الانتفاضة.. وميزان الهجرة الاستيطانية

مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق بداية عام 1990 دقت اللحظة الذهبية أمام المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، لتحشيد قوافل الهجرة الاستيطانية التوسعية اليهودية الصهيونية إلى فلسطين. وبدأت أرقام هجرة اليهود السوفييت تتراكم باتجاه فلسطين المحتلة، وقد وصل خلال الفترة (1990-2000) نحو مليون يهودي، وساهمت الهجرة بأكثر من (67) في المائة من إجمالي الزيادة السكانية اليهودية على أرض فلسطين خلال الفترة المذكورة. إلا أن مصادر ومنابع الهجرة التهويدية إلى فلسطين بدأت بالجفاف التدريجي، خاصة في ظل انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية، وتصاعد الكفاح الوطني التحرري المشروع للشعب الفلسطيني.
إخفاق متزايد
فقد طرأ هبوط واضح على هجرة اليهود إلى فلسطين من دول وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق خلال الانتفاضة الفلسطينية الراهنة التي قاربت منتصف عامها الثالث، وذلك قياساً بالأعوام التي سبقت. فقد وصل الانخفاض في ميزان الهجرة وفق معطيات الوكالة اليهودية إلى نسبة تقارب 16%، وسبق أن بلغت نسبة الهبوط في الهجرة بحدود 12% خلال العامين اللذين سبقا اندلاع الانتفاضة.
وبشكل عام فإن معظم المهاجرين اليهود الذين قدموا لاستيطان الأرض الفلسطينية وطرد أصحابها جاءوا من دول رابطة الشعوب التي كانت تشكل سابقاً الاتحاد السوفييتي، وذلك بنسبة 83%. وهناك ميل متواصل لهبوط عدد المهاجرين القادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. كما أن 84% من المهاجرين المستعمرين اليهود القادمين من دول رابطة الشعوب جاءوا من المناطق الأوروبية، ونسبة 16% من المناطق الأسيوية.
ومعدل الهجرة من روسيا الاتحادية، هبط بدوره بنسبة 15% قياساً للفترة التي سبقت اندلاع شرارات انتفاضة الأقصى والاستقلال الفلسطينية. وانخفضت الهجرة من المدن الكبرى، وتحديداً من موسكو، وبطرسبورغ، وكييف.
وحسب الوكالة اليهودية، فهناك تزايد مرتفع في الإخفاق بجذب نخبة اليهود الموجودين في المدن الكبرى لدول رابطة الشعوب نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويذكر أن الإحصاءات البيانية للوكالة اليهودية تشير إلى أن عدد اليهود في موسكو يبلغ 180 ألفاً، وعدد اليهود في بطرسبورغ 100 ألف. وهذا الهبوط المستمر في الهجرة من دول وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق يوازيه هبوط آخر في أعداد المهاجرين من الدول الغربية، حيث هبطت النسبة عن فترة ما قبل الانتفاضة بـ 14% في عدد المهاجرين من الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وهناك هبوط 25% على الهجرة من بريطانيا. وبشكل عام، فان نصف المهاجرين الاستيطانيين المستعمرين خلال العامين الماضيين، كانوا من جيل 30 عاماً، ونصيب الشبان حتى 14 وصل 519%، ونسبة كبار السن (65 وما فوق) كانت 11%. ونسبة 26% من المهاجرين هم من أصحاب المهن العلمية والأكاديمية، ونسبة 32% من أصحاب المهن الحرة المتعددة، ونسبة 22% من العمال المهنيين وبشتاء الصناعة، والباقي موظفين ومستخدمين في المبيعات والخدمات العامة والأعمال الزراعية.
أسباب إضافية
وبعيداً عن الانتفاضة الفلسطينية وما صنعته من وقائع انعكست على ميزان الهجرة التوسعية التهويدية، فإن الوكالة اليهودية وهي الجهة المعنية بقضايا الهجرة والاستيطان قدمت ملاحظات أولية حول الأسباب الإضافية لتدني نسبة المهاجرين من دول وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق على الشكل التالي:
1 – الاستيعاب الفاشل للعلماء والمهندسين والأطباء من المهاجرين إذ يعمل ثلث المهاجرين فقط في مجال اختصاصه واتضح أن حزب «يسرائيل بعلياه» (إسرائيل بالهجرة) الذي يضم العدد الأوسع في صفوفه من مهاجرين الدول المذكورة، لم يستطع هو الآخر أن يؤثر في هذا المجال، حيث يضطر مهاجرو جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق للعمل في الخدمات البلدية بالنسبة للشباب، وفي الحانات والملاهي الليلية والأندية المغلقة بالنسبة للفتيات، إضافة للمساعدة المقدمة من الوكالة اليهودية. أما العامل الذي يجد مكاناً للعمل في مصنع ما، فيحصل على راتب متدن قياساً بالدخل في الدولة العبرية، بحيث يقتل حافزيته للتطور والعطاء والتقدم في عمله (وفق تقارير الوكالة اليهودية).
2 – موضوع انهيار عملية التسوية الراهنة ودخول المنطقة في نفق الاستعصاء، وهذا الموضوع مفصلي ومهم باعتبار أن معظم المهاجرين يأتي في سياق البحث عن رفع مستوى معيشته وتالياً الثراء السريع.
3 – عودة الانتعاش الاقتصادي ولو بوتيرة منخفضة إلى روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لذا فالفرصة الأفضل أصبحت في نظر أعداد كبيرة من يهود روسيا والدول المذكورة البقاء في وطنهم الأم.
وحسب رئيس قسم الهجرة في الوكالة اليهودية «اوري جوردون» فإن ارتباط يهود المدن الكبرى في روسيا مع يهود الدولة العبرية ضعيف وهم يفضلون الثقافة والحياة الغربية على المزاج الشرق أوسطي. وهذا ما يبرر الأعداد القليلة والهبوط المستمر للمهاجرين من المدن الكبرى من دول الاتحاد السوفييتي السابق نحو فلسطين المحتلة.
بناء على كل ذلك قدمت الوكالة اليهودية (قسم الهجرة) عدداً من الاقتراحات للزعامات الحزبية الإسرائيلية للعمل على رفع نسبة الهجرة الاستيطانية، وهذه الاقتراحات كانت على الشكل التالي:
1 – إرسال مبعوثين إضافيين للعمل على تقوية علاقة اليهود في روسيا والدول المحيطة بها بيهود الدولة العبرية.
2 – جعل الوكالة والهستدروت الصهيوني مؤسسة واحدة، وإقامة مؤسسة جباية إسرائيلية وتأسيس جامعة يهودية للشبان اليهود في روسيا وأوكرانيا وحتى بولونيا.
3 – إضفاء رونق على قسم الهجرة في الوكالة اليهودية من خلال جلب المستشارين الاستراتيجيين والخبراء في الإدارة.
4 – إعطاء فيض من المعلومات من جانب مبعوثي الوكالة للمهاجرين لدفعهم للهجرة، مع تقديم المساعدات المادية والحقوق الاجتماعية ومنحهم الجنسية قبل وصولهم.
5 – إقامة المشاريع الحكومية الكبرى مثل قناة المياه التي تربط بين البحر الميت والبحر الأبيض المتوسط، بحيث يتحول هذا المشروع مشروعاً تطوعياً لجذب آلاف اليهود الشبان.
6 – تطوير الاستيطان والبنى الاستيطانية وخصوصاً في هضبة الجولان الغنية بالمياه والأرض الخصبة، وفي مناطق القدس ومحيطها. وتجنيبهم مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة التي أصبحت مقبرة لعصابات المستعمرين المستوطنين.
7 – إعطاء المهاجرين فور قدومهم امتيازات مادية وإعفاء ضريبي ورعاية اجتماعية بنسبة أكبر من الواقع الحالي، ولفترة انتقالية تمكنهم من الاستقرار. فالمستوطن في مناطق الاستيطان الجديدة يكلف دولة الاحتلال 17 ضعفاً عن ما يكلفه الإسرائيلي في رامات غان أرقى وأغلى أحياء تل أبيب وفق البيانات التي نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 31/7/2002.
وخلاصة القول، لقد لعبت انتفاضة الشعب الفلسطيني دوراً بارزاً في الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكذلك تراكم أعداد المهاجرين اليهود في الهجرة المعاكسة إلى خارج فلسطين، حيث يلعب الاستقرار الأمني دوراً مهماً في جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين، هذا فضلاً عن العامل الاقتصادي المهم والمؤثر أيضاً، و قد تتراجع أرقام الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين في السنوات (2003-2010)، حيث اجتذبت “إسرائيل” أكثر من مليون يهودي من دول الاتحاد السوفييتي السابق، و بقي الكم الأكبر من يهود العالم في الولايات المتحدة (6) ملايين يهودي، و في فرنسا (700) ألف يهودي، و هذه البلدان بطبيعة الحال لا تعتبر من المنابع الخصبة للهجرة الاستيطانية الاجلائية إلى فلسطين المحتلة، بسبب ارتفاع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية فيها، والبحبوحة التي يعيشها اليهود هناك كمواطنين على أرض بلدهم الأصلي، وهي بالتالي مناطق استقرار لهم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....