أجندة إسرائيلية كاملة وراء الحرب

حدد الرئيس جورج بوش رؤيته الخطيرة للشرق الأوسط بعد إزالة الرئيس صدام حسين من الحكم بعد غزو للعراق تقوده الولايات المتحدة، أن الأمر في جوهره هو أن الرئيس الأميركي سوف يباشر مسلكاً هدفه الظاهري نشر ضياء الديمقراطية عبر الشرق الأوسط من خلال فوهة البندقية، لكن المستفيد الأساسي من هذا المخطط هو على الأرجح دولة “إسرائيل”، وبالرغم من تكهنات كثيرة عن أهداف واشنطن العريضة عقب الهجوم، إلا أن الإطار الخارجي لتلك السياسة يبقى غامضاً إلى حد كبير.
غير أن جزءاً من الحقيقة ظهر في كلمة لوزير الخارجية كولن باول قبل بضعة أسابيع وفي كتابات بعض الشخصيات المقربة من إدارة بوش، فقد ألمح باول إلى أن الهجوم على العراق مقدمة لخطة أشمل صممت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بحيث «تعزز مصالح الولايات المتحدة» في المنطقة.
أما الرئيس بوش وفي خطاب سياسي إلى معهد يميني في واشنطن فقد ذهب خطوة أبعد حيث قدم صورة طموحة ولكنها مرعبة حقاً عما تنوي الولايات المتحدة فعله بعد الهجوم على العراق، كانت بعض المقارنات التي أوردها بوش خادعة وتشير إلى نفوذ طاغ للمفكرين الموالين لـ”إسرائيل” على تفكير إدارة بوش، ويعتقد الرئيس بوش أن إزالة صدام حسين يمكن أن تسفر عن فترة من السلام بين العرب و”إسرائيل”، كما يمكن أن يشجع ذلك الفلسطينيين على تغيير قيادتهم وإصلاح نظامهم السياسي.
ومع خروج صدام والقيادة الفلسطينية من الطريق سوف تعلن القيادة الفلسطينية الجديدة عن تخليها عن «الإرهاب»، وبتخليهم عن العنف سيقدم الفلسطينيون سبباً لـ”إسرائيل” لجعلها توافق على استئناف مباحثات السلام التي ستؤدي في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية.
هذا التبسيط المعلن والنظر من طرف واحد إلى النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، كان يمكن اعتباره اختراقاً هاماً لو لم يكن محفوفاً بالسخرية الصارخة، كما كانت وصفة الديمقراطية للشرق الأوسط أكثر رعباً وإزعاجاً، فالقوات الأميركية ستبقى في العراق لفترة غير محدودة يتم خلالها تنفيذ «الإصلاحات الديمقراطية» وينتخب العراقيون قيادتهم، وسوف يقدم لهؤلاء العراقيين غير المحظوظين الحاجيات الأساسية للبقاء مثل الغذاء والدواء وكذلك دروساً في الديمقراطية من الجيش الأميركي المحتل، وهذا بدوره سيساعد على «تشجيع» انتشار الديمقراطية في بقية مناطق الشرق الأوسط، ويبدو أن رؤية بوش تكرس خيار التدخل العسكري كطريقة عمل تصحيحي أو تطبيقي في أي مكان.
هذه هي النخوة التي ستنقذ الشرق الأوسط من نفسه والتي يفترض إنها ستقدم تبريراً أخلاقياً لاحتلال طويل الأمد، غير أنها تفتقر إلى دوافع الإيثار، ولكن أي محاولة من قبل جيش احتلال لجلب الديمقراطية إلى العالم العربي ستعتبر وبكل وضوح من جانب الوطنيين العرب والمسلمين غطاء لنوع جديد من الاستعمار ونموذج جديد من الحملة الصليبية ضد الإسلام والمسلمين، إن الديمقراطية ليست شيئاً يتم إملاؤه فوقياً بل يجب أن يأتي من داخل المجتمعات نفسها وفي مرحلة معينة من مراحل التطور السياسي لهذه المجتمعات.
ولو استمرت الولايات المتحدة في عملها المنفرد ضد العراق فإنها بذلك يمكن أن تفتح علبة الشرور كلها التي ستغزي جميع الدول للقيام بأعمال مشابهة لتحقيق أهدافها، وعندها سيكون من واجب العالم، وخاصة العالم الإسلامي، القتال ضد هذه الطريقة الخطيرة في محاولة إعادة تنظيم المنطقة والعالم بشكل عام، فهل يريد العالم الإسلامي أن يرى الولايات المتحدة تخندق نفسها في الشرق الأوسط وتحوله إلى محمية بحجة نشر الديمقراطية؟ إن على جميع من يعارضون هذه الحرب أن يقفوا الآن ويظهروا أنفسهم.
هذا هو الوقت الذي يجب أن يضيف فيه الإنسان صوته إلى أصوات الحكمة والعقل لكل من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين والملايين الذين تظاهروا في مسيرات عبر شوارع العالم معارضين الحرب على العراق، وسيكون حكم الأجيال القادمة قاسياً على من يقفون مع سياسة تشجع هجوماً على العراق تمهيداً لوجود طويل الأمد للولايات المتحدة في المنطقة، مسلحة بأجندة طموحة من صنيعها ولمصلحتها.
ولا تعد رؤية بوش هذه للمنطقة سوى باضطراب وعدم استقرار عميق، ويجب على العالم الإسلامي أن يتوقف عن حساباته من إمكانية استفادته من وراء دعم مثل هذه الرؤية، وأن يفكر بما وراء المصلحة الذاتية الضيقة، لقد حان الوقت للنظر إلى الواقع بصرامة وأن تتوافر الشجاعة لقول لا قبل فوات الأوان.
لقد كان العراق ومنذ بداية التاريخ قد قدم للإنسانية بعض أغنى حضاراتها، فهي بلاد ما بين النهرين وشرائع حمورابي، أقدم قانون بشري، وأصيبت شعوب المنطقة بحيرة وارتباك من أن العراق الذي عرف شعبه كأفضل شعب قارئ في العالم العربي والذي يخرج أفضل المفكرين – يصبح اليوم ميدان اختبار لأحدث الصواريخ والأسلحة.
وإذا اقتصر الحديث على صدام حسين والنظام العراقي فمعنى ذلك أننا نتجاهل أكثر من 25 مليون من الشعب العراقي انخفضت مستويات حياتهم إلى ما دون المستوى الإنساني بفضل العقوبات الوحشية الظالمة التي فرضت على البلاد، ولا يملك العراق النفط فقط بل يملك حضارة أيضاً وتاريخاً غنياً وشعباً سيصاب بأذى كبير لا يمكن إصلاحه إذا تم شن الحرب على بلاده.
لقد أعرب المجتمع الدولي، بما فيه الشعب الأميركي عن معارضته الشديدة للحرب، وهنا أريد أن احيي بوجه خاص أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، الذين قطعوا كل تلك المسافة ليحضروا إلى بغداد ويعبروا عن رفضهم لخيار الحرب، وكان قد قال أحدهم: «فقدت أخي في هجمات 11 سبتمبر، ولا أريد أن يعاني أي إنسان آخر من مثل هذه الخسارة».
هذا ما تمثله إنسانيتنا في أفضل حالاتها، فهل تتمكن الحكومة الأميركية من الارتقاء إلى مستوى المواطنين الذين من المفترض أن تمثلهم فتنقذ العراق والمنطقة والإنسانية كلها من العواقب المدمرة لعدوان غير ضروري؟
تشعر معظم شعوب المنطقة بأن إدارة بوش تتصرف كما لو أن الشرق الأوسط منطقة دون شعب، أو شعب دون حقوق إنسانية وكما لو أن أرواحهم وأمنهم وحقوقهم السيادية لا تساوي أكثر من إرضاء بعض المخططات الفكرية في أذهان بعض القادة في واشنطن، لقد استدعت تصريحات الرئيس بوش وبعض كبار مسؤوليه في هذا المجال الدهشة والغضب معاً، فكان محيراً رؤية بوش وهو يهدد الأمم المتحدة بأنها ستصبح غير ذات أهمية أن لم تؤيد حربه ضد العراق، كما لو أنه نسي أن الأمم المتحدة هي تعبير عن الإرادة العالمية.
لقد كان مفتشو الأمم المتحدة يقومون بعمل إيجابي، وتشير تصريحاتهم إلى أن العراق كان يتعاون معهم، وقد دعت إدارة بوش إلى حل سلمي للازمة حول انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، إذن ما هو المنطق من وراء اندفاعها لنزع أسلحة العراق بتنفيذ هجوم عسكري؟
ترى الشعوب العربية في هذا التضارب في المواقف الأميركية اتجاه العراق وكوريا الشمالية مزيداً من الإثبات على أن إدارة بوش تتحرك بفعل الكراهية الدينية ضد العرب، كما يُعتقد بقوة أن “إسرائيل” هي القوة المحركة وراء الخطة الظالمة لمهاجمة العراق.
ولا أحد يعتقد أن إدارة بوش قادمة من أجل تحديث وديمقراطية المنطقة أو من أجل أنظمة أفضل، فالسياسة التي اتبعتها الإدارات الأميركية المتعاقبة لعبت دوراً هاماً في دعم نفس الأنظمة التي تصفها الآن بأنها دكتاتورية أو غير ديمقراطية.
وإذا كانت إدارة بوش تريد أن ينظر إليها بإنصاف في المنطقة، فإن عليها أن تدعم قرارات الأمم المتحدة بالنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي وتتخذ موقفاً ضد الاحتلال والمستوطنات الإسرائيلية – وقتل “إسرائيل” للنساء والأطفال الفلسطينيين وتدمير المنازل -بدل أن تطلق يد رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون في سفك كل هذا الدم الفلسطيني، إن استراتيجية شارون، التي أدخلت الفلسطينيين والإسرائيليين في دوامة عنف غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لم تأت بشيء سوى المعاناة والألم لكلا الطرفين، والآن وعلى أساس استراتيجية شبيهة باستراتيجية شارون، أصبحت إدارة بوش على وشك إصابة المنطقة كلها بنفس النوع من العنف والعنف المضاد، وبمعنى آخر، ربما تطلق الولايات المتحدة العنان لا شعورياً لنزاع عربي – أميركي أو حتى إسلامي ـ أميركي بعواقب لا يمكن التنبؤ بها أو احتواؤها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....