كل حلّ يتضمن تنازلاً مجانياً مسبقاً.. يضعك أمام مأزق مناقشة حلّ أدنى منه

هل ثمة حاجة إلى برنامج مرحلي في فلسطين؟ ، «المرحلية» وُظفت من قبل القيادة الفلسطينية لإعطاء شرعية لسياساتها وخروقاتها لقرارات المجلس الوطني ، البرنامج المرحلي كان يُراد منه أن يكون مدخلاً لمسار غامض خارج عن السيطرة ، حركات التحرير فاوضت.. ولكن على الجلاء التام.. وبعضها رفع شعار «لا مفاوضات.. إلا بعد الجلاء» ، برنامج النقاط العشر.. ولد ولادة قسرية وكان مضطرباً.. وكل من أيّده أراد شيئاً في نفس يعقوب، فكرة المرحلية أصلها ماركسي.. أُلبست على واقع مختلف وتم سحبها على الواقع الفلسطيني ، كل حركات التحرر التي واجهت احتلالاً كان برنامجها هو تحرير البلاد بكاملها.. حصل ذلك في الصين وفيتنام وجنوب أفريقيا ، قد يحدث أثناء الصراع فرض هدنة أو توقف مؤقت عن الزحف للتحرير الكامل بفعل موازين القوى بحيث يتحرر جزء ويبقى جزء تحت الاحتلال.. ولكن ذلك لم يكن نتاج وضع برنامج مرحلي مسبق وتجزئة مسبقة، لم يحصل مطلقاً أن وقعت اتفاقية أو هدنة تعطي الاحتلال أو الاغتصاب شرعية واعترافاً بالجزء المحتل ، الاتحاد السوفييتي ضغط بقوة لاعتماد المرحلية فلسطينياً كي يسهل عليها احتواء (م. ت. ف) ولعب ورقتها في الحرب الباردة .
أنور السادات أيّد المرحلية فلسطينياً كي يتحرر من مسئوليته عن قطاع غزة حين يذهب للتسوية مع«إسرائيل» ، موضوع الدولة الفلسطينية ينبغي ألا يُبحث أمره قبل دحر الاحتلال و إلا وقع تحت رحمة المساومة ، ينبغي أن تكون الأولوية لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس والمقدسات وعدم التنازل عن الحقوق والثوابت التاريخية ،
أصل الفكرة وبداية طرحها فلسطينياً :
عندما أُريد طرح ما يسمى بالبرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية في أواخر عام 1973 و أوائل عام 1974، دارت نقاشات حادة حوله ، إذ كان لابد لطارحيه من أن يدعموا موقفهم بالاستناد إلى نظرية عامة لكي يصبغوا عليه سمة القانون الحاكم في مسيرة ثورات التحرر الوطني أو حركات التحرير من الاستعمار. ولكنهم في الحقيقة- وكان الطابع اليساري والاستناد إلى الماركسية غالبين- اضطروا إلى الخلط بين «نظرية المرحلية» في النضال وسحبها على الواقع الفلسطيني ، وذلك لأن النظرية أو التجربة التاريخية ما كانتا لتسعفانهم إلا من زاوية استخدام المصطلح وتلبيسه على واقع مختلف . كان المنظّرون الماركسيون قد استخدموا المرحلية في وضع البرنامج المتعلق بالنظام الذي يريدون إقامته ليكون تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الشيوعية. وكان التطبيق الأول وضع برنامج اشتراكي أي إقامة الاشتراكية كمرحلة أولى لا مفر منها لأجل تهيئة شروط الانتقال للنظام الشيوعي الذي كان يتطلب تطويراً هائلاً لقوى الإنتاج ؛ الصناعة والزراعة و البنى التحتية والخدمات . ولهذا سمى ببرنامج «الحد الأدنى » وسميت إقامة النظام الشيوعي أو الوصول إلى الشيوعية برنامج الحد الأعلى . ثم تطور تطبيق المفهوم بداية، وبصورة أولية في روسيا ثم في الصين وفيتنام بسبب تخلف تطور أدوات الإنتاج حتى عن المرحلة الرأسمالية، فوضع برنامج « حد أدنى » ليكون مرحلة ممهدة لبرنامج الحد الأدنى الأول «الاشتراكية»، والذي هو