الأحد 11/مايو/2025

لمـاذا العــراق ؟

لمـاذا العــراق ؟

لاشك بأن الادعاءات الأمريكية بأن العراق يمثل تهديداً لوجود الولايات المتحدة ومصالحها وأمنها القومي هي ادعاءات غير مقبولة ولا منطقية ولا تزيد عن كونها حجة ومبررا لضرب العراق وإطلاق يد الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها في المنطقة.

إن الثابت هو أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة على الكرة الأرضية، ولديها إمكانيات ليس للدفاع عن نفسها بفعالية كبيرة فقط، ولكن أيضاً لتحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية في أي مكان على وجه البسيطة، وقد سخر أحد الجنرالات الأمريكيين من الادعاء الأمريكي فقال : إذا كنا نخاف التهديد العراقي فلماذا نكدس كل هذه الأسلحة وننفق عليها مئات مليارات الدولارات.

إن الولايات المتحدة كما نقلت وسائل الإعلام قد أنفقت على تطوير أسلحتها منذ الحادي عشر من سبتمبر أكثر من 109 مليارات دولار وهذه الميزانية تفوق آلاف المرات القدرات العراقية بل والعربية لصناعة وتطوير السلاح، وإذا علمنا أن ميزانية الدفاع الأمريكية تمثل أكثر من 40% مما ينفقه العالم سنوياً على الدفاع والتسليح أدركنا مدى تلاعب الولايات المتحدة وآلتها الإعلامية بعقول العالم، وإقناعه بما لا يمكن أن يكون صحيحاً في موضوع العراق الذي يعاني من ويلات الحصار منذ أكثر من عقد من الزمن لا يستطيع فيه هذا البلد استيراد الغذاء والدواء اللازمين لشعبه.

 

والأكثر صعوبة على الفهم هو أن الولايات المتحدة تبعد عن العراق أكثر من ثمانية آلاف كيلو متر فيما لا تبعد أوروبا عن العراق إلا بما يوازي ألفين إلى ثلاثة آلاف كيلومتر أما الاتحاد السوفيتي السابق فهو لا يبعد كثيراً ، ومع ذلك فإن أي من هذه الدول لم تشعر بالتهديد من الأسلحة العراقية التي تدعيها الولايات المتحدة…لماذا؟، ثم لماذا شعور الولايات المتحدة بالتهديد العراقي الآن ما دام يملك مثل هذه الأسلحة منذ أكثر من خمسة عشرة عاماً؟.

 

ثم لماذا العراق بالذات دون بقية الدول الأخرى؟ علماً بأن العراق لا يملك الموقع الاستراتيجي الذي تملكه إيران. وعندما خرج من حرب الخليج خرج محطماً غير قادر على الوقوف على قدميه، مع استمرار العقوبات الدولية التي فرضتها عليه الأمم المتحدة بضغط من الولايات المتحدة الأمر الذي أفقده أهم مقومات الحياة ودفعه إلى التخلف عن ركب الحضارة حتى أن أحد الصحافيين قد ذكر عندما دخل العراق بعد الحرب أنها تخلفت عن الدول الأخرى بما لا يقل عن أربعين عاماً !!!

 

ثم إن إيران لديها الإمكانيات البترولية التي لا تقل عن مخزون العراق وتملك موقعاً استراتيجياً أهم فهي تطل على الضفة الشرقية للخليج العربي كله لدرجة أن الغرب يطلق عليه الخليج الفارسي وهو أهم ممر مائي على الإطلاق إذ ينطلق منه أهم عنصر لدوام الحياة الإنسانية وتقدمها وهو البترول الذي يأتي من الدول الخليجية للعالم كله. ثم لماذا ليست كوريا الشمالية التي تهدد أمن الولايات المتحدة نفسها علنا بما تملكه من أسلحة دمار شامل وقد هددت بالفعل باستخدام سلاحها النووي ضد الأهداف الأمريكية مرارا، وأعلنت أنها تستطيع أن تضرب أهداف في المدن الرئيسية في الولايات المتحدة.

 

وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى وبقوة لماذا العراق بالذات ؟

إن الإجابة على هذا السؤال لا تتعلق بالقضايا الاقتصادية فقط كما يحلو للكثير تصويرها فإذا لم تستطع الولايات المتحدة أن تسيطر على النفط في العراق فهي تسيطر على جميع نفط الخليج لدرجة أن كثير من الدول الخليجية لا تدري ما تصدر وما تبقى لديها، وربما الذي دفع العراق لدخول أراضي الكويت هو مدى انسياق الأخيرة للرغبة الأمريكية في إغراق الأسواق العالمية بالبترول مما خفض أسعاره في الوقت الذي كانت العراق في أمس الحاجة إلى رفع الأسعار لزيادة مدخولاتها لإعادة بناء العراق بعد خروجها من حربها ضد إيران.

 

كما أن الأمر لا يبدو أن له علاقة بالقضايا الاستراتيجية خصوصاً بعدما أصبحت الولايات المتحدة سيدة النظام العالمي الجديد واختفى الاتحاد السوفيتي في صفحات التاريخ أما روسيا فأصبحت تنتظر صدقات السيد الجديد الذي بات يؤثر في كل شيء في سياساتها الداخلية والخارجية.

 

إذا لا بد وأن هناك رؤية خاصة تهم الولايات المتحدة وهدف واضح تود أن تحققه لنفسها ولمصلحة حليفتها إسرائيل سواء على صعيد إعادة تشكيل المنطقة وتفتيتها بما يضمن بقاءها ضعيفة وغير قادرة على تهديد إسرائيل بالإضافة إلى أهداف دينية أخرى، فالواضح أن السياسات الأمريكية الحديثة وبالذات في عهد الرئيس بوش هي سياسات تستند إلى الرؤى التوراتية والإنجيلية بالإضافة إلى مصالحها الاقتصادية وبالتالي هناك تزاوج واضح ما بين الاستراتيجية والاقتصاد هنا.

 

إن سياسة الولايات المتحدة الحديثة وخصوصاً بعد زوال الاتحاد السوفيتي تنطلق من حتمية الصراع بين الإسلام من ناحية والمسيحية واليهودية من ناحية أخرى، ظهرت هذه النظرية بعد زوال الاتحاد السوفيتي وغذتها الحركات المسيحية المتصهينة التي تبشر بقدوم المسيح المخلص هذا الصراع سيبدأ وسينتهي في معركة فاصلة يسميها الإنجيل “معركة هر مجدون”  التي تعتقد الكنائس المسيحية بأن المسيحية ستحقق فيها انتصاراً ساحقاً وكاسحاً وسيعم بعدها السلام في الأرض لمدة ألف سنة كاملة.

 

هذه الرواية ظهرت في فهم وسياسات العديد من الساسة الأمريكيين، وهي التي ترسم سياسات العديد منهم، فالتوراة تؤكد أن نهاية الدولة اليهودية الجديدة ستنتهي إلى مآل الدولة القديمة وكذلك الإنجيل والقرآن، وستأتي نهاية هذه الدولة من نفس المكان ومن سلالة البشر الذين هزموا الدولة اليهودية الأولى، فالتوراة ترى أن البابليون هم الذين سيسومون اليهود سوء العذاب في آخر الزمان بسبب فسادهم فقد جاء في كتاب أو سفر حزقيال “وكان إلىّ كلام الرب قائلاً : وأنت يا ابن آدم عين لنفسك طريقتين لمجيء سيف ملك بابل من أرض واحدة تخرج الاثنتان” والاثنتان هما عقاب الإفسادتين اللتين وردتا في القرآن الكريم “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين” وبالتالي فإن العقوبتين ستأتيان من نفس المكان، وأما من سيكون أداة العقاب فهو كما يقول عبد العزيز كامل في مقال سماه “حرب الخليج الثالثة وتداعياتها الخطيرة” في الإنترنت فهو قائد بلاد بابل وهو رجل من آشور يدعى (الآشوري) سيسلط على شعب المغضوب عليهم فينهب ثرواتهم وينهبهم في الطرقات “ويل لآشور قضيب غضبي، والعصا في يدهم هي سخطي على أمة منافقة، ليغتنم غنيمة وينهب نهباً، ويجعلهم مدوسين كطين الأزقة ” سفر اشعيا 10، 5-6.

 

لقد لعبت إسرائيل والحركة المسيحية المتصهينة دوراً كبيراً في توجيه السياسة الأمريكية من خلال تزييف نصوص التوراة والإنجيل ودغدغت عواطف الساسة والرؤساء الأمريكان من خلال السيطرة على عقول هؤلاء، فقد جندت لهذا الهدف عددا كبيرا من غلاة المسيحية الذين يوالون إسرائيل واليهودية أكثر مما يفعلون للولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وقامت من خلال هيمنتها الإعلامية بإعطاء منابر إعلامية وأرضية فكرية تؤثر في قطاع كبير من الشعب الأمريكي إلى درجة أصبحت معها النصوص التي أرادتها الصهيونية وإسرائيل وكأنها أمر حقيقي لا بد من تحقيقه وعلى أي رئيس يريد المجد أن يكون هو المطبق لهذه النصوص لأنها تستند في رؤيتهم إلى الكتب المقدسة، ومن هنا نرى مثلاً الرئيس الأمريكي رونالد ريجان يذكر لجيمس ميلز الذي كان رئيساً لمجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا عام 1985م “إن كل التنبؤات التي تعيق حدوث معركة مجدو قد تحققت”.

 

يقول برنارد ريتش في كتابه “الولايات المتحدة وإسرائيل”  إن القادة السياسيين في أمريكيا وخاصة منهم الرؤساء يتبنون وجهة النظر الدينية المؤازرة لإسرائيل، سواء في ذلك الرئيس ويلسون أو الرئيس ترومان اللذان يعترفان بالتأثير الديني مع قراءاتهما للأحداث، وكذلك ليندون جونسون الذي صرح أمام إحدى الجمعيات اليهودية عام 1968 : أن علاقة الرؤساء الأمريكيين بإسرائيل يصدق عليها قول الكاتب اليهودي الأمريكي جدون بيتي “إن الرؤساء الأمريكيين ينحنون أمام الصهيونية كما ينحني المؤمن أمام قبر مقدس”.

 

وتذكر غريس هالسل في كتابها “النبوءة والسياسية” الذي يتناول دور المؤسسات المسيحية في السياسة الأمريكية ، إن العديد من المنظمات والحركات المسيحية الدينية قد نشأت وتضم في عضويتها أكثر من 70 مليون شخص وينتمي إليها كبار رجال السياسة والإعلام بالإضافة إلى رجال الدين المسيحي ولها عدد من المنابر الإعلامية والمحطات التلفزيونية تستخدم في الترويج لما تظن أنه قدر الله القادم وهو الانتصار في “معركة هر مجدون” هذه النزعة التي ولدتها الحركة الصهيونية في أذهان هؤلاء، ولذا يظنون أن عليهم حماية إسرائيل، التي ستقع هذه المعركة على أرضها والانتصار على أعدائها وتخليص العالم المسيحي من الدمار والخراب المتوقع على أيدي المسلمين وتهيئة الظروف لمجيء المسيح، لذا فإن من وجهة نظرهم أن الولايات المتحدة يجب عليها اتباع سياسة عالمية تهدف إلى ضرب العرب والمسلمين من أجل إضعافهم وتلبية جميع مطالب إسرائيل ودعمها بكل ما يلزمها من المال والسلاح.

 

هذه الحملة المناهضة للإسلام قادها ولازال عدد من زعامات اليمين المسيحي الذي يهيمن على الإدارة الأمريكية حالياً بالإضافة إلى آبائهم الروحيين من أمثال المبشرين بات روبرتسون ، وجيمى سوغارت وجيم بيكر، وجيري فلويل، وكيفين كوبلاند، وريتشارد دى هان، وغيرهم وهؤلاء لهم برامج تبشيرية فالمبشر كيني كوبلاند يقول : إن الله أقام إسرائيل، وإننا نشاهد أن الله يتحرك من أجل إسرائيل …. أنه لوقت رائع أن  ندعم حكومتنا طالما أنها تدعم إسرائيل.

 

أما جيرى فالويل وهو أكبر غلاة هذه التيار ومن أكبر المؤيدين لإسرائيل والذي يتحرك لمصلحة السياسة الإسرائيلية في الولايات المتحدة أكثر

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات