الجمعة 02/مايو/2025

مخاطر انتقاد إسرائيل لم تعد كما كانت

مخاطر انتقاد إسرائيل لم تعد كما كانت

 

الكسندر كوكبيرن 

طوني جوت، الأستاذ في جامعة نيويورك والكاتب التحرري في مجلة “نيويورك ريفيو اوف بوكس”، اكتشف لتوّه عواقب الانتقاد العلني لسياسات الحكومة “الاسرائيلية”، وهو ما كان يفعله. وفي ما يلي نص رسالة نشرها في 4 أكتوبر/تشرين الأول:

“كان من المقرر أن أتحدث هذا المساء، في مانهاتن إلى مجموعة تدعى شبكة 20/20 وتتألف من زعماء شباب في عالم الأعمال والمشاريع، ومنظمات غير حكومية، وأكاديميين وغيرهم، من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى. والموضوع هو: اللوبي “الاسرائيلي” والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وتعقد الاجتماعات دائماً في القنصلية البولندية في مانهاتن”.

وقد تلقيت للتوّ مكالمة هاتفية من رئيس شبكة 20/20، تفيد بأنه تمّ إلغاء الحديث لأن القنصلية البولندية تلقت تهديداً من قبل رابطة مكافحة التشهير. وقد حذّرت المكالمات المتواصلة من قبل رئيس رابطة مكافحة التشهير، ابي فوكسمان، القنصلية من استضافة أي شيء لطوني جوت علاقة به. وحذر قائلاً، إنها إذا أصرّت، فسوف ينشر تهمة تواطؤ البولنديين مع المناوئين ل”إسرائيل” والسامية (= أنا) على الصفحة الأولى لكل صحيفة يومية في المدينة. وانصاعت القنصلية للتهديد، واضطُرّت شبكة 20/20 إلى إلغاء المناسبة. ومهما تكن آراؤكم بشأن الشرق الأوسط، آمل أن تعتَبروا ذلك خطيراً ومخيفاً كما أفعل. هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية، أو هكذا اعتادت أن تكون”.

وأدى ما أعلنه جوت إلى ظهور شذرات ضئيلة من المواد في الصحف، ومن بينها ما كتبه في صحيفة “واشنطن بوست”، مايكل بول، وقال فيه، “يقول جوت إن هذا النمط مؤكد ومخيف”. وقال “هذا خطير ومخيف، وفي أمريكا فقط، لا في “إسرائيل”، يعتبر مشكلة.. هذه منظمات يهودية تعتقد أنه ينبغي عليها أن تبقي الذين يختلفون معها بشأن الشرق الأوسط بعيدين عن أي شخص يمكن أن يسمع”.

“أنكر زعماء المنظمات اليهودية مطالبة القنصلية بمنع خطاب جوت واتهموا الأستاذ الجامعي بسرد “نظريات مؤامرة جامحة” عن دور هذه المنظمات. ولكنهم امتدحوا القنصلية على إلغاء دعوة جوت”.

وقال أبراهام فوكس، المدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير، “أعتقد أنها اتخذت القرار الصحيح.. فقد اتخذ جوت موقفاً رافضاً لوجود “إسرائيل”. وذلك يضعه على شاشة رادارنا”.

جيد أن يثير جوت زوبعة حول فوكسمان الرهيب، ولكنني مضطر للابتسام بتهكم من اكتشافه المفاجئ أن انتقاد “إسرائيل” قد يكون عملاً خطيراً. وفي حقيقة الأمر كان ذلك محفوفاً بمخاطر أكبر بكثير جدّاً قبل عشرين سنة بل قبل عشر سنوات. وهو أسهل بكثير الآن، حيث أعرفه من تجاربي الشخصية، لدى ترويجي لكتاب ألّفته بالاشتراك مع جيفري سانت كلير، بعنوان “علم سياسة معاداة السامية”، كما أعرفه من ملاحظة بعث بها إليّ مؤخراً، نعوم تشومسكي، يشير فيها إلى أنه يحس بأن “اليسار الكامن مستمر في النمو السريع”. ويحكي تشومسكي أنه ألقى بضعة أحاديث في منطقتي كامبريدج بوسطن، وأن “الأمر مختلف تماماً عمّا كان عليه من قبل”. وكان قد عاد لتوه من أمسية حول “المعتقلين الكوبيين الخمسة” والإرهاب الأمريكي ضد كوبا. “جمهور كبير، شديد الحماسة”. كما قال تشومسكي، إنه قد أدلى بأحاديث كثيرة في الأسابيع القليلة الماضية حول الشرق الأوسط. وكانت من النوع الذي اعتاد أن يتطلب حماية الشرطة في كامبريدج قبل بضع سنوات فقط. والآن؟ قال تشومسكي إنه كان يتلقى سؤالاً حزيناً يُطرح بين الحين والآخر، عمّا إذا كان قد بالغ في القسوة على “إسرائيل” لأن لديها بالفعل مشكلات أمنية.

وقبل وقت ليس بالطويل جدّاً، عندما كان يذهب تشومسكي للتحدث في إحدى البلدات، كانت رابطة مكافحة التشهير، وهي جماعة رصد صهيونية كبيرة، تتعقبه، وتكتب التقارير دقيقة بدقيقة حول تحركاته وتصريحاته. وقد أرسل له شخص مجهول ذات مرة واحدة من أمثال تلك الأضابير. وكان مكتوباً على الصفحة الأولى من غلافها، “إلى ألان ديرشوفتز”. وقال لي تشومسكي قبل وقت طويل أنه وديرشوفتز كان من المقرر أن يخوضا مناظرة خلال أسبوع أو نحوه، ومن الواضح أن تلك الإضبارة كانت مرسَلة إلى ديرشوفتز، لكي يقتطف منها.

كان لرابطة مكافحة التشهير جواسيس في كل مكان، كانوا يرسلون إليها تقارير محمومة، معظمها تلفيقات هستيرية، عمّا يدّعون أنهم سمعوه في الاجتماعات. وكانت تلك نكتة. ولكنه لم يكن نكتة ما يحدث في جامعة كاليفورنيا، لوس انجلوس وكامبريدج، حيث كان رجال شرطة مُتَخَفّون يحضرون لقاءات تشومسكي لأنهم التقطوا تهديدات خطيرة. ولم يكن ذلك شيئاً كبيراً بالمقارنة مع ما كان إدوارد سعيد مضطراً إلى معايشته والتكيف معه. وكذلك نورمان فنكلشتاين. إن ما يواجهه جوت ليس أكثر من جزء ضئيل ممّا يواجهه نورمان بانتظام أي تعرضه للتنديد به من قبل مجلة “بروجريسيف” (هكذا) باعتباره منكِراً لوقوع الهولوكوست، أو من قبل رئيس تحريرها باعتباره “مُنتَقِصاً من شأن الهولوكوست” على أساس اقتباسه الصحيح عن راؤول هيلبيرج (أحد أكبر المؤرخين للإبادة الجماعية، ومؤلف كتاب “تدمير يهود أوروبا”م). وقد هوجم نورمان بعبارات مشابهة أو أسوأ منها من قبل آخرين يتظاهرون زوراً بالاحتجاج على معاملة جوت.

لقد أرهب فوكسمان الدبلوماسيين في القنصلية البولندية بالتهديد باتهامهم بمعاداة السامية. وكان الدور بعد ذلك على القنصلية الفرنسية. وفي ما يلي تقرير رويترز في 10 أكتوبر/تشرين الأول، عن ذلك: “كان مكتب الخدمات الثقافية في السفارة الفرنسية في نيويورك يعتزم إقامة حفل يوم الثلاثاء ( 10 أكتوبر/تشرين الثاني) احتفاءً بنشر كتاب “سوء النية” في شهر سبتمبر/أيلول لمؤلفته كارمن كاليل، الذي يتناول سيرة “لوي داركيه دو بيلبوا”، المسؤول في حكومة فيجي الذي نظّم ترحيل يهود فرنسا إلى اوشفتز ( معسكر التجميع النازي). وقالت كاليل لرويترز يوم الاثنين إن الحفل قد ألغي بعد شكاوٍ من “أصوليين يهود”.

وقال مصدر في السفارة الفرنسية في نيويورك إن السفارة اعترضت على رأي المؤلفة، التي ساوت “بين ما حلّ بيهود فرنسا (في ظل النظام النازي)، وما حلّ بالشعب الفلسطيني”.

“كتبت كاليل في تذييل الكتاب: إن ما حزّ في نفسي أثناء تتبعي سيرة لوي داركيه، هو أن أعايش عن كثب رعب يهود فرنسا المساكين، وأن أرى ما يُنزِله يهود “إسرائيل” بالشعب الفلسطيني. ومثل سائر البشرية، “ينسى” يهود “إسرائيل” الفلسطينيين. الكل ينسى؛ وكل أمة تنسى. أريد أناساً يتعلمون من الماضي كي لا يتكرر حدوث الأمور الرهيبة ذاتها. إذا قمعتَ الناس، فسوف يكرهونك، ولا أريد ل”إسرائيل” أن تكون مكروهة”. والفرق الآن أن بعض هذه الجهود لسحق النقاش يُكتَب عنها. وما كان لذلك أن يحدث قبل عشر أو عشرين سنة، على الأقل في “واشنطن بوست” أو في “رويترز”. ولكن ذلك، يحدث بعد أن أصبح وضع الفلسطينيين الآن أسوأ بكثير مما كان عليه قبل عشرين سنة.

* كاتب صحافي ومحلل سياسي

 يشارك في تحرير موقع “كاونتر بانش”

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...