الإثنين 12/مايو/2025

هكذا تكلم رئيس الوزراء الفلسطيني

هكذا تكلم رئيس الوزراء الفلسطيني

 

صحيفة الخليج الإماراتية 17/10/2006

على الهاتف قال لي رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أصبح أكثر صعوبة بعد فشل العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، حيث جاء الرد أمريكياً في فلسطين، و تمثل في إشهار “الفيتو” ضد الحكومة المنشودة، متضمناً اصراراً على إفشال محاولات تشكيلها. وإذ استغربت ما سمعت، فقد أجَّلت ما أعددته من أسئلة، ورجوته أن يشرح ملابسات هذا التطور، وعند ذاك روى القصة على النحو التالي:

(1)

حتى نصف ساعة قبل سفرة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى عمان في طريقه إلى الولايات المتحدة (يوم 18/9)، كان التفاؤل كبيراً بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي تشترك فيها كافة الفصائل الفلسطينية. كان الحوار قد قطع شوطاً بعيداً، تم خلاله تجاوز عقبات وخلافات كثيرة، خصوصاً بين حركتي حماس وفتح. وهذا الشوط البعيد تم إنجازه بعد الاتفاق على إطار ومضمون البرنامج السياسي للحكومة، وهو البرنامج الذي استند في مرجعيته إلى وثيقة الأسرى التي أعلنت في شهر مايو/أيار الماضي، وتمسك بها الرئيس أبو مازن وقتذاك، إلى الحد الذي دفعه إلى مطالبة “حماس” بالموافقة عليها خلال أجل معين، وهدد باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي عليها إذا ما رفضتها الحركة. تجاوبت حماس مع مطلب أبو مازن، وأجرت حواراً داخلياً بين قياداتها في الداخل والخارج وفي السجون وحواراً موازياً مع الفصائل الأخرى، خصوصاً قيادات فتح المستعدة للتفاهم. وخلال ثلاثة أسابيع تم التوافق بين الجميع على برنامج من 18 بنداً تم استخلاصه من وثيقة الأسرى، أطلق عليه منذ ذلك الحين اسم “وثيقة الوفاق الوطني”.

أضاف الأستاذ أبو العبد (هذه كُنيته التي ينادى بها في مخيم “الشاطئ” الذي لا يزال يعيش فيه، وهي مشتقة من اسم ابنه البكر عبد السلام) أن الذي لا يلحظه كثيرون، ويتجاهله البعض، أن حماس مارست مرونة شديدة خلال تلك الحوارات، الأمر الذي حقق لها أمرين، أولهما أنها طورت رؤيتها السياسية لبعض المواقف، وثانيهما أن تلك المرونة ساعدتها على التلاقي مع الآخرين، ومن ثم التوصل إلى وثيقة الوفاق.

استأذنت في مقاطعته وقلت: الأمر الثاني فهمناه، لكن الأول يحتاج إلى شرح: كيف طورت حماس رؤيتها؟

قال: من خلال الممارسة وجدنا أننا لا نستطيع أن نقترب من الفصائل الأخرى في الساحة الفلسطينية من خلال صياغات ومصطلحات تحقق التلاقي المنشود بما لا يتعارض مع استراتيجية الحركة ومبادئها. آية ذلك مثلاً أننا نتحدث الآن عن “احترام” الشرعية الدولية والاتفاقات التي عقدتها المنظمة والسلطة، وعن إقامة الدولة على الأراضي المحتلة منذ عام 67، ولا نشترط سوى ألا يؤدي ذلك إلى الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني، والذين يتابعون “حماس” يدركون أكثر من غيرهم أن هذه اللغة تمثل تطوراً مهماً في خطاب الحركة.

