الإثنين 12/مايو/2025

نقائض الحوار الفلسطيني الداخلي

نقائض الحوار الفلسطيني الداخلي

لقد سعت حماس جاهدة لزيادة مواقعها للحصول على أكبر قدر من التأثير على القرار الفلسطيني عبر الاستفادة من ثغرة الشرعية التي فتحتها لنفسها في حائط الحياة السياسية بالاستشهاد الذي تقوم به كتائب عز الدين القسام والذي بدوره أحدث تغييرا بنيوياً في التفكير الأمني الإسرائيلي ووضعها في مكانة متميزة ومؤثرة في الساحة الوطنية وقيام الانتفاضة.

تمثل العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الجناح العسكري لحركة «حماس» دليلاً دامغاً على عدم وجود أفق ممتد لحوار في القاهرة، حول الوحدة الوطنية الفلسطينية، فالأمر لا يتعلق بهذه الوحدة بقدر ما يتعلق بالهجمة الإسرائيلية التي تزيد من وطأتها العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، وبالتالي تساهم في عدم قبول «حماس» أية تنازلات جزئية لوقف العمليات الاستشهادية.

وتمثل هذه العمليات جوهر المطلب الإسرائيلي الذي يشكل ضغطاً على السلطة الفلسطينية. ومن المثير أن اختراق «حماس» للأمن الإسرائيلي واستحكاماته كما اتضح في عملية كريات موتسكين أخيراً يضع هذا الأمن على المحك ويقدم صورة مغايرة لما يحاول تكريسها عالمياً.

وإلى جانب الزيادة النوعية في الهجمات الاستشهادية فإن عمليات القنص وقذائف الهاون والقذف بالحجارة لا تزال متصاعدة بذات الوتيرة التي بدأت بها منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وهو ما يعنى (في أحد أبعاده) مصداقية حماس النضالية وقدراتها على الفعل الحركي لإزالة الاحتلال وتحقيق الاستقلال.

وتنظر “إسرائيل” إلى «حماس» نظرة كلاسيكية كإحدى فصائل المقاومة التي يمكن ترويضها واستقطابها، وهو نفس الخطأ الذي وقعت فيه السلطة الفلسطينية بمحاولة إدخالها مأزق التسوية تحت سقف الحوار الوطني.

وتمتلك حماس أدوات مؤثرة أكثر رسوخاً في الأرض الوطنية تتعلق بماهية نشاطها وأسلوب تصرفها ضمن حدود تحركاتها الاستراتيجية، وهو ما يؤكد صعوبة نجاح الضربات الأمنية الإسرائيلية في تهميشها والحد من قدرتها على اختراق الأمن الإسرائيلي ذي السمعة العالمية الرهيبة. ويعود الأمر إلى قدرة حماس على ابتكار محددات نوعية للعمل الإسلامي. فعلاوة على أن نوعية علاقتها الترابطية بالإخوان المسلمين كانت تاريخية فإنها أدت أيضاً إلى تغير نوعي ومتدرج في الصورة المختزنة عن الحركة الإسلامية لدى قطاعات فلسطينية عريضة داخل الأرض المحتلة، فتشكيل حماس كحركة مقاومة للاحتلال وانخراط كوادرها في فعاليات الانتفاضة وصولاً إلى الذروة بالاستشهاد كانا أهم خطوة اتخذتها الحركة الإسلامية لتقوية مواقعها. فبهذا التوجه وهذه الممارسة أسقط الفارق الأساسي فيما يتعلق بمسألة الحصول على الشرعية السياسية بين حماس والقوى الوطنية المقاومة للاحتلال وزال الحاجز الذي حد في السابق من مستوى التأييد الجماهيري لجماعة الإخوان فلسطينياً.

وحصلت حماس بالممارسة الانتفاضية والاستشهادية ودخولها ضمن اللجنة العليا للانتفاضة مع كافة القوى على موطىء قدم متميز في الخريطة السياسية الفلسطينية. وأصبح الفارق بين حماس والقوى الوطنية لا يتمثل في نوعية الأداء بل على المستوى والفعالية والقدرة على التضحية حتى إن العمليات الاستشهادية تنفذها القوى الإسلامية غير المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية. ولقد سعت حماس جاهدة لزيادة مواقعها للحصول على أكبر قدر من التأثير على القرار الفلسطيني عبر الاستفادة من ثغرة الشرعية التي فتحتها لنفسها في حائط الحياة السياسية بالاستشهاد الذي تقوم به كتائب عز الدين القسام والذي بدوره أحدث تغييرا بنيوياً في التفكير الأمني الإسرائيلي ووضعها في مكانة متميزة ومؤثرة في الساحة الوطنية وقيام الانتفاضة. وتشير عوامل قوة حماس إلى عدة عوامل من آليات فعلها الوطني الإسلامي:

1 – النزوع نحو المحافظة، فالمتابع لحركة المجتمع الفلسطيني منذ منتصف الثمانينيات يعهد الاتجاه نحو المزيد من المحافظة في مجال السلوك والعلاقات الاجتماعية. وهو ما ساعد في إشاعة المناخ الإسلامي الذي تعزز بفعل انصراف القوى الوطنية الأخرى عن التمسك بأيديولوجية ثورية واضحة أوقعتها في مصيدة اتفاق أوسلو. وهنا أصبح المجال رحباً أمام حماس في ظل تزايد القمع الإسرائيلي ضدهم وحتى من السلطة الوطنية قبل انتفاضة الأقصى.

2 – الاستقلالية في الأمور المالية، وتعتمد حماس في مصادر تمويلها على المتعاطفين معها أو من عامة الشعب داخل المناطق المحتلة. وتأتي هذه الأموال على هيئة زكاة تؤدى كفريضة إسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية ودول المهجر، أما الدعم المقدم للحركة من الحركة الإسلامية العالمية فهو بدافع الإخوة الدينية لمناصرتها في مقاومة الاحتلال بمعزل عن التدخل في استراتيجيتها السياسية.

3 – استفادت حماس من الدعم المادي المقدم لها في بناء شبكة مؤسساتية خدمية متشعبة ومتنوعة في مجالات متعددة كالصحة والتعليم ومراكز الدراسات والأبحاث ورياض الأطفال. ووفرت هذه البنية بدائل عالية التنظيم والفاعلية كمثيلاتها من السلطة الوطنية وتمايزت عنها في نوعية الخدمة المتسمة بقلة التكاليف وحسن المعاملة دون تناحرات سياسية أو استعلاء عقائدي.

وتتميز حماس بامتلاكها أسلوباً متميزاً في إدارة الصراع وهي ترسم مسارها بدقة وحال انتهائها من تصميمه تفرضه على الواقع دون تردد. ولهذا فقد تعاملت مع عملية التسوية واتفاق أوسلو في إطارها التاريخي باعتبارها محطة في الصراع ضد الكيان الصهيوني الممتد حتى تحرير فلسطين. وتضمن حماس ذلك ببشائر وتعهدات نبوية بالأحاديث الشريفة والآيات القرآنية العديدة التي تتحدث عن الانتصار النهائي على اليهود.

وأكملت العمليات الاستشهادية لكتائب القسام والمشاركة الفعالة في قيادة الانتفاضة يومياً قدرة حماس على الخروج من ضغط لحظة الضعف التي فرضتها أوسلو إلى عملية عكسية تحاصر تأثيرات الوضع السياسي بواقعية من نوع جديد تتعامل معه من خارج دائرة إفرازاته بعد توظيفه في إطار الصراع الحضاري الممتد لتحقيق الاستقلال.

ومما يساعد حماس على هذه الظرفية ويزودها بالفعل الاستشهادي كونها تنظيماً سياسياً عقائدياً مختلفاً عن الفصائل الفلسطينية الأخرى بامتلاكها أيديولوجية دينية تفرض عليها انسجامها مع منطلقاتها التي تعطيها القوة الجماهيرية وحصانة الوقوع في أسر التجارب اليسارية السابقة.

وتزود حماس حركتها الاستشهادية والنضالية ضد “إسرائيل” بوجود ثغرات في اتفاق أوسلو تمنع من أن يكون أساساً صالحاً للتسوية أو حل عادل للقضية ولا يتوافر فيه أي عنصر من المساواة أو الندية بين طرفين، وهو ما يؤدي إلى حسم القضايا المحورية من منطق المساهمة في صنع وترجيح ميزان القوى على الطرف الفلسطيني الضعيف.

ويمكننا فهم الدور المقاوم الحماسي في تعديل كفة ميزان القوى وهي عملية طويلة المدى ليس بسبب تعنت شارون وطرح النغمة الصهيونية مفردات حل وهمية مثل دولة في غزة بحسب شيمون بيريز ولكن نتيجة تزايد النزاعات العدوانية العنصرية في المجتمع الإسرائيلي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات