الجدال السياسي الإسرائيلي هواجس العجز والإفلاس

الثامن والعشرون من الشهر الجاري موعد الانتخابات “الإسرائيلية” المبكرة ، هو موعد لحسم الجدال السياسي المرحلي الذي يسود الداخل “الإسرائيلي” ، ليس منذ الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات في أعقاب انهيار ائتلاف حزبي الليكود والعمل قبل ثلاثة أشهر من اليوم ، بل منذ انهيار الأسطورة التي أسس لها الحزبان والتي تقوم على إمكانية الحصول على الأرض والسلام معاً ؟
وإذا كانت الأسطورة تلك ذهبت بالحزبين معاً إلى افتقاد مصداقيتهما في الشارع “الإسرائيلي” ، فقد ذهبت بكل منهما على حدة إلى مواجهة وقائع جديدة على مستوى الحضور السياسي لكل منهما في ذلك الشارع ، ففي وقت واحد تقريباً افتقد حزب العمل قدرته المزمنة على ترويج خطابه المغلف بعبارات السلام ومفرداته ، وعلى استقطاب الشرائح المسماة معتدلة في المجتمع “الإسرائيلي” ، فيما افتقد حزب الليكود قدرته على مواصلة الرهان على القوة “الإسرائيلية” في إنجاز ما يتوق “الإسرائيليون” إليه ، أي الأمن .
ولئن كانت الانتفاضة هي المتغير الهام والأساسي الذي أربك الخارطة السياسية “الإسرائيلية”، وبخاصة خارطة التقاسم السياسي التي أسس لها الحزبان الكبيران ، العمل والليكود منذ العام 1977، إلا أن الإفلاس السياسي والعسكري الذي منيت به حكومات الحزبين و ائتلافاتهما المتعاقبة ، والتي حاولت وسعها شل ذراع المقاومة وإنهائها ، هو في الواقع ، ما يثير ذلك الجدل السياسي الساخن اليوم ، بين الأجنحة والتيارات الحزبية والأيديولوجية من جهة وبين “الإسرائيليين” عامة من جهة أخرى ، إذ لم يعد الأمر متعلقاً بأسئلة من نوع .. هل على “إسرائيل” أن تواصل سياسة الحرب والعدوان أم عليها أن تنخرط في علمية السلام ، بل لقد باتت الأسئلة تدور حول المصير الذي يمكن أن تنتهي إليه “إسرائيل” إذا ما واصلت الانتفاضة هجماتها المستمرة منذ أيلول 2000 ، وباحتساب الآثار المدمرة التي تتسبب بها في جميع مستويات الحياة في “إسرائيل” ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وبخاصة أن هذه الأسئلة اكتسبت جدية الطرح وجدية الهواجس التي تثيرها بالتزامن مع فشل رهان القوة “الإسرائيلي” على إنهاء الانتفاضة ووقف المقاومة .
وبطبيعة الحال فإن الجدال السياسي “الإسرائيلي” لم يتوقف عند حدود الشارع اليهودي في الكيان ، بل تجاوزه إلى الشارع العربي الذي دخل بدوره الجدال ذاته . ولكن من أبواب أخرى جديدة ، وعبر أسئلة جديدة لم تكن مطروحة من قبل ، إذ لم تعد خيارات فلسطينيي 19948 في البحث عن المساواة والحقوق المهدورة محصورة في البرامج السياسية التي يتبناها اليمين أو اليسار “الإسرائيليين” ويخوضان على أساسها الانتخابات ، ومحاولة كل منهما استطاب الصوت الانتخابي العربي ، بل في تلك الفترة الدافعة التي أضفتها الانتفاضة على طموحات عرب 1948 في التخلص من الاحتلال والعسف ، عبر النضال المطلبي والحل السياسي الديمقراطي .
المحور الأساسي في الجدال السياسي الدائر في “إسرائيل” هو التساؤل الذي يتداوله “الإسرائيليون” حول الحلول التي ما زال الحزبان الكبيران ، العمل والليكود ، يملكان القدرة على الوعد بها خلاصاً من الحالة التي بلغتها “إسرائيل” نتيجة الضغوط المتواصلة التي تمارسها الانتفاضة وأعمال المقاومة ، ونتيجة الآثار التي رتبتها على صعيد الحياة “الإسرائيلية” كافة ، بدءاً بفقدان الأمن ووصولاً إلى مقدمات الانهيار الاقتصادي ، فضلاً عن الآثار الاجتماعية والنفسية التي يعانيها المجتمع “الإسرائيلي” .
منذ اتفاقات أوسلو 1993 أخفقت حكومات «اليسار» واليمين المتعاقبة على السلطة في الكيان في تكريس المكاسب “الإسرائيلية” من الاتفاقات ، فقد أخفقت حكومة بيريز التي أعقبت مقتل رئيس الحكومة الأسبق رابين في العودة إلى جادة المفاوضات ، لا بل ذهبت إلى العدوان على لبنان «عناقيد الغضب» للتملص من الاستحقاقات المتصلة بمفاوضات الحل النهائي ، ثم لتنتهي إلى السقوط بمجيء حكومة اليمين «بنيامين نتنهايو» التي أخفقت بدورها في تكريس الحالة “الإسرائيلية” في جداول تنفيذ الاتفاقات ، وبلغ «اليسار» ذروة مراهناته في مرشحه الجديد حينذاك ايهود باراك ، الذي حمل معه إلى السلطة خطاباً مشبعاً بالوعود والادعاءات وتحت عنوان « إسرائيل واحدة» ثم لينحدر بعدها إلى وصول خيار القوة العسكرية المدمرة إثر اشتعال الانتفاضة الثانية في أيلول2000 ، ومع حكومة باراك المتهاوية تهاوت أكبر رهانات « اليسار» “الإسرائيلي” الذي بدا كما لو أنه بلغ نهاية المطاف في مواصلة القدرة على استقطاب لناخبين “الإسرائيليين” من الجهة الثانية.
انتخاب ارئيل شارون في شباط 2001 بديلاً عن باراك ، كان شارة التحول الرئيسية للناخبين “الإسرائيليين” من أقصى ليمين الذي يتأهب عبر شارون إلى استنفاد آخر أوراقه أيضاً وصولاً إلى الحالة الراهنة ، التي بلغ فيها الناخبون “الإسرائيليون” ذروة خيبتهم من إمكانية إنهاء الانتفاضة والحصول على الأمن والأرض معاً ، غير أن إخفاق تجربتي أقصى « اليسار » وأقصى اليمين ، غيبت إلى حد بعيد الخيار الثالث بينهما، ولعل هذا هو السبب الحقيقي وراء المحاولة المتجددة لحزب العمل في تجديد قيادته والتقدم على الانتخابات المقبلة بمرشح جديد لم يختبر سابقاً ، وفي العودة إلى العزف على أوتار التجربة الرابينية في المفاوضات .
استطلاعات الرأي في الشارع “الإسرائيلي” التي ترجح الفوز لأرييل شارون رغم إخفاقه طيلة عامين في إنهاء الانتفاضة ووقف المقاومة، تفسر جدية التساؤل المتصاعد حول مصير “إسرائيل” في ظل تواصل الانتفاضة وأعمال المقاومة ، وتفسر بالتالي ذهاب “الإسرائيليي”ن مع شارون إلى المواصلة الاحتلال وسياسات القمع والإرهاب رغم الوعود التي يطلقها مرشح حزب العمل الجديد عمير ام متسناع والتي يحاول من خلالها العزف على وتر البحث عن الخلاص من الانتفاضة وتأثيراتها، فضلاً عن محاولته إعادة استقطاب الصوت العربي في الانتخابات المقبلة.
في هذه الأجواء لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي وحساباته الاستراتيجية والإقليمية من الجدال “الإسرائيلي” الدائر ، ولا يمكن بالتالي الركون إلى ما تدلل عليه استطلاعات الرأي في الشارع “الإسرائيلي” للتكهن بما يمكن أن تنتهي إليه الانتخابات “الإسرائيلية” من نتائج.
منطقياً لا يعقل أن يكون الجدال السياسي “الإسرائيلي” الداخلي بعيداً عن الحسابات السياسية الإقليمية للإدارة الأمريكية ، ولا يعقل أن يتمخض هذا الجدال عن نغمة نشاز في المعزوفة التي تضرب الولايات المتحدة أوتارها في المنطقة، ولهذا فإن ما تبحث الولايات المتحدة عنه في المنطقة هو ما يوفر لها الأجواء المناسبة لتنفيذ مخططين اثنين:
الأول : حالة من الهدوء النسبي تخفف من مشاعر العداء لها ولسياستها في المنطقة إذا ما قررت الحرب على العراق في المرحلة المقبلة !
الثاني : تغيير سياسي جديد يبعث آمالاً جديدة ، ولو كاذبة حول مشروع السلام في المنطقة يمهد لوقف الانتفاضة وعمليات المقاومة، ويوحي للناخب الإسرائيلي الحائز بقرب انتهاء أزمته التي طالت كل جوانب حياته !
المخططان كلاهما ، يعنيان اتجاهاً هو الأرجح في المراحل الأخيرة من اقتراب الجدال السياسي “الإسرائيلي” من الحسم ، ورغم كل ما تدلل عليه استطلاعات الرأي في الشارع “الإسرائيلي” ، هو العودة بحزب العمل إلى السلطة مجدداً ، أي العودة إلى وعود جديدة وإلى استئناف جديد للمفاوضات ، وإلى محاولة جديدة لدفع الانتفاضة إلى التلاشي والانطفاء تحت عناوين التفاوض واستعادة الثقة المتبادلة بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين.
غير أن الجدال “الإسرائيلي” لن يحسم بتعاقب العمل والليكود على السلطة ، ولا برحيل شارون أو مجيء متسناع ، الجدال “الإسرائيلي” لن ينتهي إلى نتائج بشأن المصير والمستقبل إلا في دائرة ما تواجهه “إسرائيل” من المقاومة ، التي بتواصلها تمتلئ صناديق الانتخابات بأوراق السلام القائم من الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...