السبت 10/مايو/2025

شارون: ملك لأمة خائفة

شارون: ملك لأمة خائفة

تبرر الحكومة الإسرائيلية قمعها للشعب الفلسطيني بحاجتها للأمن. فنقاط التفتيش التي لا تنتهي وحظر التجوال والحصار المتواصل، بل ومنع الحوامل من أن يصلن إلى المستشفيات في العديد من مدن الضفة وغزة كان له دائماً ما يبرره، حسب النظرية الإسرائيلية، فالإسرائيليين يدّعون أن العمليات الإستشهادية هي سبب لكل ما جرى ويجري من قمع وإضطهاد وظلم وتشريد وقتل، إلى آخره من طرق التعسف الإسرائيلي الأسطوري.

ولكن الحقيقية والتي لا يجرؤ الإعلاميون الأمريكيون هنا الحديث عنها أن العمليات الفلسطينية الاستشهادية لم تكن إلا حلقة من حلقات هذا الصراع المرير والاحتلال الأكثر مرارة، بل إن القمع الإسرائيلي لم يكن في الحقيقة ردة فعل على ما تسميه “إسرائيل” بالإرهاب الفلسطيني أصلاً.

إن العمليات الإستشهادية، وتفجير الباصات بالتحديد لم تستخدم إلا في أوائل التسعينيات وحتى يومنا هذا، أي بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على احتلال فلسطين، وأكثر من عشرين عاماً على احتلال الضفة والقدس وغزة. عامل الزمن هذا يقر بأن العمليات الفلسطينية كانت هي الرد الفلسطيني على الإرهاب الإسرائيلي وليس العكس.

الأمر الآخر هو أن “إسرائيل”، وحكومة اليمين بزعامة (أرئيل شارون) تعرف تماماً كيف ومتى سوف يضرب الفلسطينيون ضربتهم، كل ما يجب عمله هو قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين العزل، أو المقاتلين أو حتى الأطفال. نظراً لانعدام أي ميزان للقوى بين طرفيين أحدهما يمتلك السلاح النووي، والأخر يصنع قنابله من المسامير وعيدان الثقاب، من الطبيعي أن يحاول الفلسطينيين الرد بطريقة يجدونها مؤلمة بما فيـها الكفاية لعدو لا يحسب لحياتهم أي حساب.

من الصعب على الإنسان الذي يعيش خارج حدود الصراع العربي الإسرائيلي أن يتفهم طبيعة الرد الفلسطيني، ولكن أن تعيش سنوات عمرك في سجن مغلق كبير كل همك هو أن تهرب من طائرات الأباتشي التى لا تعود إلى قواعدها بسلام كل يوم إلا بعد أن تقتل العديد من فئران التجارب، الذي نساهم أو تناسهم العالم في الضفة الغربية وغزة، يجعل منطق العمليات الإستشهادية أمر منطقي ومقبول. الضغط يولد الانفجار، والعمليات الإستشهادية، مهما كان موقفك منها هو دليل على ذلك.

أما أحد أهم الحقائق التى يتجاهلها الكثيرون هو أن ما يسمى بالرد الإسرائيلي على “الإرهاب الفلسطيني” ليس فقط عديم العلاقة بمسببات العنف الفلسطيني بل هو في حد ذاته أحد العوامل التي تشجع على العنف. فشارون يعلم أن الاستيلاء على ألوف الدونمات من أراضي الضفة الغربية لبناء سوره الواقي لن يوقف هذه العمليات، بل السبب هو رغبته الجارفة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية.

وما دخل الأمن بإغلاق المدارس وقصف المستشفيات وقتل الأطفال ونسف البيوت وحصار المدن، ومنع الوفد الفلسطيني من الذهاب لمؤتمر لندن للسلام، وحرمان عرفات من زيارة بيت لحم، وتقسيم غزة إلى ثلاثة أقسام، والضفة إلى مائة قسم، وإغلاق الحدود وتعذيب الأسرى؟ أيعتقد شارون حقاً أن الفلسطينيين سوف يركعون ويطلبون الرحمة جراء هذه التصرفات؟ ألا يعرف الرجل وهو مجرم الحرب المعروف أن القمع الإسرائيلي سوف يؤجج الغضب الفلسطيني وبالتالي الانتفاضة، بل سوف يقود إلى عمليات إستشهادية جديدة؟ بعد تجرية أكثر من سنتين، ألا يعرف حتى رجل الشارع العادي في كل دول العالم أن قتل 75 فلسطيني معظمهم من العزل على يد الجيش الإسرائيلي كان سيقود إلى عملية إستشهادية، كعملية تل أبيب مثلاً، عاجلاً أم آجلاً؟ هل من المعقول أن يعرف العالم كل هذا الأمر ويجهله شارون؟

شارون يعتقد أن من مصلحته أن تتواصل الانتفاضة بكل فعاليتها حتى يستطيع تحقيق أهدافه بالكامل، ومنها مصادرة الأراضي الفلسطينية، وفرض القيادة البديلة التى يراها كفيلة بحماية أهدافه السياسية، وربما إبعاد أعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. وهناك أيضاً عامل الخوف الذي يحاول شارون تنميته في نفوس الإسرائيليين. فشعور الإسرائيليين بالخوف دائماً يدفعهم للتشبث بالجنرالات كقادة سياسيين، وكون شارون هو رجل الحرب الأول، فهو إذاً رجل “إسرائيل” الأول، على الأقل خلال هذه المرحلة.

إن شعار حزب الليكود اليميني خلال الانتخابات المقبلة هو (شارون، ملك “إسرائيل”)، وهذا هو بالتحديد ما يبحث المحارب العجوز عنه، أن يكون ملكاً لشعب خائف، بلا أمن وبلا سلام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات