الأحد 11/مايو/2025

أية خيارات أمام الوضع الفلسطيني

أية خيارات أمام الوضع الفلسطيني
صحيفة الشرق القطرية 22/10/2006
 
 
في الحالة الفلسطينية ثمة قوتان سياسيتان شعبيتان لكل منهما برنامج سياسي مختلف عن الآخر اختلافاً عميقا، إن لم يكن جوهريا او نوعيا كذلك، وثمة قوى سياسية واجتماعية بينهما لا يجوز اغفالها، او تجاهلها في وصف الحالة، وهذه القوى موزعة بين القطبين من حيث الاقتراب والابتعاد من كل منهما، هذا اذا لم تعتبر نفسها ممثلة لخط ثالث.

أما خارج الحالة الفلسطينية فهنالك استقطاب دولي في مصلحة احدهما، وآخر يحاول أن يتمايز نسبيا، وثمة استقطاب اقليمي عربي واسلامي اخذ يتوزع بين القوتين الاساسيتين، ثم هنالك الموقف الشعبي والرأي العام اقليميا «عربيا واسلاميا» وقد انحاز دائماً الى المقاومة والممانعة ومواجهة اسرائيل ومعارضة امريكا.

القوتان الاساسيتان في فلسطين هما حماس وفتح وكل منهما تمتلك شرعية شعبية، فحماس تحوز الاغلبية في المجلس التشريعي وتشكل الحكومة، رئيساً ووزراء، فيما فتح تحوز شرعية الرئاسة الفلسطينية المنتخبة والممتدة الى شرعية رئاسة م.ت.ف في الآن نفسه، ولدى الطرفين قوات عسكرية متقابلة في قطاع غزة، ولكن فتح تنفرد بامتلاك القوة العسكرية «القوات الامنية والشرطة» في الضفة الغربية.

وعلى المستوى الشعبي هنالك انقسام عمودي وان كانت الاغلبية في مصلحة حماس كما اظهرت الانتخابات التشريعية، كما اغلب التقديرات والاستطلاعات وقد يختلف الوضع من منطقة «مدينة او قرية او مخيم» الى أخرى.

أما بالنسبة الى القوى التي في الوسط سواء كان على مستوى فصائل المقاومة او على مستوى القوى السياسية ومنظمات «المجتمع المدني» والمجتمع الأهلي والنقابات فالمواقف والانحيازات موزعة بين حماس وفتح قربا وبعداً او تقاطعا مع وجود التمايز.

أما القوى الاقليمية والخارجية الاقوى تأثيراً سياسياً على الوضع الفلسطيني فهي العربية أولا وأخيراً وذلك بالرغم من سيطرة الاحتلال الاسرائيلي والنفوذ الامريكي – الاوروبي، فكل انقسام او تيار فلسطيني داخلي كان يتجه عربياً وذلك ليستند الى دعم عربي، ففلسطين في القلب من المشرق العربي.

وهذه سمة تاريخية على عكس الظاهر، وعلى الضد من عظم قبضة الاحتلال، او من اتفاق اوسلو او من تأثير المساعدات الخارجية، لكن ظهر بعد نجاح حماس في الانتخابات واعلان الحصار المالي الامريكي – الاسرائيلي – الاوروبي ان موازنة السلطة ورواتب موظفيها ارتهنت لتلك المساعدات.

فامريكا والدولة العبرية يمكنهما تخريب اي اتفاق او اي وضع فلسطيني من خلال الاحتلال والمحاصرة والاغتيالات والتدمير لكنهما لا تستطيعان ان تتحكما في القرار السياسي او الولاء السياسي الفلسطيني بل يمكن القول إن تأثير امريكا في الوضع الفلسطيني يعبر من خلال تأثيرها في هذه الدولة او تلك من الدول العربية الفاعلة والمؤثرة، اي لا يستطيع ان يكون مباشراً، ولا ان يشكل حالة فلسطينية يحوز ولاءها، ضد الولاء العربي والفلسطيني بل حتى الافراد من ذوي الولاء الخارجي بحاجة إلى الغطاء العربي.

تاريخيا لم يستطع الاحتلال الاسرائيلي ان يصنع قيادة فلسطينية موالية له، وكذلك امريكا او اوروبا الا على مستوى الافراد وفي اضيق نطاق، فيما كانت القيادة الرسمية الفلسطينية مؤيدة وحتى معينة، من مصر وفيما المعارضة لتلك القيادة كانت تتوزع بين سوريا والعراق من حيث اللجوء والدعم.
أما الدور السعودي فكان يختلف في علاقته بالقوى الفلسطينية وفقا لعلاقاته بمصر والعراق وسوريا، فذلكم هو التاريخ الفلسطيني منذ نشوء القضية حتى اليوم، اما الاردن فكان وازناً بشكل كبير في مرحلة وحدة الضفتين.

وفي الحق لم يسبق ان ارتفع مستوى التأثير الدولي في الداخل الفلسطيني كما يحدث الآن، بما في ذلك بعد توقيع اتفاق اوسلو، وصولا إلى أواخر 2003، ففي السنتين الاخيرتين نتيجة لسلسلة تراجعات عربية اصبح بمقدور امريكا ان تفرض حصاراً ماليا على الفلسطينيين، وتجد من يشاركها في حصار المقاومة، والضغط السياسي عليها، ولولا ذلك لما احكم الحصار.
طبعاً ما تقدم يمثل خطا عريضاً فيما مضت التفاصيل تتراوح ضمنه وبعضها القليل ربما شذ.

من هنا فإن الوضع العربي بعد ان ضاق كثيراً هامشه المنحاز فلسطينيا والممانع للسياسات الامريكية – الاسرائيلية، ادخل الوضع الفلسطيني امام ثلاثة خيارات استمرار الخيار الذي عرفه ما بين تشكل حكومة حماس الى صدور وثيقة الاسرى ومن بعدها اتفاق عباس هنية لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. لكنه انتهى بعد ان تبين ان كل التوافقات ما ظهر منه وما بطن لا تخرج من الحصار الخيار الثاني الذي بدأ مع تجميد الحوار ثم اعلان الرئيس الفلسطيني ألا حكومة فلسطينية دون الاعتراف باسرائيل، او في الادق الموافقة على شروط الرباعية.. ثم ما حدث في «الاحد الأسود» في 1/10/2006 من اشتباكات مسلحة بين القوات التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية وقوات امنية تابعة للرئيس ثم ما تلا ذلك وصولا إلى اليوم من تصعيد سياسي يعبر عن انقسام حاد.

أما الخيار الثالث فهو التعايش مع التسليم، كل فصيل ببرنامجه السياسي ومع بقاء الشرعيتين المجلس التشريعي والرئاسة، ثم التوافق على حكومة جديدة تختارها حماس وفتح والفصائل، وتعتمد وثيقة الوفاق الوطني وتكون مهمتها محصورة بالشأن الداخلي، فيما تبقى المفاوضات بين الرئيس بصفته رئيساً للجنة التنفيذية لبينما بعاد بناء المنطقة وتكون مدة الاتفاق سنة.

هذا الخيار الترقيعي لحال ما كان يجب الوصول إليها هو كما يبدو الاحتمال الراجح عربيا ابعاداً للخيار الثاني: خيار المغالبة يقصد منه نزع فتيل الاقتتال الداخلي واعطاء فرصة للموقف العربي لفك الحصار، وربما الاوروبي كذلك لكنه لا يجيب عن التحديات الحقيقية وهي تحديات دحر الاحتلال وهدم الجدار وتفكيك المستوطنات واستنفاذ القدس، فضلا عن تحرير الارادة الفلسطينية من الارتهان للمساعدات الخارجية.

انه خيار ترقيعي تحذيري وتجميدي للوضع الراهن ربما حلحلة موضوع الرواتب جزئياً ومؤقتاً، فيما الخيار الافضل تأسيس وحدة وطنية تحت استراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال والحصار فمن دون هذا الخيار تبقى كل الالغام والمخاطر والصراعات والمكائد قائمة ومستمرة تنتظر لحظتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات