ما الذي يعنينا في اتجاه إسرائيل أكثر إلى اليمين؟

كنا نشرنا في الأهرام مقالاً بتاريخ 30/9 الماضي نبهنا فيه إلى ضرورة متابعة المتغيرات التي تطرأ على الوضع الإسرائيلي الداخلي، وخاصة الحراك الذي يجري هناك باتجاه تعديل النظام السياسي، وبعد أسبوع واحد فقط، أجري الإعلان في “إسرائيل” عن لقاء مثير للجدل جمع ما بين إيهود أولمرت رئيس الوزراء وزعيم حزب كاديما وأفيجدور ليبرمان أو ايفيت كما يحب أن يلقبوه هناك وهو زعيم حزب “إسرائيل” بيتنا (11 مقعداً في الكنيست وتعطيه استطلاعات الرأي 9 مقاعد إضافية أخرى) والذي يمثل قطاعاً واسعاً من اليهود المهاجرين من أصل روسي وهو يعد من أحد أبرز أقطاب معسكر اليمين الصهيوني في “إسرائيل”.
وقد اعتبر هذا اللقاء – لايزال – الحدث الأبرز على الساحة الداخلية في “إسرائيل”، لأن ما جمع بين القطبين هو الاتفاق على ضرورة تغيير النظام السياسي في “إسرائيل” إلى النظام الرئاسي، وتسربت بعدها الأنباء عن خطط لتعديلات أخرى واسعة في النظام السياسي في “إسرائيل” تشتمل على توسيع عدد أعضاء الكنيست من 120 إلى 180 عضواً، ورفع نسبة الحسم للحد من نفوذ وابتزاز الأحزاب الصغيرة، وتعديل النظام الانتخابي بالقائمة النسبية الذي كان يعتبر “إسرائيل” كلها بمثابة دائرة واحدة يصوت فيها الناخب لصالح القوائم الحزبية وليس لصالح الأفراد المتنافسين في دوائر انتخابية.
وإذا كان من المبكر الحديث عن تحويل هذا الاتفاق السياسي إلى واقع عملي وشيك، فإن الاجتماع المثير بين أولمرت وليبرمان فتح الباب على مصراعيه لإحداث تغيير كبير وعميق في خريطة الائتلاف الوزاري الحاكم في “إسرائيل”. لأن أولمرت الذي اهتزت مكانته بشدة وتظهر نتائج استطلاعات الرأي انخفاض عدد مقاعد حزبه كاديما من 29 مقعداً إلى 15 مقعداً فقط إذا جرت الانتخابات الآن، يسعى بكل قوة لتحصين حكومته من الانهيار بتوسيعها، وضم أحزاب أخرى لها حتى ولو كانت هذه الأحزاب من معسكر اليمين، ويعتبر حزب “إسرائيل بيتنا، وحزب يهدوت هتوراه من أقوى الأحزاب المرشحة للمشاركة في حكومة أولمرت المعدلة.
وإذا نجح أولمرت في مساعيه هذه، ومن دون أن يدفع شريكه في الائتلاف حزب العمل إلى خارج هذه الحكومة، فإن هذا سيعني أن يرأس أولمرت حكومة جديدة تحظى بدعم 84 نائباً من أصل 120 نائباً في الكنيست، وهي حكومة كبيرة بالمقارنة مع الائتلاف الحاكم الآن في “إسرائيل” الذي يدعمه 67 نائباً فقط ((29 من كاديما) 19 من العمل، 10 من شاس، و7 من حزب المتقاعدين، أما إذا أصر حزب العمل على الانسحاب من الحكومة احتجاجاً على ضم ليبرمان لها فإن حكومة أولمرت في هذه الحالة ستحظى بدعم 65 نائباً فقط (كاديما وشاس، وإسرائيل بيتنا والمتقاعدين ويهدوت هتوراه).
وهكذا تبدو “إسرائيل” منشغلة تماماً بحساباتها الداخلية والحزبية وبمتابعة الملاسنات الفظة التي تجري سجالاً بين زعماء الكتل السياسية، هناك، وخاصة بين ليبرمان وعمير بيرتس زعيم حزب العمل ووزير الدفاع الحالي.
ولم تقتصر هذه الجلبة الصاخبة فقط على الأحزاب المشاركة في الحكومة أو المرشحة للانضمام إليها بل تجاوزتها إلى أحزاب أخرى من المعارضة، وخاصة حزب الليكود الذي يقود المعارضة، والذي بدأ يشعر بالانتعاش السياسي بعد أن كان مني بهزيمة كبرى في الانتخابات الأخيرة هبطت بمقاعده من 38 مقعداً إلى 12 مقعداً فقط.
وربما لهذا كله نظر نتنياهو بكل الريبة إلى اجتماع أولمرت ليبرمان ليس فقط لأن ذلك يعرض معسكر أحزاب اليمين لخطر التصدع والانشقاق، ولكن أيضاً لأن ليبرمان كان يوصف دائماً بأنه صنيعة نتنياهو وربيبته وهو الآن يخرج عن طاعته ويعلن تحالفه مع خصمه اللدود أولمرت.
ولم يكتف أولمرت بهذه المناورة ولكنه سعى أيضاً لعقد صفقة أخرى مع سلفان شالوم وزير الخارجية السابق والرجل الثاني في الليكود من خلف ظهر نتنياهو.
هذا المشهد العاصف للوضع الإسرائيلي الداخلي يتزامن مع هبوب رياح الخريف التي تحمل هذا المشهد برمته إلى عتبات معترك الدورة الشتوية القادمة للكنيست، والتي يتوقع لها الجميع أن تكون دورة ساخنة للغاية بل وحتى ملتهبة أو مشتعلة وحتى لا نتوه في منمنمات هذه الصورة أو نغرق في حواشي تفاصيلها، فإنه يمكننا تلخيص المشهد الداخلي الراهن في “إسرائيل” على النحو الموجز التالي:
1 – إن “إسرائيل” تشهد منذ عقد الثمانينيات سلسلة متصلة ومتعاظمة من التغييرات العميقة غير المسبوقة والتي تمس حتى بالأسس والأصول الأيديولوجية للصهيونية، وتكاد تعصف بمختلف المناحي والأنشطة الحياتية في المجتمع الإسرائيلي.
2 – إن الدعوة التي تبرز الآن لتغيير النظام السياسي، وبحث إقرار دستور دائم ل”إسرائيل” هي بالتأكيد تغيير آخر عن التفاعلات العميقة للازمة الداخلية في “إسرائيل”.
3 – إننا قد لا نشهد، على الأقل قبل انصرام هذا العام، ولادة هذا النظام السياسي الجديد في “إسرائيل” لكن هذا الموضوع حتى ولو تعرقل الآن ولبعض الوقت أيضاً، فإنه مع ذلك لن يعود مرة أخرى إلى ملفات الحفظ في الأرشيف، إذ ثمة حاجة موضوعية هناك تفرض بقاء هذا الموضوع على رأس قائمة الأجندة السياسية الإسرائيلية.
4 – إن ما نتوقع ولادته، في المدى المنظور، هو إجراء تحرير واسع في الائتلاف الحكومي، وتعديل في ترتيب موازين القوى السياسية القائمة، وإجراء تغيير في الوجهة والاتجاه، وإذا لم يحدث كل هذا، وإذا انسدت قنوات هذا التغيير، فلا مفر وقتها من العودة في “إسرائيل” إلى الخيار الأخير لإجراء انتخابات مبكرة جديدة. وإذا ما تم ذلك كما هو مرجح، فإن هذا يضيف برهاناً جديداً على تفاقم أزمة الاستقرار السياسي هناك (انتخابات مبكرة من 93 وحتى الآن)، وهو ما قد يعجل أيضاً بالحركة الداعية إلى إجراء تعديل أساسي وعميق في النظام السياسي في “إسرائيل”.
وعدا عن أهمية متابعة ومعرفة كل ما يجري داخل “إسرائيل” الآن، فان السؤال الأكثر أهمية هو: وماذا يعنينا نحن من كل ذلك؟
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال، علي نحو مكثف في النقاط التالية:
1 – إنه من الضروري لنا أن نلحظ أن “إسرائيل” تتجه أكثر إلى اليمين، وهذا ليس مجرد افتراض، لكنه رصد مبني على وقائع سياسية محددة.
2 – إن الميل المتزايد في “إسرائيل” إلى جهة اليمين السياسي يأتي متوافقاً مع التداعيات التي خلفتها الحرب في لبنان، وأيضاً بالتزامن مع الإحساس الغامر بتعاظم مخاطر الخيار النووي الإيراني، خاصة في ضوء حالة كوريا الشمالية.
3 – إن التوجه الإسرائيلي أكثر لجهة اليمين يأتي في لحظة تاريخية حرجة للغاية، لأن الائتلاف الحكومي الجديد قد يدفع عملية التسوية السياسية إلى المزيد من التجميد، أو أنه يأتي بالذات لقطع الطريق على المساعي الإقليمية والدولية لإيجاد مخارج من المأزق الذي تعانيه جهود التسوية وإحلال السلام.
4 – إن علينا أن نستعد أيضاً ليس فقط لاستقبال الائتلاف الحكومي الجديد بزعامة أولمرت، وإنما أيضاً لاحتمال عودة الليكود إلى رئاسة الحكومة بعد قرار نتنياهو الأخير بالخروج من خنادق المعارضة والتأهب للعودة إلى الحكم.
5 – إنه رغم كل وجاهة النقاط المتقدمة في هذا العرض فإننا مع ذلك يجب أن نفتح الأفق امام طريقة أخرى إبداعية في التفكير، لا تستبعد نهائياً رؤية الجانب الإيجابي الذي قد يضمره تشكيل حكومة يمينية جديدة في “إسرائيل” حتى لو كانت بزعامة نتنياهو، ليس فقط لأن مناحم بيجين الممثل الأنقى لمعسكر اليمين الصهيوني كان هو من وقع على اتفاق الواي بلانتيشن مع عرفات، وأن شارون هو من فك ارتباطه وانسحب من غزة. ولكن بالأساس لأن عملية صنع السلام تستوجب وجود حكومات قوية وقادة تاريخيين لاتهتز فرائصهم أمام صدمة القرارات الصعبة وزلزال الخيارات المصيرية الكبرى، وقد تكفينا في هذا المجال نظرة خاطفة إلي أزمة ضعف الإدارات الحاكمة الثلاث في الولايات المتحدة، وفي “إسرائيل” وفلسطين، لندرك أن أحد أسباب أزمة التسوية هي ضعف هذه الإدارات وضعف زعمائها.
والمشكلة بالنسبة لنا إذن ليست في من سيقف غداً على رأس الحكومة الإسرائيلية القادمة أولمرت أم نتنياهو أو حتى ليبرمان، المشكلة كانت دائماً فيمن يجلس منا على الطرف الآخر، على المتراس، أو على الطاولة.. وهذا أكثر ما يجب أن يعنينا في الأمر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مجزرة دامية .. استشهاد 10 مواطنين بقصف الاحتلال خيام النازحين في مواصي خان يونس
خانيونس - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني - اليوم الأحد- مجزرة دموية بعدما استهدفت خيام النازحين في منطقة العطار في مواصي خان...

الداخلية بغزة تعيد تشكيل القوة التنفيذية لتأمين الجبهة الداخلية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية، اليوم الأحد، أن وزارة الداخلية في قطاع غزة تعيد تشكيل القوة التنفيذية على غرار القوة التي تأسست عام...

صاروخ يمني يستهدف مطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الإسرائيليين بجروح - اليوم الأحد- بعد سقوط صاروخ يمني على مطار بن غوريون وفشل منظومات الاحتلال في اعتراضه....

الإعلام الحكومي يحذر: 3500 طفل بغزة على وشك الموت جوعًا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد المكتب الإعلامي الحكومي تحذيره من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، بفعل استمرار جريمة إغلاق المعابر وتشديد الحصار...

عدوان أميركي واسع على محافظات صعدة والحديدة ومأرب اليمنية
المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات أميركية حربية، فجر اليوم الأحد، 26 غارة على اليمن استهدفت محافظات صعدة والحديدة ومأرب. وأفادت وسائل إعلام يمنية...

الاحتلال يقر بمقتل وإصابة جنود في رفح ويسعى لتوسيع عملياته في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ضابط وجندي وإصابة أربعة آخرين من وحدة النخبة التابعة لسلاح الهندسة إثر تفجير نفق في رفح...

قطر ترفض تصريحات نتنياهو: تحريضية وغير مسؤولة
الدوحة - المركز الفلسطيني للإعلام عبرت دولة قطر عن رفضها لاتهامات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووصفت تصريحاته بأنها تحريضية وغير...