نحن من دون استثناء مسئولون

أكثر من مئة وخمسين شهيداً فلسطينياً سقطوا خلال الشهرين الماضيين فقط من هذا العام 2003 ، وفي كل يوم غارة همجية صهيونية ودم وتدمير واعتقال وتصفيات وتشديد للحصار.
وتبديد للطاقة والآمال تقوم به قوة الاحتلال، ويوم الخميس 6 مارس 2003 حين وقعت في جباليا مجزرة بشعة متعمدة، حيث وجهت قوة الاحتلال قذائف الدبابات إلى جموع المدنيين الذين يساهمون في إطفاء حريق أشعله المحتلون في بناء سكني فسقط أحد عشر شهيداً وأكثر من مئة جريح، لم يتحرك لسان ببيان بَلْهَ ساعد وزناد في أرض العرب، وابتلع السيد بوش لسانه بعد أن كان يلعلع بالإدانة بعد عملية حيفا.
وفي العراق يستمر تدمير صواريخ الصمود 2، قبل العدوان الأميركي القريب، بالوتيرة ذاتها التي يتصاعد فيها القصف الأميركي البريطاني على ما يسمى المناطق المحظورة في جنوب العراق، ويستمر التهديد والحشد الأميركيان البريطانيان لشن الحرب، كما تشتد «النخوة العربية، ومنها عراقية»، بالانتقام وتدمير البلاد على رأس النظام.
ومن الدم البريء المراق في غزة إلى الحلوق التي تغص بالألم في بغداد، إلى اللعنات المتبادلة في الدوحة، يتبدى وضع العرب على حقيقته وتتجلى أحوالهم على أفضل ما يمكن أن يكون عليه التجلي والتثبت منه. وتصدر قرارات نصها واضح وظاهرها حسن، ونقضها حاضر واختراقها قائم حتى في اللحظات التي يتم فيه اتخاذها، وعجز جلي بل رغبة في تكريس العجز والخلاف العربيين وتأبيدهما، تبدو مسيطرة على معظم القادة ويعبرون عنها بأشكال مختلفة، وتكاد تشكل المناخ العام لاجتماعهم وتشاورهم، وأحقاد «متلتلة» ترين على القلوب وتعمي العقول وتدفع إلى التشفي واستشراء الضعف والانقسام والعجز.
أمواج الزبد
وفي أوساط ثقافية عربية نقف على تجذّر بشع للخلافات الرسمية العربية تظهر في «فتاوى» ثقافية واجتهادات ورؤى شيطانية تثير الأحقاد وتزيد من ثقل الأصفاد وتحثوا على المنطق السليم كثبان الرماد. وفي العمق الكامن وراء لعلعة اللسان ببعض البيان لا أحد يريد أن يقبل الآخر المختلف معه باحترام عميق لحق الآخر بالاختلاف على الرغم من بهرجة الحديث بذلك وعنه، ولا يريد أحد أن يغادر، أو أن يدعو الناس إلى أن يغادروا، ساحة الشقاء .. ساحة داحس والغبراء.. إلى ساحة لقاء ومساحة نقاء، ولا يريد أحد أن يعلي ولاءه للأمة والحقيقة والمصلحة العربية العليا على كل ولاء سواه، سواء أكان ذلك الولاء للقطر وحاكمه ونظامه، أو للظلم وأعلامه، أو كان لولاء ذلك القطر لحليفه الأميركي أو الصهيوني أو الغربي؟! وكل «مدرسة» في التفكير والتنظير والتذكير والتعبير ترى نفسها الأولى والأخيرة، والمعصوم القابض على الحقيقة المطلقة من عنقها، وصاحب الحق في التصرف على النحو الذي يرتضيه هو بصرف النظر عن النتائج المأساوية للتصرف التي يمكن أن تنصبَّ على البلاد والعباد والمصالح والقيم. لا أحد يعطي ولاءه المطلق للحقيقة المنشودة والمستقبل المستَشرَف ويرى إلى أبعد من الأحقاد التي تشد إلى الأرض أوتاد القلوب في أجساد العباد وتبقيهم أسرى الكراهية والضعف والموت. كل يوم نغرق في شهوة الكلام.. شهوة الحوار على مدار الليل والنهار، ولكن الحوار لا يقرب أحدنا من الآخر على الرغم من أن تلك هي الغاية المنشودة منه وتلك وظيفته وأهدافه الرئيسة ومسوغات إقامته، بل نرى إلى مواقع المتحاورين وهي تنقلب إلى متاريس يتراشقون منها الكلام والتهم ويزدادون تشبثاً بما تحتويه من أشواك وأشراك وقيود وحدود.
موت على موت يلف لقاءاتنا وحوارنا وقراراتنا بينما الموت يحصدنا في شوارع المدن والقرى في فلسطين وينتظر أن يحصدنا في العراق وفي أماكن أخرى تليه على يد عدو الأمة والطامع في مصالحها والنافث في نار خلافات أبنائها.
نار تطلب حطباً، وزيت يزيدها أواراً، ووجدان جمعي يلهث بين النار والزيت، يحرِق ويحترق بتشجيع من القادة الثائرين على القادة والمثقفين المتواطئين مع ما في الذاكرة والتاريخ من سلبيات وشرور وآفات من دون أن ينظروا إلى الجانب الآخر من المخزونات القيمة، ومتواطئين مع الحقد والضعف وأحياناً مع العدو في النتيجة حتى لو لم يشأ أي منهم أن يفعل ذلك أو أن يعترف بأنه قد يؤدي فعله إلى ذلك، فهو يخدمه بصيغ عدة من حيث يدري أو لا يدري. موت على موت، ونار على زيت، وزيت على نار، وجثث تلتهمها صحارى الوقت ودوامات الخلاف المدلهمة كأعاصير البحار .. أمة من المحيط إلى الخليج أصبحت أمواجاً من زبد تتكاثف في المدى ثم تدفعها الريح لتتبخر على رمال الشواطئ وكأنها لم تكن؟!..
فإلى متى يبقى الحال على ربابة وموال، وسيف العدو في قلوبنا مغروس ونحن لا نملك إلا أن نصيح ونستريح؟! لا أحد يريد أن يقبل الآخر أو يتجاوز له عن خطأ وخطيئة، فكيف يكون لنا أساس ثابت نبني عليه وكل منا يهدم اللبنة التي يضعها الآخر في ذلك الأساس؟! كل منا عنترة على أخيه وفأر أو ذنب فأر في جيب عدوه يدفع المال والكرامة في سبيل أن يغلب أخاه ويقهر وطنه وينصر على وطنه..أف أف ..أف .. أما لهذا الوضع من نهاية ولهذا الليل من آخر، وقد أصبح الصهيوني، أجبن خلق الله وأنذلهم، مسيطراً في أرضنا ومتربعاً في حرمنا القدسي، يلِغُ في دمنا صباح مساء؟! أما لهذا الحال من نهاية ولهذا المرض من شفاء ولهذا الداء من دواء ؟! والكل يدرك أنه وهو يتهاوى في نار المصباح محترق ومن يتبعه محترق أيضاً!؟
مسئولية إنسانية
يوم الدم في غزة، ويوم اللعنات في الدوحة، ويوم الزمجرة في شرم الشيخ ، ويوم… ويوم .. ويوم.. كلها أيام العرب التي تؤسس لأيام أخرى للعرب على العرب، وكأننا على مدى التاريخ لم نعش سوى أيام العرب على العرب ولا نذكر سوى ثارات العرب من العرب، وننسى ما كان لنا من أيام على الأمم ومعها. أما لهذا الليل من آخر والعدو يجهز عدته ومعداته ويحشد قواه، لا لكي يحتل ويقتل ويدمر ويستنفد أغراضه المادية في ثرواتنا النفطية وأسواقنا المفتوحة له، ولكن لينال أيضاً من الثقافة والتربية والهوية ومنظومات القيم.. لينال من العروبة والإسلام انطلاقاً من دار السلام بعد أن أجهز أو كاد على مدينة السلام، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. أما من صحوة عربية ترتجى وقد بلغ السيل الزّبى.. أم ..؟!
استيقظت على حالة من الغرق في بحر الكلام فلملمت أطراف ردائي الذي يقطر ماء وأحلاماً واستندت إلى حجر قاسٍ لعله يجعلني استيقظ تماماً من حلم مستبد يعربد في خلاياي، وأخذت أفكر في يوم الجمعة السابع من مارس وما يليه، حيث يقدم السيد هانز بليكس تقريره إلى مجلس الأمن الدولي ومعه في شبه الظل محمد البرادعي الذي استنفد ما في جعبته من تأثير على التقارير .. ما الذي يحدث يا ترى: هل سيقنع العراقُ مجلس الأمن بكل ما قدمه حتى الآن من أعمال واستجابات للقرار 1441 أم أن السيد هانز بليكس سينفث مع كلماته ناراً يشعل بها بوش حربه التي يعد لها ولا تنتظر أي قرار؟ هل سينتصر التيار الداعي إلى رفض الحرب على التيار الذي يدعو إليها في مجلس الأمن الدولي، الذي ينبغي أن يطفئ الحروب لا أن يشعلها وأن يكون قوة تنصر السلام العادل وليس الحرب الظالمة؟!
من الواضح أن الموقف الذي خلقه رفض البرلمان التركي نشر الجيوش الأميركية في شمال العراق انطلاقاً من الأراضي التركية قد جعل بوش وبلير يبحثان عن بدائل، ومن ثم يحتاجان إلى وقت إضافي إما لإقناع تركيا بنشر القوات في شمال العراق من أراضيها أو بتوفير مواقع أخرى وبدائل ملائمة لتحقيق أهدافهما اللوجستية، ولذلك بدأ سعي بريطاني – هو إملاء أميركي – لتعديل صيغة قرار يقدم إلى المجلس يعطي العراق مهلة إضافية قصيرة يكون بعدها العدوان بقرار وغطاء دوليين، وذلك يسهل على العرب الداخلين في مشروع الحرب الاندفاعَ فيها «تنفيذاً لقرار دولي»، ويسهل على الأميركيين وحلفائهم عملية تهيئة المناخ الدولي للحصول على تغطية في الداخل والخارج للعدوان ذي الأهداف الإجرامية البعيدة المدى.
إن فرنسا وألمانيا وروسيا والصين وسوريا دول تشكل محوراً قوياً في المجلس ضد الحرب، وقد تقنع بعض الدول المترددة في اتخاذ موقف إلى جانبها وبذلك ينتصر التيار الداعي إلى الخيارات السلمية على التيار الداعي إلى خيار الحرب، أو تضطر إحداها ممن تملك حق النقض باستخدام ذلك الحق. ولكن الاضطرار إلى ذلك بحد ذاته يطرح سؤالاً مهماً: ما معنى أن تكون هناك قرارات لقمة إسلامية تدعو إلى «رفض مطلق للحرب»، ولقمة إفريقية كتلتها فرنسا وراء رفض الحرب، ولقمة دول عدم الانحياز ترفض منطق الحرب، وبين الدول الواقفة على حرف في مجلس الأمن دول كثيرة هي من تلك الكتل والقمم، شاركت فيها ويعنيها أن تلتزم بقراراتها ثم لا تحسم مواقفها وتبقى العالم في حالة قلق وترقب وانتظار ؟! إن هذا يقربنا من الحالة العربية التي توافق فيها دول عربية على «رفض مطلق» لخيار الحرب ومن ثم تشارك فيها على نحو ما وبجهد ملحوظ، سواء أكان ذلك الجهد مكشوفاً أو غير مكشوف.!؟ فهل وصل التأثير الأميركي على قرار الدول وإرادتها إلى حد جعل كل التجمعات الدولية بلا معنى، ووصل الإغراء أو التهديد إلى درجة جعل الدول المعنية المستهدفة بالضغط تخوض في بحر من الخوف أو النفاق وتركع للسيد الأميركي أو تهرع إليه لكي يرضى عنها ؟! إذا كان ذلك كذلك فإن العالم قد أصيب بفساد شديد مروِّع يستدعي من كل المعنيين بالشأن الدولي والإنساني والوجداني والروحاني..إلخ التفكير بمواجهة مسببي الفوضى والشر والخوف في العالم، وتلك مسئولية إنسانية وثقافية وخُلُقية واسعة وواجبة.
سرطان الصهيونية
لم ترحني أية صخرة أسند رأسي أو ساعدي إليها، لا توجد راحة في عالم يسوده معيار المصلحة المادية وحده ويستنبَت فيه الشر في المخابر السياسية التي لا هم لها ولأصحابها سوى البحث عن ترويج تجارة السلاح والدم والنفط والموت بذرائع شتى. وإذا كان العالم مصاباً بسرطان الصهيونية العنصرية، والسيطرة الأميركية، والنزعة المصلحية، والكراهية، والعداء المتكاثر البثور على جذع
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...