الممهد لبرنامج الحد الأعلى «الشيوعية». ولهذا حمل اسم إنجاز «الثورة الديمقراطية» و«الثورة الوطنية الديمقراطية» أي المرور بمرحلة الرأسمالية «ولكن بقيادة البروليتاريا وحزبها». فالموضوع يكون قد نبع من إشكالية تطور بقوى الإنتاج والنظام المناسب لكل مستوى من مستويات تطورها. ولكنه لم ينبع في أي مكان ومن خلال أية تجربة من نظرية تقسيم البلاد إلى جزأين .. فمرحلتين ، بحيث يوضع برنامج تحرير لجزء ليكون مقدمة لتحرير الجزء الآخر. ومن ثم يكون سحب نظرية المرحلية يتضمن خلطاً شديداً ومحاولة قسرية في الاستناد إلى النظرية أو تجارب أخرى . وكانت الحاجة إلى هذا النمط من الخداع النظري بالنسبة إلى «يساريي» تلك المرحلة تنبع ، أول ما تنبع ، من عدم وجود سابقة مشابهة للحالة الفلسطينية، ومن الخلاف الواسع بين تطبيق نظرية لها علاقة بمستوى تطور أدوات الإنتاج وما يناسبها من نظام ، على حالة تحرير بلاد تعاني من الاغتصاب والاحتلال . فالبرنامج هنا ليس برنامجاً اقتصادياً أو خلافاً على نوع النظام بمعناه الرأسمالي-الاشتراكي-الشيوعي، أو ما بين هذا وذاك. فعلى سبيل المثال كل حركات التحرير التي واجهت احتلالاً كان برنامجها هو تحرير البلاد بكاملها فهذا ما طبقته الصين وفيتنام والهند وصولاً إلى جنوب أفريقيا . ولكن الذي كان يحدث أن الصراع وصل في بعض الحالات إلى فرض هدنة أو توقف عن الزحف للتحرير الكامل، لتكون النتيجة تحرير جزء وبقاء جزء آخر تحت الاحتلال ، كما حدث في الحالة الصينية عندما حرر القسم الأعظم من الصين وبقيت تايوان وبعض المدن أو الجزر الصغيرة لاستكمال تحريرها في ما بعد، أو كما حدث مع فيتنام بعد معركة ديان بيان في 1954 حيث وقعت هدنة وانقسمت البلاد إلى شمال وجنوب. وهنالك حالات شبيهة أخرى ، ولكن كان ذلك دائماً نتاج هدنة فرضتها المعركة ، ولم يكن نتاج وضع برنامج مرحلي مسبق ؛ حد أدنى وحد أعلى ، أو تجزئة مسبقة . ومع ذلك وفي كل الحالات عندما كان المسار – بسبب موازين قوى وظروف إقليمية ودولية ومعارك شبه فاصلة عسكرية أو جماهيرية في الشوارع ، يتوقف ، تنقسم البلاد إلى جزء محرر وجزء تحت الاحتلال ، كان هدف تحرير الجزء المحتل «كل البلاد» هو الهدف المعلن في البرنامج السابق واللاحق . ولم يحصل قط أن وقعت اتفاقية أو هدنة تعطي الاحتلال أو الاغتصاب للجزء المتبقي مهما كان الذي لا رجعة عنه. وبهذا ليس ثمة من علاقة بين نظرية المراحل في النضال في مجال الانتقال من نظام إلى نظام من أجل الوصول إلى الهدف الأبعد أو الأعلى «الشيوعية» ، وفقا للنظرية التي استندوا إليها وجعلوها كتاباً مسطوراً من جهة ، وبين بدعة تطبيقها على الساحة الفلسطينية تحت دعوى أن هذا قانون عام في مسار الثورات من جهة أخرى. أما إذا اعتبر أن ثمة قانون عام يفرض في أثناء الصراع ، كأن يحرر جزء ويبقى جزء تحت الاحتلال في حالات الثورات الوطنية ، فلا علاقة له بوضع برنامج مرحلي مسبق لحدوثه يتضمن إقراراً بمبدأ التقسيم أصلاً ، فكيف حين يُضمر الاعتراف بدولة قامت على مبدأ الاغتصاب و إحلال شعب مكان شعب آخر، بلا وجه حق وبلا أي سند من شرعية يدعمها حتى القانون الدولي؟! فكيف حين تعتبر غير شرعية أصلاً من وجهة النظر الإسلامية والعروبة الوطنية والإنسانية «التطهير العرقي والعنصرية».
هنا كمنت الإشكالية الأساسية في الطرح النظري الذي أريد فرضه قسرياً على الساحة الفلسطينية، لأن الإعلان عن برنامج مرحلي ينفصل عن تحرير كامل البلاد بتجزئة حدودية للأرض على أساس قرار 242 «وإن لم يعلن عند اعتماد القرار المذكور» كان يقتضي الهروب من مأزق الاعتراف المباشر أو غير المباشر بتقسيم فلسطين بين دولتين في مرحلتين وشعبين، و الأنكى من دون أن يكون الطرف المغتصب قد فعل الشيء نفسه، أي يكون ثمة تنازل مجاني من خلال منهج التقدم ببرنامج مرحلي أو «مشروع حل». برنامج النقاط العشر:
ولهذا عندما خرج برنامج النقاط العشر بصورة الولادة القسرية وبشق الأنفس في عام 1974، تضمن تمسكاً بالتحرير الكامل وبمبدأ مواصلة القتال واعتماد الكفاح المسلح أسلوباً للتحرير ، فكان برنامجاً مضطرباً . فكل من أيّده، أو وقع عليه، أو رحب به، أراد شيئاً في نفس يعقوب . فهنالك من أراده لما تضمنه فقط من بمبدأ «إقامة» سلطة وطنية فلسطينية، وهو غير مهتم بالشروط المقيدة الأخرى لأنه تجاوزها بعد حين ، وهنالك من أراد أن يفهم منه الاستعداد للانخراط في مشاريع التسوية والعمل ضمن مظلة 242. وبالمناسبة كان الاتحاد السوفييتي يضغط بقوة لإحداث هذا التغيير لكي يسهل عليه احتواء (م. ت. ف.) ولعب ورقتها في الحرب الباردة ، وهو ما لا يستطيعه في ظل الميثاق الوطني الذي لا يعترف بشرعية الدولة العبرية ويطالب بالتحرير الكامل بأسلوب الكفاح المسلح . وكان الرئيس المصري في حينه أنور السادات يريد هذه النقلة ومعها اتخاذ قرار عربي باعتبار «منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد» لكي يتحرر من مسئوليته عن قطاع غزة عندما يذهب إلى تسوية يُهيئ لها بهدف «تحرير سيناء» فقط . وجاءت الوقائع وكما عبرت عنها جلسات المجلس الوطني من 1974 إلى 1988 لتسقط النقاط العشر الواحدة بعد الأخرى ، أي ما سمي بالبرنامج المرحلي، لتنتهي إلى المطالبة بإقامة دولة فلسطينية وتطبيق قرار 242، حيث بدأ يدخل في البرنامج الاستعداد للاعتراف بشرعية الدولة العبرية. وكان ذلك غير كاف من وجهة نظر المنهج الواقعي المرحلي لـ«يتطور» في التنازلات وصولاً إلى ما عبر عنه باتفاق «أسلو». ثم تبين أن هذا بالبرنامج المرحلي منتج أوسلو يتطلب التخلي حتى عن «حدود» القرارين 242 و338 للقبول بتجزئة أو تقسيم جديد لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والاعتراف بمستوطنات، ناهيك عن قضية القدس والمسجد الأقصى وحق العودة، بل حتى موضوع السيادة بالنسبة إلى «الدولة» ووحدة أراضيها. المهم أن نظرية البرنامج المرحلي كانت في واقع الحال وضع «برنامج مرحلي» في كل سنتين . علماً أن المرحلية تغطي فترة تاريخية ممتدة وليست فترة زمنية قصيرة لا ينطبق عليها تعريف المرحلة التاريخية والبرنامج المرحلي ، إن ما حدث هو في الحقيقة أقرب إلى مصطلح وضع «مهمات راهنة». أما من ناحية أخرى فمن يراجع الكيفية التي طبق فيها ما يسمى البرنامج المرحلي الذي كان يوضع في كل دورة جديدة من دورات المجلس الوطني سيجد أنه برنامج المرحلة السابقة، أو إن هو إلا تزكية ما حدث في فترة السنتين السابقتين من خروقات لقرارات أو برنامج المجلس الوطن عملياً بلا برنامج. ولهذا فإن كل موضوع البرنامج المرحلي كان يراد منه أن يكون مدخلاً لمسار غامض خارج عن السيطرة ، ولا يعرف بالتحديد إلى ما سينتهي وكيف سينتهي ، ودائماً أدنى مما سجل من أهداف في «البرنامج المرحلي» . ولهذا اتسمت البرامج بالتخبط النظري في قراءة تجارب الشعوب ، وبالخلل الشديد في فهم واقع الصراع في فلسطين ، وبالتذبذب اليومي في إدارة الصراع، وفي القبول بهذا «المشروع» أو ذاك مما تأتي به الرياح الدولية والصهيونية وتسمح به المعادلة العربية . وهذا يمكن أن يُسمى أي شيء ولكن لا يمكن أن يسمى ولو تجاوزاً واعتباطاً «برنامجاً مرحلياً» . كان المنهج المقابل السليم والصحيح هو أن يحتفظ الشعب الفلسطيني بهدف تحرير فلسطين ، ويركز على تحقيق هدف دحر الاحتلال إلى ما وراء الخامس من حزيران بما في ذلك تفكيك المستوطنات واستعادة القدس . وذلك باعتبار هذا الهدف قابلاً للتحقيق العملي ، وما يجب لأحد أن يعترض على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال . وبهذا لا يدخل الشعب الفلسطيني وقواه المجاهدة والمقاومة في لعبة تقديم الحلول واقتراح المشاريع أو التورط في لعبة وضع «برنامج مرحلي» بمعنى «الحل» الذي يُسعى إلى الوصول إليه في المرحلة القادمة ، لأن كل اقتراح لحل يتضمن تنازلاً مجانياً مسبقاً ويضعك أمام مأزق مناقشة حل أدنى منه، فيما الاحتفاظ بالحق الكامل في فلسطين، وخوض المقاومة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وهو ما يمتلك كل شرعية ويتحلى بالواقعية العملية. وعندما ينجز ذلك يكون الوضع الفلسطيني والعربي والدولي قد دخل في معادلة جديدة يصبح عندها لكل حادث حديث؛ هل تكون هدنة، أو لا تكون، مثلاً حالة كتلك السائدة في جنوبي لبناني «هدنة ولا هدنة»، توازن رجراج قابل للاشتعال في كل لحظة . هذا ما يجب أن يكون عليه موقف الذين لا يقبلون بالتنازلات عن الحقوق والثوابت في كل فلسطين ، أو إعطاء الدولة العبرية شرعية فلسطينية، إذ أن القانون الدولي لا يُصبغ عليها الشرعية القانونية الدولية لا من خلال اعتراف الشعب الفلسطيني الذي هو من وجهة نظر حتى القانون الدولي
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...