الأحد 11/مايو/2025

إحياء «خريطة الطريق».. بين المناورة والرغبات الشارونية

إحياء «خريطة الطريق».. بين المناورة والرغبات الشارونية

ما الذي جعل الرئيس الأميركي جورج بوش يقرر فجأة، وهو يستعد لبدء حربه على العراق، «الإفراج» عن «خريطة الطريقة» التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية في شأن إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بعدما احتجزها لديه عدة أشهر استجابة لرغبة الحكومة الإسرائيلية؟ ومع أن الرئيس بوش ربط الإعلان عن قراره المفاجئ باختيار محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للحكومة الفلسطينية الجديدة، وهو المنصب المستحدث لدى السلطة الوطنية الفلسطينية. لكن هذا المفهوم لدى مختلف المراقبين والمحللين أن الإدارة الأميركية ستكون منشغلة تماماً، من الآن وحتى موعد يصعب تقديره، بعملية غزو العراق وتطوراتها المفتوحة على جميع الاحتمالات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التحليلات السابقة كانت جميعها التقت عند الاعتقاد بوجود اتفاق أميركي – إسرائيلي على تأجيل كل بحث جدي يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية إلى ما بعد الانتهاء من حرب العراق وظهور نتائجها الحاسمة، بحيث يجري توظيف هذه النتائج، إذا ما جاءت لمصلحة الولايات المتحدة، في تحديد شكل التسوية ومضمونها وفقا للشروط الإسرائيلية وحدها، ومن دون أي مراعاة لا لحقوق الشعب الفلسطيني ولا لرغبات الدول العربية وتوسلاتها.

وتأكيدا لما ذهب إليه المحللون في هذا الشأن فقد رفضت الإدارة الأميركية المساعي التي بذلتها الأطراف الثلاثة الممثلة في اللجنة الرباعية «إلى جانب الولايات المتحدة»، وهي روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على مدى الأسابيع الماضية، لإعلان خريطة الطريق في صورة رسمية ومطالبة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بتحمل مسئولياتهما حيالها، واختارت، بدلاً من ذلك، مواصلة التنسيق المنفرد مع الحكومة الإسرائيلية.

 

مناورة سياسية

وعلى هذا، فإن الاستنتاج الذي يمكن الخروج به من هذا التطور الجديد هو أن الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي ليس سوى مناورة سياسية يراد عبرها تحقيق مجموعة من الأهداف، الآنية والبعيدة المدى، أبرزها:

 

أولاً: من الناحية الشكلية، فإن اختيار هذا الوقت بالذات، أي قبل أيام قليلة من بدء الحرب على العراق، لإعلان الوعد بـ «الإفراج» عن «خريطة الطريق»، إنما يراد منه أن يكون الحدث جزءاً من وسائل الحرب ذاتها للتأثير على مواقف الأطراف الرئيسية المعنية بالقضية الفلسطينية وبالحرب معاً، وهي الدول العربية.

 

وقد سبق للرئيس بوش في خطابه في 27 فبراير الماضي، أن قال «نهاية النظام الحالي في العراق ستوفر فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل»، وأضاف أنه «توجب على الحكومة الإسرائيلية الجديدة من ناحيتها، بعد إزالة التهديد الإرهابي وتحسن وضعها الأمني، أن تدعم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة».

ونظراً لأن هذا التصريح كان أثار انتقادات عنيفة لدى جهات عدة، عربية ودولية، فقد تحاشى الرئيس الأميركي أن يجدد في خطابه الأخير، هذا الربط المباشر بين الموضوع العراقي والموضوع الفلسطيني. ومع ذلك فقد رأى فيه المراقبون محاولة أخرى لتعميم هذا التوجه على أمل أن يترك أثره المطلوب لدى الدول المهتمة بوضع حد للصراع العربي – الإسرائيلي وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.

 

خدمة لبلير وشارون

ثانياً: رأى العديد من المحللين أن الرئيس بوش أراد إسداء خدمة لرئيس الحكومة البريطانية توني بلير، المهتم هو الآخر بالموضوع الفلسطيني، لتعزيز رصيده السياسي داخل بريطانيا ومساعدته على الخروج من المأزق الذي يواجهه نتيجة لمعارضة أغلبية الشعب البريطاني السياسة الحكومية المتمثلة بالاندفاع الشديد للمشاركة في الحرب على العراق.

 

وبالفعل فقد دلت مسارعة بلير إلى عقد مؤتمر صحفي، في أعقاب إعلان الرئيس بوش «المفاجىء» لتأكيد تبنيه الموقف الأميركي وإظهار حسناته. إن إعلان الرئيس الأميركي إنما تم بالتنسيق مع رئيس الحكومة البريطانية وربما بطلب منه، ومن أجل تحقيق الفائدة المطلوبة فقد أجرى بلير اتصالين هاتفين، الأول مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والثاني مع رئيس الحكومة الفلسطينية «المعين» محمود عباس لتهنئته بمنصبه الجديد، والهدف من كل ذلك هو إقناع «من يهمه الأمر» بأن توني بلير مازال يستطيع أن يقدم مساهمات إيجابية لإنهاء نزاعات الشرق الأوسط، لاسيما النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، حتى لا يستمر التركيز على الموضوع العراقي وحده.

 

ثالثاً: إلى جانب أن خطاب الرئيس بوش الأخير اتسم بالعموميات ولم يتضمن التزاماً محدداً لتحقيق تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية، باستثناء الكلام المكرر عن ضرورة «قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة» فهو ركز على ما يسميه «الإرهاب الفلسطيني» رابطاً بين صلاحيات رئيس الحكومة الفلسطينية و«وقف الإرهاب» وهو الموقف ذاته الذي تعتمده الحكومة الإسرائيلية.

 

رابعاً: لم يطرح الرئيس بوش «خريطة الطريق» باعتبارها وثيقة ملزمة للطرفين ويرتبط تنفيذها بجدول زمني، وإنما كأفكار واقتراحات مطروحة للنقاش والتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أي أنه يخضع المسألة من جديد إلى ميزان القوى القائم بين الطرفين.

 

وتتجلى خطورة هذه المسألة في كلام شارون المتكرر عن رفضه الالتزام ببنود «خريطة الطريق» كما وضعتها اللجنة الرباعية، وتأكيده أن لديه مئة تعديل عليها حتى تصبح صالحة للتنفيذ من وجهة نظره.

 

وتشمل تعديلات شارون، التي يعتبرها بمثابة شروط وقف ما يسميه «الإرهاب الفلسطيني» قبل الدخول في أي بحث مع الحكومة الجديدة حول مضمون «خريطة الطريق» أو غيرها وكذلك فرض قيود مشددة على «سيادة» الدولة الفلسطينية الموعودة بما يجعلها مؤقتة ومنزوعة السلاح وتسيطر “إسرائيل” على كل منافذها الحدودية، براً وبحراً، وعلى مجالها الجوي، كما تمنع من عقد اتفاقات أو تحالفات مع أي دول معادية للدولة الإسرائيلية.

 

ويشترط شارون أيضاً أن يسبق موافقة “إسرائيل” على حل «الدولتين» صدور إعلان فلسطيني بالتنازل عن حق عودة اللاجئين كما يطلب شطب العبارة الواردة في الخطة الدولية والتي تدعو “إسرائيل” «لوقف العنف والتحريض ضد الفلسطينيين».

 

وثمة نقطة أكثر أهمية، ضمن نقاط شارون المئة، مفادها أن “إسرائيل” ترفض الالتزام بأي جدول زمني يتعلق بتنفيذ الخطة كما تريد حصر مسئولية الإشراف على التنفيذ بالولايات المتحدة وحدها وفي حين أن «خريطة الطريق» تعتبر هذه المسئولية مشتركة بين الأطراف الأربعة الممثلة في اللجنة الدولية، كما تقترح الاستعانة بمراقبين دوليين وهو الأمر الذي يعارضه الإسرائيليون تماماً، قياساً على تجارب عديدة سابقة ووفقا لتأكيدات مستمرة.

 

النوايا السيئة

خامساً: يتضح من إعلان الرئيس بوش، ومن المواقف المعلنة للمسئولين الإسرائيليين أن جميع هؤلاء يتمترسون حالياً حول ما يسمونه «صلاحيات رئيس الحكومة الفلسطينية» وحدود قدرته على التصرف بمفرده وثمة من يعتقد أن القصد من ذلك تحقيق هدفين متلازمين:

 

الأول: انتزاع صلاحيات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بكاملها وتحويله إلى رئيس صوري لا حول له ولا قوة وسيسهل عند ذلك حملة على الخروج من الأراضي الفلسطينية بما يؤدي عملياً إلى وضع نهاية لحياته السياسية.

 

والثاني: إحداث شرخ واسع وعميق داخل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال مشكلة اسمها «صلاحيات رئيس الحكومة» وهناك من يرى أنه حتى لو حصل «أبو مازن» على أوسع الصلاحيات ستظل “إسرائيل” تشكك في ذلك، سواء من حيث المبدأ أو كلما اتخذ رئيس الحكومة الفلسطينية موقفاً يناقض رغبتها ويتعارض مع توجهاتها ولذا ستبقى هذه المشكلة قائمة دائماً بحيث تتعمد “إسرائيل” استخدامها كذريعة لعدم تنفيذ التزاماتها في إطار أي تسوية يتم الوصول إليها.

 

ويمكن القول حيال ذلك إن «تفعيل» صلاحيات رئيس الحكومة الفلسطينية إنما يتم تحت تأثير حملة الضغط الأميركية – الإسرائيلية (وخطاب بوش الأخير إحدى أدواتها)، لا حسب مقتضيات المصلحة الوطنية الفلسطينية فـ”إسرائيل” تريد أن يصبح المسئول الفلسطيني وكأنه تابع لها ويأتمر بأوامرها.

 

ومؤشرات هذا التربص أنه برغم أن اختيار أبو مازن رئيساً للحكومة الفلسطينية لقي ترحيباً مبدئياً لدى المسئولين الإسرائيليين لكنه تعرض في الوقت ذاته لحملة انتقادات عنيفة بسبب تصريح صحفي كان أدلى به قبل ثلاثة أسابيع وذكر فيه أنه يميز بين الأعمال التفجيرية ضد المدنيين داخل “إسرائيل”، وأعمال المقاومة التي تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وقد جاء في ذلك التصريح أنه «إذا دخل إسرائيلي بيتك وأراد أن يبني مستوطنة فوق أرض فإن من حقك أن تقاوم» وبسبب حساسية الموضوع فقد شارك في الحملة على المسئول الفلسطيني كل من رئيس الدولة الإسرائيلية (موشيه كتساف) ووزير الخارجية (سلفان شالوم) بالإضافة إلى عدد من جنرالات الجيش.

 

ووفقاً للتصريحات الصادرة عن المسئولين الإسرائيلي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات