الجمعة 28/يونيو/2024

غوانتانامو فلسطيني

غوانتانامو فلسطيني
  صحيفة البيان الإماراتية 18/10/2006
 

فاجأنا، بل فجعنا خبر، بأن رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن سيحصل على التمويل، لإقامة معسكر تدريب لرجاله، يعده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة، و”إسرائيل” بصمت في مدينة أريحا في الضفة الغربية، لتدريب قوات تابعة لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس.

بموافقة الرئيس، الغريبة والعجيبة، لبقاء قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، بحجة حماية السلطة، من خطر الإرهاب الإسلامي الداخلي، لا بحجة الكازينوهات الموجودة هناك.

الأمر العجيب أن الوفاء لا يقدم إلا إلى الدول التي تصف الشعب الفلسطيني بالإرهاب. والتخلي عن المقاومة المشروعة إما خجلاً أو استحياء أو وقاحة وعلناً وعليه يجب تقديم الشكر والوفاء لها عبر الزيارات وموائد العشاء وتقبيل الأيادي.

وبقدر مجافاة هذه الدعوة لمبادئ استقلال الدولة الفلسطينية. إن كان هناك دولة، ولمعاني الحرية والسيادة الوطنية، انسياقا تاماً مع مشروع الإدارة الأميركية القائم على القضاء على الحركات الوطنية، وتقسيمها في الداخل و الخارج. بقدر إقامة معسكر استخباراتي، وتثبيت الوجود الأميركي الدائم في فلسطين، حفاظاً على المصالح الإستراتيجية للكيان الصهيوني، وحصار الولايات المتحدة و”إسرائيل” للنفوذ الإسلامي في المنطقة.

وقد أطلق زعماء السلطة الطلقة الحية الأولى في المشروع الأميركي، تثبيتاً لأسسه على أرض الواقع، وتأكيداً لما سبق أن أعلنته واشنطن عن نيتها المؤكدة، في إقامة معسكر من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حمالة الحطب رايس، قد انطلقت في حشد الأصدقاء وتجنيد الحلفاء، لدعم هذا المشروع الغوانتانامي الجديد، بالضغط والإكراه، أو بالجذب والإغواء.

إن جولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في المنطقة، من أجل إقامة معسكر غوانتانامو ثان في فلسطين، لا بد أن يندرج في إطار جهد المحافظين الجدد لتمهيد الطريق أمام هذا المشروع. ووضع أسس تنفيذه، حتى إن قيل، إن الهدف هو تهيئة مناخ السلام في المنطقة، وردع الإرهابيين المسلمين في فلسطين الذين انتخبوا من أغلبية الشعب الفلسطيني. إذ كيف يناقشون في إحياء أي عملية للسلام، وأطراف العملية الرئيسيين غير حاضرين.

وإذ كان من الحق الشك حتى النخاع في الأهداف الخفية للأجندة الأميركية بمشروعها الجديد، فإن من واجب السلطة الفلسطينية، أن تتشكك أكثر، لأنها مسؤولة عن حماية أمنها الوطني وأمن الشعب الفلسطيني. تحالف البعض مع الإدارة الأميركية، لذرائع وأسباب مختلفة، في إضاعة الاستقلال وفي تلويث سمعة العزة والكرامة الوطنية، والهوية والانتماء القومي والوطني الفلسطيني، وسط ضجيج عولمة الإرهاب وفحيح الاندماج في الحضارة الغربية الحديثة بكل ملوثاتها الدموية، والتخلي عن أهم ثوابت العمل، الذي ثار من أجله الشعب الفلسطيني وانتفض زعماؤنا الوطنيون واستشهد آلاف الشهداء من أجله.

اليوم يُستدعى الغريب لحماية الوطن، في ظل دعوات بعضهم، تقول: للأجيال الجديدة، إن هذه التحالفات استثمار، وإن (الخيانة) وجهة نظر، وإن «إسرائيل» صديق تحالفات أوسلو المؤتمن، وأن نوم الخراف مع الذئاب في حظيرة واحدة حماية.. لنا.

وإذا كان الكيان الصهيوني قد استطاع ويستطيع اقتناص اتفاقيات أوسلو وغيرها، وعلاقات خاصة بها، من جانب البعض، مستفيداً من دعم المحافظين الجدد، فإنه يدرك جيداً أن هذه الاتفاقيات واللقاءات العلنية والسرية غير قابلة للتسويق في الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج.

ولا يستطيع أي رئيس أن ينتزع لها اعترافاً نفسياً ووجدانياً وسياسياً في فلسطين، ولهذا فهي تصرّ على التطبيع في المجالات المختلفة، لرهبتها من الذاكرة المجتمعية والرموز والمقدسات الإسلامية والمسيحية، والخلفية الثقافية – الحضارية والتاريخية للمجتمع الفلسطيني، التي تتفجر بالغضب والتأييد الثابت للمقاومة الفلسطينية الباسلة.

إن الطريق الذي تسلكه فتح هو طريق الخسارة المحتومة المزدوجة، لأن التاريخ حين يكرر تجربة مرتين تكون الأولى تراجيديا وتكون الثانية كوميديا. من يريد أن يعرف الأمور على حقيقتها، لن يتعذب كثيراً في إيجادها وهي واضحة للجميع، والشعب في فلسطين ليس هو رئيس السلطة.

باتت الأمور على مفترق الطرق، إما وطنية وعروبة خالصة أو تبعية وخيانة وصهيوأميركية معلنة. وما أفرزته عملية أسر الجندي الإسرائيلي من نتائج وأهداف، يعطي الجواب لذلك، والمسألة مسألة وقت، والأيام المقبلة كفيلة بأن تعطينا الجواب.

إستراتيجية المقاومة بمفهومها الواسع والشامل هي الإستراتيجية الملائمة لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني وهي الدرس الوحيد القابل للتطبيق والتكرار على مدى التاريخ، ولدى الشعوب والمجتمعات كلها، ولاسيما في ظل اختلال توازن القوى عسكرياً وتقنياً وإقليمياً ودولياً.

وطبيعي أن استراتيجية المقاومة، كما هي عند حزب الله في لبنان، يجب أن تشمل ثقافة المقاومة، وتربيتها، وإعلامها، وفلسفتها، واقتصادها، وتحالفات المقاومة الفلسطينية،، ووضع الأسس الكفيلة لنجاح هذه الإستراتيجية العميقة والطويلة والمتكاملة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات