الأحد 11/مايو/2025

فلسطين وأجندة بوش

فلسطين وأجندة بوش

.. وأخيراً، وفي حمأة بحثه الدؤوب عن حيلة ما لتبرير خيار الحرب ضد العراق أمام فئات الشعب الأميركي غير المقتنعة، قرر جورج بوش أن ينفض الغبار عن «خريطة الطريق» الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط وكأنه يقول لشعبه إنه مهتم بقضية السلام قدر اهتمامه بقضية الحرب.. وأن ضغطه على العراق يتوازن معه الآن ضغط في الاتجاه الآخر على “إسرائيل”. لكن القراءة بين السطور على خلفية الفشل الدبلوماسي العالمي الذي منيت به إدارة بوش، تكشف دون عناء أن إحياء «خريطة الطريق» ليس سوى حيلة دعائية من حيل فن العلاقات العامة من أجل خدمة الأجندة الحربية الأميركية تجاه العراق، ليس إلا.

فجأة ظهر الرئيس الأميركي على الشاشة يوم الجمعة الماضية ليلقي بياناً مخصصاً بالكامل للقضية الفلسطينية، يتضمن «وعداً» بالعمل على قيام دولة للفلسطينيين على نحو ما ورد في مشروع «خريطة الطريق» الذي يدعو لإنشاء هذه الدولة على مراحل. وإذا كان ظهور الرئيس بوش على هذا النحو بدا غير معلل فإنه ليس كذلك. وإذا كان بيانه بدا وكأنه لا علاقة له إطلاقاً بالمسألة العراقية (كما حرص الرئيس نفسه أن يقول ذلك للصحافيين عقب البيان)، فإنه أيضاً ليس كذلك. فلجوء الرئيس إلى القضية الفلسطينية يأتي بالضبط في الظرف الذي وصلت فيه اللعبة الدبلوماسية الأميركية لمحاولة حشد التأييد العالمي للحرب ضد العراق إلى طريق مسدود.

 

لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن الرئيس قرر فيما يبدو مخاطبة الشعب الأميركي بشأن القضية الفلسطينية، بعد أن ارتفعت للمرة الأولى أصوات احتجاجية قوية ضد النفوذ اليهودي في بنية الإدارة الأميركية.

ما كان يدور همساً في أروقة الكونغرس بأن النفوذ اليهودي الأميركي وراء توجه إدارة بوش لإشعال الحرب ضد العراق وأن هذا التوجه مبني بالدرجة الأولى على اعتبارات إسرائيلية ولخدمة أجندة إسرائيلية، اخذ في الأسبوعين الأخيرين نهجاً علنياً على لسان برلمانيين ومفكرين أميركيين مرموقين. ثم جاء قرار مجلس مدينة نيويورك ـ أكبر معقل للنفوذ اليهودي ـ برفض الحرب.

 

بيان بوش هو إذن محاولة لتبرير الحرب على العراق من حيث المبدأ، ومن ثم تهدئة المشاعر المتنامية ضد المنظمات اليهودية الأميركية. وعدا ذلك الهدف الدعائي الأجوف يبقى مشروع «خريطة الطريق» كما هو: وسيلة سياسية دبلوماسية لإخماد المقاومة الفلسطينية المسلحة باسم مكافحة الإرهاب وإقرار الأمن.

 

وما أشبه الليلة بالبارحة: ذلك أن بوش الابن بحاجة اليوم عشية ضرب العراق، بقدر ما كان يحتاج بوش الكبير عشية ضرب العراق أيضاً في عام 1990، إلى تهدئة الجبهة الفلسطينية لكي لا يتبلور لدى الرأي العام العالمي انطباع عام بأن أميركا لا هاجس لها سوى سحق العرب.

 

وعود بوش الكبير انتهت بالفلسطينيين إلى مسرحية «مؤتمر مدريد» الاحتفالي الذي ثبت لاحقاً أنه لم يكن سوى مقدمة إجرائية على طريق انفراد واشنطن بالأمور إلى أن وصلت القضية تحت إشراف «الراعي المحايد النزيه» إلى محطة «أوسلو».

 

ولن تختلف وعود بوش الصغير عن وعود أبيه هذه المرة. فالهدف في الحالتين «تكتيكي» بحت: إطلاق فرقعة دعائية تلهي الفلسطينيين بمسلسل من الاتصالات والجولات الدبلوماسية المصطنعة ريثما تنتهي الإدارة الأميركية من المهمة العراقية.. وبعد ذلك يكتشف الفلسطينيون أنهم لم يقبضوا إلا الريح.

 

والسؤال الذي يطرح هو: هل يقع الفلسطينيون في الفخ نفسه مرتين؟ لقد حرصت واشنطن فيما يبدو على إشراك عناصر فلسطينية مسبقاً في كتابة نص المسرحية الجديدة. هذا ما يستخلص من اتفاق أميركي إسرائيلي مع شخصيات قيادية فلسطينية حول استحداث منصب «رئيس الوزراء الفلسطيني» ليكون بمثابة الفصل الاستهلالي للمسرحية.

 

حول هذه النقطة كان الرئيس بوش صريحاً في بيانه. فقد ربط بين تقدم واشنطن رسمياً بمشروع «خريطة الطريق» إلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وبين تولي محمود عباس أبو مازن مهام منصبه كرئيس وزراء فلسطيني.

 

وأبو مازن نفسه لم يترك مجالاً للتكهن بشأن مهمته الأساسية عندما يتسلم منصبه. فقد أعلن مسبقاً على رؤوس الأشهاد أن همه الأول والأخير سيكون تصفية المقاومة المسلحة.

 

ولن يكون مهماً من وجهة نظر واشنطن أن ينجح أبو مازن أو يفشل في هذه المهمة الكبرى.. المهم أنه بتحريضه قوات السلطة الفلسطينية أو بالأحرى ما تبقى منها لاستفزاز قيادات فصائل المقاومة المسلحة، سوف يتسبب في اندلاع حرب أهلية فلسطينية يكفي أن تستمر إلى أن تنتهي الحرب الأميركية على العراق وتتحقق أهدافها.

ولكن هل تحقق الحرب الأميركية أهدافها فعلاً.. إذا اندلعت أم تفضي إلى تداعيات لا يعلمها إلا الله؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات