الإثنين 24/يونيو/2024

المراهقة السياسية الفلسطينية إلى متى؟

المراهقة السياسية الفلسطينية إلى متى؟

  صحيفة القدس العربي اللندنية 19/10/2006

 

يبدو أن ناقوس الخطر بدأ يدق أبواب الشارع الفلسطيني بعد أن أخذت المعاناة الإنسانية والأزمة المالية الفلسطينية تتفاقم وتزداد حدتها يوماً بعد يوم، فلم تشهد الساحة الفلسطينية حالة من الاحتقان والإرباك السياسي والفلتان الأمني كما يحدث حالياً، والذي هو نتيجة لانسداد الأفق السياسي الفلسطيني ليحل محله شبح الحرب الأهلية يعصف باستقراره بين الفينة والأخرى.

فمنذ ما يقارب الثمانية أشهر وتحديداً منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي تكللت بفوز حركة المقاومة الإسلامية بالأغلبية البرلمانية بدأ الماراثون السياسي في الساحة الفلسطينية والدولية وبدأت الإدارة الأمريكية والإسرائيلية في تشويه معالم هذا الفوز والتآمر ووضع الشروط والعراقيل في وجه الحكومة للحيلولة دون تسلمها زمام الأمور والتفرد بالقرار الفلسطيني، وليست صدفة أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بذلك لأن ذلك جزء من الحملة البربرية والمخطط الاستعماري على كل ما هو إسلامي أو وطني أو حتى ديمقراطي لدواع إرهابية مزعومة.

فإذا كان هذا الخيار الديمقراطي للإرادة الشعبية الفلسطينية فلماذا لا تحترم إرادة هذا الشعب من قبل أسياد الديمقراطية في العالم لهذا الحد يشكل فوز فصيل فلسطيني ذي مرجعية إسلامية خطراً على الديمقراطية البوشية المزعومة؟ أم أن هذا الفوز يتعارض مع المعايير الديمقراطية الأمريكية التي ترفض كل من لا يأتي على أسنة الرماح الأمريكية وبمباركة بوشية؟

فحالة الفوضي والاحتقان الشعبي التي تعم الأراضي الفلسطينية للاحتجاج على الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الشارع الفلسطيني من جراء الحصار المالي الجائر من قبل المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة تأتي ضمن سياق أمريكي مدروس للالتفاف على الحكومة الفلسطينية بشتى الوسائل والطرق بتوظيف قضية الرواتب كذريعة لخلق حالة من عدم التوازن السياسي بين الشعب ومؤسساته القيادية الرئاسية والحكومية.

فنراها لا تتوانى عن الزج بكافة ثقلها السياسي والدولي لعرقلة وإجهاض أي محاولات فلسطينية وحدوية من خلال استباق الحدث ووضع قوائم من الشروط المأمركة التي تخدم وتلبي مطالبها للحيلولة دون تشكيل حكومة تعبر عن نبض الشارع الفلسطيني وقادرة على التخفيف من معاناة هذا المواطن الأعزل مادياً ومعنوياً، وقادرة على تحرير الأزمة المالية وتخرجنا من مرحلة المراهقة السياسية التي عشناها على مدى الأشهر الماضية والتي تجسدت بالتراشق والاستعراض الإعلامي والبطولات القتالية العنترية وكيل الاتهامات بين الأطراف الفلسطينية، وتستطيع أن تقف هذه الحكومة في وجه الحصار الدولي المالي الجائر وتحسم الصراع بين المؤسسات السياسية الفلسطينية بشقيها الرئاسي والحكومي في التنازع على الصلاحيات وتخرجنا من حالة الفراغ القيادي الحالي بعد أن شكلا أرضية خصبة للإعلام المحلي والدولي على مدى الثمانية أشهر الماضية، وقدما مادة قيمة للاستهلاك الإعلامي سال إليها لعاب الإعلام المحلي والدولي للتسابق على إظهار التصريحات والأقوال المأثورة من الطرفين وتقديمها وجبة دسمة للمشاهد في كافة أرجاء المعمورة.

هذه الأحداث الدرامية التي شكلت منعطفاً خطيراً والمحطة الأكثر تهديداً للوجود الفلسطيني انعكست سلباً على القضية الفلسطينية فأفقدتها بعدها السياسي وعمقها القومي والوطني وحولتها إلى قضية إنسانية وقضية شعب جائع متسول بعد أن كان هذا الشعب رمزاً في البطولة والنضال وعنواناً للهوية والانتماء.

فحين بدأت الترتيبات النهائية الفلسطينية للإعلان عن حكومة الوحدة الوطنية التي انتظرها المواطن الفلسطيني بفارغ الصبر، تعسرت الجهود من جديد فبقيت لحظات الفرح الفلسطيني مسروقة فما أن تنفسنا الصعداء قليلاً، حتى عادت مظاهر الاحتجاج من جديد إلى الشارع الفلسطيني تجسدها الإضرابات والمسيرات والمظاهرات والتي خرجت في الآونة الأخيرة عن المألوف فأصبحنا نشهد مظاهرات ومسيرات عسكرية والتي أرى أنها من الأجدر أن تنظم وتوجه إلى المسؤول عن حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه وعاقبه على خيارة الديمقراطي ورغبة الشعب في التغيير والإصلاح ووظف قضية الرواتب لإذلال هذا الشعب والنيل من عزيمته وصموده وأن تتم أمام المنظمات والممثليات الدبلوماسية لإطلاع هذه المؤسسات على حال الشعب الفلسطيني وليس بالعمل على شل كافة مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعلى رأسها التعليمية، فعلي مراحل القضية والفلسطينية بكافة المحطات التي شهدتها كان التعليم خطاً احمر فما الذي يحدث الآن؟

وإلى متى سنبقى أسرى للشعارات الرنانة والطنانة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع في وقت نحن بأمس الحاجة إلى رص الصفوف وتفعيل الحوار الوطني على كافة المستويات من أجل صياغة وبلورة رؤية وطنية موحدة وإرساء دعائم الوحدة الوطنية والإجماع على برنامج وطني يحدد أهداف المرحلة القادمة وضخ دماء نقية في عروق القضية الفلسطينية والعمل على تحديد خطة إصلاح لتعزيز مستويات الصمود الوطني وتعزيز التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية وتوحيد لون الدم الفلسطيني ليبقى أحمر يروي تاريخ شهدائنا وجرحانا الذين رحلوا وهم يتشبثون بتراب هذا الوطن الطاهر؟

* ناشطة اجتماعية من فلسطين

 

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات