ماذا يعني أن تكون شابا في (إسرائيل) ؟

مقال لسيرج ديمن صحيفة لوسوار البلجيكية
ترجمة حميد نعمان
كامبيرا أو ريو جانيرو ؟ واحدة منهما ربما ستكون وجهة عديد بن درور الشاب “الإسرائيلي” البالغ من العمر 22 سنة . بالنسبة له الحياة ستبدأ فعليا الشهر القادم حين يهجر تل أبيب حيث يبيع البيتزا بعد أن أكمل الخدمة العسكرية ليبدأ رحلة حول العالم لا يشعر معها أنه سيعود مرة أخرى إلى هنا .
كأحد أفراد العمليات العسكرية الأخيرة و خصوصا حين شارك في عملية الصور الواقي كقائد دبابة في نابلس ليس يشغل باله الآن و بعد تركه للعمل العسكري إلا الذهاب بعيدا عن هذا المكان و رؤية العالم الخارجي بعيدا عن صداع الانتفاضة. يقول عديد : ” ليس السبب أنني أريد فقط الرحيل و لكن يحصل في بعض الأحيان أن يجد الواحد منا نفسه غير قادر على الاستمرار في العيش بين القتلى و القنابل . أحب إسرائيل فهي البلد الذي ولدت فيه و لكن هذا البلد ليس طبيعيا ; فهنا المواطنون ليسوا أناسا عاديين لقد اعتادوا على العنف الذي يمارسونه في كل الأوقات و تحت أي مسمى “.
و في شقته القديمة تصطدم و أنت تدخلها بصورة كبيرة لبن غورين أول رئيس وزراء “إسرائيلي” و بجانبها صورة الفنانة الأمريكية مارلين مونرو و أهم ما يلفت النظر في تلك الشقة هي الرسائل الكثيرة المتناثرة هنا و هناك و هي ما ينشغل به عديد خلال وقت فراغه . فهذه رسائل ترسل له من مجموعة من الشباب تتخذ من حي شينكين في تل أبيب مقرا لها . و همهم الوحيد هو البحث عن عقود عمل و جذب رجال الأعمال و محاولة نسيان الوضع النفسي الصعب الذي يكابدونه .
و لا تخفي تاليا بلومنتال ذات 21 ربيعا استياءها من الوضع الحالي فتقول بأسى بالغ : ” أن تكون في العشرينات من عمرك في “إسرائيل” مختلف تماما عن بقية العالم “. تاليا هي إسرائيلية أمريكية تدرس التاريخ اليهودي في جامعة القدس و تحاول أن تقارن بين الوضع هنا في “إسرائيل” و الوضع في أمريكا بالنسبة للشباب و اهتماماتهم فتقول :” الشباب في هذا البلد منشغلون دائما بالوضع الأمني و بالأخطار المحدقة بهم من كل ناحية فتحولت تدريجيا حياتهم إلى سلسلة لا متناهية من المعاناة الدائمة و القاسية و تضاف إليها تكاليف الدراسة المرتفعة جدا. حتى أنه يبدو لي أن الشباب تقدموا في السن كثيرا و أصبحوا عجائز بدل أن يكونوا شبابا يافعين . أما في نيويورك حيث ولدت فأكثر ما يشغل بال الشباب هناك هو التحرش بالفتيات و إقامة الحفلات الصاخبة . أما هنا فيمضون معظم وقتهم خلال عطلة نهاية الأسبوع قلقين و مرعوبين من أن تستدعيهم قيادة الجيش للعمل العسكري أو منشغلين بالسؤال الذي بات يحير الجميع هنا و هو كيف سأتمكن من تناول غذائي غدا خارج البيت ؟”.
ينتمي الشباب الإسرائيلي إلى حوالي 86 مجموعة عرقية مختلفة و يلقي هذا التنوع العرقي المعقد بظلاله على المشاعر و الأفكار التي يحملها معظمهم في هذه الدولة الصغيرة المنقسمة بين علمانيين و متدينين . و أكثر الأماكن التي يمكن أن تصادف فيها عدد كبيرا من هؤلاء هي منطقة الميناء القديم لتل أبيب حيث تكثر علب الليل و التي تمتلئ خصوصا ليلة الجمعة من كل أسبوع رغم خطر الهجمات .
و من المعروف أن نسبة تعاطي المخدرات ارتفعت خصوصا في تلك المناطق فهناك تباع أكياس حبوب مخدرة صغيرة تباع ب 60 دولار للكيس الواحد و معظم هؤلاء ينحدرون من عائلات ثرية و لا تراهم إلا في سيارات ألمانية فخمة جدا و الواحد منهم قد يصرف في الليلة الواحدة ما يكسبه عديد بن درور خلال أسبوع من بيع فطائر البيتزا .
و كتعليق على هذه الوضعية تقول مور الضابطة السابقة في المدفعية و التي تبلغ 20 سنة و تبحث عن شريك لحياتها :” هؤلاء مستهترون و شباب مائع و منحرف و لكنهم ليسوا سيئين . و هم لم يدمنوا على هذه المخدرات المحظورة سواء داخل المدارس أو حتى في الثكنات العسكرية إلا لأنهم في بحث مضني عن أي شيء يهدئ من أعصابهم المتوترة جدا “.
و داخل مقهى بغداد الذي اكتسب شهرة إضافية مع اقتراب الحرب العراقية الأمريكية بسبب اسمه يجتمع الكثيرون للتحدث في أمور كثيرة جدا مع أي كان سواء أكان من أصدقائهم أو من الغرباء عليهم . و أنت تستمع إلى هذه الحوارات تكتشف مدى الأسى و القلق الذي وصل إليه الشباب هنا . يقول أسي الموظف في إحدى شركات التأمين : ” نحن دائمي الشكوى و حتى لو لم نكن منشغلين بصدام حسين أو ياسر عرفات فلن نكون إلا بائسين و خائفين كما نحن اليوم . يبدو أننا اعتدنا على هذا الضغط النفسي الهائل الذي لا نستطيع العيش دونه . و إذا أردت أن تكون شابا هنا فلابد لك من مسكنات “.
و خلافا للدعاية الإعلامية الرسمية التي تحاول أن تقول أن معظم “الإسرائيليين” منشغلين بالوضع الأمني فإن الوضع الاقتصادي يقلقهم هنا أكثر من الصراع المسلح مع الفلسطينيين . و حسب دراسة نشرت الخميس الماضي فإن 56% من الشباب “الإسرائيلي” يخشى أن يطرد من العمل أكثر من خشيته من أن يفجر داخل حافلة مثلا. و قد تبدو ردة الفعل هذه طبيعية إذا ما نظرنا إلى إحصائيات مركز العمل التي أشارت خلال ديسمبر الأخير إلى أن 30% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر .
يقول غريغوري الموظف في أحد أسواق القدس المركزية و هو أحد سكان مستوطنة أرييل و هي أكبر مستوطنة “إسرائيلية” في الضفة الغربية :” حين نتكلم عن هذا البلد في الخارج فالكلام دائما عن الجثث المتناثرة بعد انفجار حافلة أو مقهى أو ما شابه ذلك و لكن هذه ليست حياتنا اليومية . هؤلاء المسئولون مهووسون بعرفات و الفلسطينيين و لكن لا أحد منهم يهتم بالعجائز الذين لا يستطيعون حتى شراء الدواء و المعوقين الذين لا يجدون رعاية من أي جهة كانت بعد أن أقفلت العديد من مراكز الرعاية الاجتماعية أبوابها و الأطفال الذين توقفوا عن الذهاب إلى المدارس لأن عائلاتهم ليس باستطاعتها دفع تكاليف الدراسة . و أنا نفسي حاصل على بكالوريوس علوم اجتماعية إلا أنني و بسبب هذه الظروف أصبحت عبارة عن عامل بسيط جدا و فقدت كل أمل في مستقبل مشرق كان يمكن أن يحيا من أجله خريج جامعة . و داخل المستوطنة نفسها لم يعد غريبا أن تجد أناسا يفتشون داخل القمامة و الأزبال بحثا عن شيء ثمين ليبيعوه . و حتى مراكز المساعدة الاجتماعية توقف أكثرها عن العمل لأنها لم تعد تحتمل العدد الهائل من الطلبات التي تنهمر عليها من هنا و هناك . و هذا الوضع دفع الكثير من الشباب المنحدرين مثلي من أصل روسي إلى الامتناع عن الزواج بسبب التكاليف المرتفعة جدا . و بعضهم لم يستطع صبرا فضاعف من المدة المخصصة له داخل جيش الاحتياط حتى يضمن على الأقل أن لا يموت جوعا “.
و خلافا لبقية المجتمعات فالمجتمع “الإسرائيلي” مؤسس أساسا على الجيش و ليس هناك من شيء داخله إلا و له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمؤسسة العسكرية . و هذا ما جعل حياة معظم الشباب هنا ترتبط بشكل كلي بالجيش . فلكي يعثر أحدهم على عمل ما لابد له من أن يمضي ثلاث سنوات في الخدمة العسكرية إن كان شابا أو سنتين إن كانت شابة . و إذا تهرب من هذه الخدمة فكل الأبواب ستقفل في وجهه و ستلحقه لعنة ” الجبان ” التي تلصق بكل من لم يؤدي الخدمة العسكرية .
تقول غاليت التي تبلغ 22 سنة و تعمل في مؤسسة طبية :” لو لم أحصل على الشهادة العسكرية لما عملت كبائعة مستحضرات تجميل “. أما ابنة عمها شيرا و التي لم تتجاوز 23 سنة من عمرها فقد أدمنت على المخدرات بسبب يأسها من تماطل مكاتب التوظيف في إيجاد عمل لها و لو كان مؤقتا تقول شيرا :” أنا لا اهتم بهذه الانتخابات و لكن الذي أراه ضروريا هو أن يلتفت شارون أو غيره من المسئولين إلى المعاناة اليومية التي نكابدها بدل أن ينشغلوا بعمليات عسكرية في الضفة الغربية لن تأتي إلا بمزيد من المعاناة “.
ويحاول عمير كيدار رئيس الشبيبة العمالية في كفار سابا على الخط الأخضر و القريبة من مدينة قلقيلية الفلسطينية تفسير هذه الوضعية النفسية المتأزمة للشباب فيقول :” ليس سرا أن حياة الشباب أصبحت أكثر تعقيدا و قسوة من ذي قبل و هذا ما يحتم ضرورة تحسين هذه الوضعية قبل فوات الأوان . ما ينقص هذا البلد هو إرادة العيش بدون حروب ككل شعوب الدنيا . و لا أخفي عليك أنه من حين لآخر تسيطر علينا فكرة الرحيل بعيدا عن هذه البلاد و ربما بشكل جماعي و خاصة إذا اقترب موعد التحاقنا بالجيش “. هذا أمر طبيعي و خاصة لعمير الذي من المحتمل أن يلتحق بالجيش بعد أشهر معدودة .
و حسب إيستيم تال البالغة 21 سنة فإن الغالبية العظمى من الشباب الإسرائيلي واقعون تحت تأثير الدعاية اليمينية التي تدعي أن مجرد تحدي قرارات اليمين يعتبر وقوفا أو تحيزا إلى صف الدول المعادية لدولة (إسرائيل) و التي تريد تدميرها. و رغم خدمتها في الجيش إلا أن هذا لم يمنعها من الانضمام إلى إحدى المنظمات الطلابية الداعية إلى انسحاب الجيش من كافة الأراضي المحتلة . و حسب إيستيم فإنه لو حاول بعض الطلبة النزول إلى الشارع و تقصي الحقائق بأنفسهم فسيعجزون عن فعل أي شيء لأن الحكومة شددت الرقابة على المعلومات و منعت وصولها إلى المواطنين كما كان معتادا سابقا .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...