الأحد 11/مايو/2025

رشوة للفلسطينيين لتغطية العدوان على العراق

رشوة للفلسطينيين لتغطية العدوان على العراق

مساء يوم الجمعة الماضي في الرابع عشر من آذار (مارس) الجاري، طلع علينا الرئيس الأميركي جورج بوش بخطاب مقتضب خصصه للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي وحدد به موقف الإدارة الأميركية والخطوات التي ستقوم بها لحل القضية الفلسطينية، ولم يتطرق في خطابه للحرب ضد العراق كعادته في كافة خطبه وتصريحاته السابقة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي لم تخل في كل مرة من التهجم على العراق والرئيس صدام حسين، خصوصاً في الآونة الأخيرة، ولكنه في هذه المرة خرج عن المألوف ولم يذكر كلمة واحدة عن الحرب ضد العراق بالرغم من أنها كانت قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

 

لقد تحدث الرئيس الأميركي في هذا الخطاب عن قرار تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني وخطة الطريق وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وطالب “إسرائيل” بوقف الاستيطان، وتخفيف الضغط على الشعب الفلسطيني، ورغم الغموض والعموميات في خطابه، إلا أنه كان يعطي انطباعاً باهتمامه بدرجة كبيرة لإنهاء النزاع في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية طبقا لخطة الطريق.

 

وبعد أقل من ساعة من هذا الخطاب طلع علينا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بمؤتمر صحفي اعتبره ملحقاً لخطاب الرئيس بوش، تحدث في بدايته بكلمة مخصصة للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، مؤكداً أنه أجرى اتصالاً مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ومع رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن، وكرر في كلمته ما قاله حرفياً الرئيس الأميركي جورج بوش، مؤكداً على تعهده وتعهد الرئيس الأميركي بتطبيق خريطة الطريق وحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بجوار الدولة الإسرائيلية وعند فتح الباب لأسئلة الصحفيين، رفض الإجابة على أي أسئلة خاصة بالحرب على العراق، مؤكداً أن الأسئلة المطروحة يجب أن تكون حول القضية الفلسطينية فقط، وأبدى اهتماماً كبيراً بحلها لتصبح الدولة الفلسطينية قائمة في عام 2005.

 

من الواضح أن كل من استمع إلى خطاب جورج بوش وتصريحات توني بلير، ونظر إليهما بصورة سطحية، يعتقد أنهما سيسيران بخطوات جادة لحل القضية الفلسطينية، بهدف كسب مواقف دولية لهما في الساحة الدولية لتبرير العدوان على العراق، ولكن بالتحليل الحقيقي وبنظرة شمولية عميقة لهذه التصريحات في هذا الوقت بالذات، يتضح أنها لا تخرج عن رشوة سياسية مكشوفة للعالم عامة وللأمة العربية خاصة ولشعبي دولتيهما بدرجة أخص، لتخفيف الرفض الدولي والعالمي لهذا العدوان على العراق قبل البدء به بلحظات ولتخفيف الضغط الداخلي المعارض للحرب داخل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ولتعتقد الأمة العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة أنه بعد الانتهاء من الحرب ضد العراق، سوف تتفرغ الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية لحل القضية الفلسطينية والعمل الجدي على إقامة الدولة الفلسطينية.

 

مما لا شك فيه أن المعارضة الشعبية والحزبية داخل بريطانيا ضد العدوان على العراق أصبحت تشكل خطراً كبيراً على توني بلير وحكومته، خصوصاً بعد الفشل في استصدار قرار دولي من مجلس الأمن لإعطاء الشرعية الدولية لشن الحرب على العراق، خصوصاً أن بريطانيا وهي الدولة الأوروبية مع إسبانيا اللتين تقفان في موقف مغاير لدول الاتحاد الأوروبي الرافض للحرب ضد العراق دون قرار من مجلس الأمن، وستشارك بريطانيا في الحرب مع الولايات المتحدة الأميركية دون قرار دولي، وقد تؤدي هذه المعارضة الشعبية والحزبية في بريطانيا إلى إسقاط توني بلير وحكومته، إضافة إلى المعارضة الكبيرة داخل الولايات المتحدة الأميركية لهذه الحرب التي أصبحت تشكل خطراً على الرئيس الأميركي جورج بوش لفشله الذريع في معالجة القضايا الداخلية الاقتصادية وغيرها، وسياسته الخارجية في أفغانستان وكوريا الشمالية والعراق، مما أصبح يهدد إمكانية إعادة انتخابه لدورة ثانية في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2004، ومن هنا فإنه أصبح يعتقد ألا مفر أمامه سوى شن الحرب على العراق بأسرع وقت وتحقيق انتصارات ساحقة حسب توقعاته لإعادة شعبيته داخل الولايات المتحدة الأميركية التي افتقدها بسبب سياسته الفاشلة داخلياً وخارجياً.

 

من هنا جاءت التصريحات الأخيرة بالحماس الشديد لحل القضية الفلسطينية لتخفيف الضغط على توني بلير وحكومته ولإرضاء الأمة العربي بهذه التصريحات الغامضة حتى تخفف من حدة رفضها للعدوان على العراق من أجل حل القضية الفلسطينية بعد انتهاء الحرب والقضاء على النظام العراقي الحاكم.

 

من المؤكد أن هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات جاءت بعد أن تم تحديد ساعة الصفر لبدء العدوان على العراق، وكان لا بد من الخروج بهذه التصريحات لرشوة الأمة العربية بها ولتخفيف الضغط العالمي الرافض لهذا العدوان على العراق.

 

إن التاريخ يعيد نفسه ويذكرنا بخطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في السابع من مارس عام 1991 بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، عندما دعا إلى مؤتمر مدريد للسلام لحل القضية الفلسطينية، حيث ظلت المفاوضات تراوح مكانها في دهاليز قاعة المؤتمر حول طبيعة المشاركة الفلسطينية وغير ذلك من القضايا، وقد أدركت القيادة الفلسطينية آنذاك خفايا اللعبة الأميركية للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما اضطرها للدخول في مفاوضات سرية مع “إسرائيل” إلى أن تم الخروج باتفاق أوسلو عام 1993 بالرغم من كل سلبياته، حيث وافقت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على التوقيع على هذا الاتفاق من أجل الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتثبيت الوجود الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

لكن إسرائيل وبدعم من الإدارة الأميركية لم تلتزم بتنفيذ تعهداتها التي التزمت بها في اتفاق أوسلو التي يفترض أن تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة عام 1999 على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوصل إلى حل عادل للقضايا العالقة مثل القدس واللاجئين وإزالة المستوطنات.

 

لقد أدت المراوغات الإسرائيلية إلى نفاد صبر الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد الزيارة المشؤومة التي قام بها آرييل شارون للحرم القدسي الشريف، مما أدى إلى تفجر الانتفاضة الشعبية في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000 والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.

 

والآن يتكرر نفس المشهد بالتصريحات الأخيرة لكل من جورج بوش وتوني بلير بالتعهد بقيام الدولة الفلسطينية عام 2005، ولكن من المعروف أنه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، حيث لا يمكن الثقة بتاتاً بالإدارة الأميركية التي عودتنا دائما على الخداع والمراوغة والتخلي عن أصدقائها حسب مصالحها الاستعمارية واستغلالها للخلافات العربية – العربية التي هي في الأساس ناتجة من ضرب الأسافين الأميركية بين الأشقاء العرب، ويأتي عدم الثقة في هذا الوقت بالذات بسبب الوضع العربي المتشرذم وتفكك الأمة العربية وخنوعها للاملاءات الأميركية بالرغم من قدرتها المؤثرة والكبيرة على المصالح الأميركية في العالم العربي التي لو استغلت فإنها ستجبر الإدارة الأميركية على العمل بصورة جدية وحقيقية على حل القضية الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ليس في عام 2005، ولكنها تستطيع إجبار “إسرائيل” على قيام هذه الدولة الفلسطينية عام 2003 لو شعرت أن مصالحها في العالم العربي تتعرض للخطر نتيجة دعمها المطلق لـ”إسرائيل”.

 

من هنا فإننا نطالب الأمة العربية بالجدية والتيقظ من الخداع الأميركي والبريطاني ورفض هذه الرشاوى التي تهدف إلى السكوت على شن العدوان على العراق، والإصرار التام على رفض العدوان عليه واستخدام كافة الأساليب المتاحة لها لوقف العدوان حتى بعد البدء به من خلال الوقفة الجدية لحماية الشعب العراقي والشعب الفلسطيني، حتى لا تفقد الأمة العربية إيمانها إذا ما تم خداعها مرتين ولا نريد القول: إنها خدعت أكثر من مرة قبل ذلك من قبل قوى العدوان.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات