الانتخابات الإسرائيلية.. وماذا بعد الفوز الساحق لليمين؟

انتهت الانتخابات الإسرائيلية وفاز اليمين بنسبة تاريخية تتجاوز نسبة الثلثين المطلوبة لتمرير أي قرار، وحقق شارون حلم حياته في تحقيق انتصار ساحق، بالمقاييس الإسرائيلية، سواء لشخصه أو لحزبه الليكود، على منافسه التقليدي حزب العمل، والذي بات في وضع لا يحسد عليه، محققاً بذلك خطوة أخرى نحو محدودية التأثير في السياسة الإسرائيلية على نحو لم يعهده الحزب من قبل طوال تاريخ الكيان العبري.
ولعل أكثر الدلالات التي تبرزها تلك النتائج وأكثرها وضوحاً ما يتعلق بطبيعة الاتجاه الغالب لدى الكيان العبري، وهو اتجاه يميل بقوة ناحية التصلب والتطرف، واعتبار القوة المادية خاصة العسكرية بمثابة المعيار الأهم في العلاقة مع الآخر المختلف سواء كان فلسطينياً أو عربياً.
أما الأفكار اليسارية واتجاهات الوسط ومن يعبر عنها، وإن لم يختف مؤيدوها تماماً، فهي وفقاً لنتائج الانتخابات باتت في مأزق شديد، حيث لم تعد تلك الأفكار نقطة جذب لأنصار جدد، كما لم تعد بؤرة يمكن توقع انتشارها في المدى الزمني المنظور، وبحيث تمثل موازناً موضوعياً للأفكار اليمنية المتطرفة بمستوياتها المختلفة.
وعلى الرغم من الفوز الكبير لليكود، فإن تحويل هذا الفوز إلى مكاسب سياسية بعيدة المدى يواجه بعقبات كبيرة الحجم ومختلفة المستويات. والمكسب الأهم يتمثل في القدرة على تشكيل حكومة مستقرة ومتجانسة بين أعضائها، وقادرة على الاستمرار لفترة طويلة مقبلة. وهو مكسب يبدو عسير الإنجاز في ظل الخريطة السياسية المتشابكة التي أفرزتها الانتخابات. فمن ناحية الأرقام الجافة تبدو الأمور مختلفة تماماً عند النظر إليها من منظور حقيقة العلاقات والتشابكات بين مكوناتها من أحزاب وقيادات وبرامج سياسية متناقضة.
والصحيح أن الليكود ومعه الأحزاب اليمينية كسروا معاً حاجز الخمس وسبعين مقعداً في الكنيست، في الوقت نفسه لا يتجاوز مجموع ما حصل عليه أحزاب العمل وشينوي ( التغيير) وميرتس والأحزاب العربية الخمس وأربعين مقعداً، وهو ما يتيح نظرياً لهذا اليمين أن يشكل الحكومة بأقصى قدر من الارتياح. لكن الواقع من زاوية التشابكات البينية يبدو مختلفاً تماماً.
فالأحزاب اليمينية نفسها ليست متجانسة فيما بينها، والليكود وإن مثل رؤية وبرنامجاً يتسم بالتطرف واضعاً الأمن المطلق هدفاً رئيسياً ويضحي من أجله بكل شيء آخر، فإن أحزاباً أخرى تنطوي تحت مظلة اليمين تمثل ما هو أبعد تطرفاً وتشدداً من الليكود مثل شاس وموليديت و(إسرائيل بيتنا)، والذين يمثلون أحزاباً صغيرة، تزداد قيمتها في حالة التشرذم السياسي، وتفقد تلك القيمة في حالة وجود نوع من التوازن السياسي بين ثلاث أو أربع كتل حزبية كبيرة. وفي كثير من المحاولات السابقة لتشكيل حكومات أقلية، كانت تلك الأحزاب في وضع يتيح لها الحصول على امتيازات وتأثير في البرنامج الحكومي بقدر يفوق حجمها الذي أوضحته نتائج الانتخابات نفسها. ومثل هذه الخبرة التاريخية المتكررة تمثل في حد ذاتها عائقاً أمام مسعى تشكيل حكومة يمينية بقيادة شارون والليكود.
من جهته يفضل شارون، حسب مصادر مقربة منه، تشكيل حكومة ائتلاف وطني تجمعه مع العمل وأحزاب الوسط العلمانية، وتغنيه بالتالي عن اللجوء إلى خيار الحكومة اليمينية الموسعة وما يتصل بها من ابتزاز الأحزاب الصغيرة. إنه الخيار الأمثل، الذي يتيح لشارون مواصلة سياسته خارجياً وداخلياً دون معارضة تذكر. وهنا تأتي عقبة موقف حزب العمل بقيادة متسناع الذي حدد موقفاً رافضاً بكل المقاييس لمبدأ المشاركة في حكومة ائتلافية كتلك التي شارك فيها الحزب في الفترة الماضية. وهى مشاركة ساهمت إلى حد كبير في فقد الحزب هويته السياسية، وتحوله إلى مجرد أداة لتمرير السياسات الوحشية لشارون تجاه الفلسطينيين، والتملص من استحقاقات العملية التفاوضية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي معاً.
ولعل رهان متسناع الرئيسي ليس فقط إفشال مسعى تشكيل حكومة ائتلاف من موقع متدن مع منافسه التقليدي الليكود، بل أيضاً إعادة الروح لحزب العمل، ودفعه إلى تنشيط نفسه من موقع المعارضة، ومن ثم بلورة هوية سياسية جديدة للحزب تعينه على استقطاب أنصار جدد، وتجعله يستعيد تاريخه السابق. يضاف إلى ذلك أن ابتعاد حزب العمل عن المشاركة في حكومة ائتلافية مع الليكود سوف يشجع من جانب آخر حزب شينوي الذي يمثل الوسط الجديد بمقاعده التي تقترب من 16 مقعداً، على البقاء بعيداً عن المشاركة في حكومة يقودها الليكود. ومعنى ذلك أن الخيار الوحيد الذي سيكون أمام شارون يتمثل في تشكيل حكومة يمينية موسعة ومعها كل الموبقات السياسية، ونقاط الضعف الهيكلية، واحتمالات التعرض لابتزاز الأحزاب الدينية الصغيرة.
إن حكومة يمينية موسعة وعلى الرغم من امتلاكها نسبة تفوق الثلثين، ولكنها فاقدة لأبسط سمات التجانس الداخلي، سيجعل عمرها الافتراضي لا يتجاوز العام على أفضل تقدير، ومن ثم سنكون مرة أخرى أمام انتخابات جديدة ربما في نهاية العام الجاري أو في الربع الأول من عام 2004م.
وكما أن شارون والمقربين منه يدركون هذه الحقيقة جيداً، فإن قادة الأحزاب الأخرى يدركونها أيضاً، ويدركون معها مخاطر وتكاليف الوقوع في براثن انتخابات جديدة قبل مرور عام على الأقل. وهنا فإن رهانات شارون السياسية ستكون معقدة للغاية. فمن جانب سيظل متمسكاً بخيار مشاركة العمل معه، وسوف يزداد هذا التمسك في حال اندلاع حرب أمريكية ضد العراق، وحينها سوف يقدم الأمر باعتباره تضحية من أجل مصير وبقاء الكيان العبري. وحتى في حال إصرار زعيم العمل متسناع على عدم التجاوب مع هذه المساعي، فإن شارون سيظل مُلوحاً بهذا الخيار، على الأقل من أجل تليين مطالب الأحزاب الدينية والمتطرفة التي ستشاركه تشكيل الحكومة الائتلافية اليمينية، وحتى لا يبرز كزعيم وليس لديه إلا خيار واحد فقط. كما أنه سيعمل على إغراء بعض زعامات العمل ليس فقط للمشاركة في حكومته، بل أيضاً للانقلاب على زعيمهم متسناع.
والواضح أن حالة العمل تسمح بمثل هذا التدخل ولو بطريق غير مباشر، كما أن بعض قادة ورموز الحزب التاريخيين، وأبرزهم بيريز وبن اليعازر وباراك، يؤيدون المشاركة في الحكومة، ويرون أن وضع الحزب الضعيف سياسياً لن يمكنه من التأثير المرغوب كحزب معارض، خاصة أن عدد مقاعده الأقل من العشرين لا تمثل نسبة مهمة في إطار التأثير على صنع القرار السياسي داخل الكنيست أو خارجه. والمهم هنا أن تمسك متسناع بعدم المشاركة لا يواجه بمعارضة من خارج الحزب وحسب، بل أيضاً من داخله، وإذا ما استمر على موقفه واستطاع أن يؤمن لنفسه قاعدة تأييد ومساندة عريضة داخل الحزب، فمن المرجح أن يكون ذلك خطوة أولى لاستعادة هوية سياسية متميزة وقادرة على استقطاب مؤيدين جدد له.
وفى المقابل فإن عدم تجانس حكومة يمينية، وإن مثل خطوة نحو انتخابات مبكرة جديدة، فمن المرجح أن يكون ثمن تشكيل قاعدة تجانس ولو ظاهري لمثل هذه الحكومة، متمثلاً في اتباع سياسة متشددة وأكثر عدوانية إزاء الفلسطينيين، باعتبار أن هذه نقطة اتفاق ولاخلاف عليها. بيد أن الاستحقاقات الدولية بشأن العودة إلى مائدة التفاوض مرة أخرى كجزء من خطة الطريق سيكون على الحكومة الجديدة التعامل معها. وهنا فإن حالة عدم التجانس ستكون قابلة للظهور مرة أخرى، لاسيما في ضوء مواقف كثير من الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة الصغيرة الرافضة أي نوع من التفاوض مع الفلسطينيين أو التعامل مع أي خطة دولية تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال. وفى هذه الحالة سيكون على شارون إما الخضوع تماماً لرغبة الأحزاب المشاركة معه في الحكومة، ويماطل في التعامل مع خطة دولية ترعاها وتؤيدها الولايات المتحدة بدرجة من الحماس، وهو أمر ينطوي على مـأزق سياسي يضر بـ”إسرائيل” وبه شخصياً.
أما الاحتمال الثاني فيتمثل في ضرب عرض الحائط بالمطالب الخاصة بالأحزاب الأكثر تطرفا، والتعامل مع خطة الطريق بطريقة ما غير مقبولة من باقي الأحزاب الصغيرة الأكثر تزمتاً، وهو ما ينطوي على مخاطر تشتيت الحكومة وانفراط عقدها.
وفي كلا الحالتين فإن التصادم مع طرف آخر يظل خياراً حتمياً، وهو تصادم متوقع وينبئ بمرحلة صعبة للكيان العبري نفسه، وأكثر صعوبة لكل من يتعامل مع ملف التسوية السياسية، وفى مقدمتهم الفلسطينيون.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...