطاق للوضع الفلسطيني تحت الاحتلال» و يصوّر الفيلم دور النساء الذي تبدّل في الانتفاضة و أصبحت أهميته مهمة بالنسبة للمجتمع و الانتفاضة ، و في الجانب الآخر الوحشية و الهمجية الصهيونية و التعصب الأعمى الذي يسيطر على عقلية العسكري و السياسي الصهيوني على حد سواء .. و قد لاقى الفيلم قبولاً و استحساناً واسعاً و حاز على جائزة الحمامة الفضية في مهرجان لا يبزغ .
و من الأفلام التي لاقت اهتماماً واسعاً عند عرضها في الولايات المتحدة الأمريكية الفيلم التسجيلي «أيام الغضب – الشبيبة الفلسطينية» من إعداد و إنتاج الصحافية الأمريكية “جوفر انكلين تروست” و الذي عرض على شاشة القناة العامة (pbs) في نيويورك ، و في بقية المدن و الولايات الأمريكية ، و قد أثار الفيلم على الرغم من كلّ التحفظات التي يمكن قولها حوله ضجة كبيرة ، كما واجه حملة من قبل أنصار الكيان الصهيوني و المنظمات اليهودية التي حاولت أن تبذل كلّ جهدها دون عرضه .
ينفتح الزمن السينمائي على توهج عصر الانتفاضة عارضاً مجموعة من الصور المعبرة عن إصرار الفلسطيني على الدفاع عن قدسية حقّه في الوجود برشق الجنود الصهاينة بالحجارة و المظاهرات و الأغاني .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...