قلت: كيف تعاملتم مع المبادرة العربية التي أطلقتها قمة بيروت؟

قال: يجب أن تلاحظ أولاً أن المبادرة تقود إلى الاعتراف ب “إسرائيل”، وثانياً أن “إسرائيل” رفضتها والولايات المتحدة استخفت بها، أما الاتحاد الأوروبي فلم يعد مكترثاً بها. مع ذلك، فلأن موقفنا الأساسي ملتزم برفض الاعتراف ب “إسرائيل” التي مازالت تحتل أرضنا، ولا نعرف لها حدوداً، ولأننا لا نريد أن نصطدم مع أي جهد عربي آخر، فإننا فضلنا استخدام مصطلح “الشرعية العربية” الذي تحدثت عنه وثيقة الأسرى. إذ قبلنا به معلقاً على الشرط الأساسي المتمثل في عدم التعارض مع المصالح الفلسطينية. وهذا المصطلح يتسع لموقفينا، بحيث تأخذ منه رئاسة السلطة والأشقاء العرب ما يريدون، في حين يسمح لنا بأن نتعاطى معه من دون أن نتنازل عن موقفنا الأساسي.

(2)

بعد “فاصل” المقاطعة، واصل إسماعيل هنية روايته لما جرى قبل وبعد سفر أبو مازن إلى نيويورك قائلاً: إن التوصل إلى وثيقة الوفاق التي جمعت الفرقاء على برنامج سياسي واحد، فتح الباب واسعاً للانتقال إلى طور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. داخل لجنة المتابعة الوطنية، نوقشت ضوابط ومحددات الحكومة الجديدة. وبعد التوصل إلى اتفاق حول الضوابط والمحددات، قامت قيادة حماس في غزة بعرضها على بقية القيادات في الضفة والسجون وفي الخارج، فأقرته وسجلت عليه ثلاث ملاحظات، حملها أبو العبد إلى الرئيس أبو مازن قبل سفره بنصف ساعة. وفي اجتماع معه حضره الدكتور زياد أبو عمرو عضو في المجلس التشريعي؛ أخبره رئيس الوزراء بأن حماس ملتزمة بالاتفاق على المحددات، ولكن لقياداتها عليها الملاحظة التالية: إنها تتحفظ على بند إعادة تشكيل لجنة المفاوضات مع “إسرائيل”، وقد وافق أبو مازن على استبعاده. وإن المحددات لم تتحدث عن مشروعية المقاومة، في حين أشارت فقط إلى “النضال”، وتم تجاوز هذا التحفظ حين اقترح الدكتور زياد أبو عمرو أن يشير إسماعيل هنية إلى المقاومة في خطاب برنامج الحكومة الجديدة. التحفظ الثالث انصب على ذكر الموافقة على المبادرة العربية، وهو ما يتجاوز الإطار الذي وضعته وثيقة الوفاق الوطني، التي تحدثت فقط عن الشرعية العربية.

كان رد أبو مازن على الملاحظة الأخيرة أن ذلك البند من الصعب تعديله. ولضيق الوقت فإنه اتفق على أن يظل باب مناقشته مفتوحاً، إلى أن يعود الرئيس الفلسطيني من نيويورك. وبناء على ذلك فقد تم تأجيل إجراءات تشكيل الحكومة حتى يتم الاتفاق حول هذه النقطة.

بعد سفر أبو مازن حدثت مفاجأتان، الأولى أن بعض قيادات فتح سارعوا إلى إبلاغ وسائل الإعلام بأن مشاورات تشكيل الحكومة جمدت، وادعوا أن حماس تراجعت عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه. وكانت تلك التصريحات مفتقدة إلى البراءة وحسن النية، لأن من تراجع حقاً هو من أراد أن يضع مصطلح المبادرة بديلاً عن الشرعية العربية بالمخالفة لما اتفق عليه في وثيقة الوفاق.

المفاجأة الثانية كانت بمثابة صدمة فاجأت الجميع، بمن فيهم بعض عناصر فتح ذاتها. ذلك أن الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الأمم المتحدة (يوم 21/9) أعلن أن أية حكومة فلسطينية قادمة سوف تعترف ب “إسرائيل”. وهو الأمر الذي لم تتطرق إليه لا وثيقة الأسرى ولا وثيقة الوفاق الوطني، ولا محددات تشكيل الحكومة الجديدة التي تم الاتفاق عليها قبل سفر الرئيس.

للعلم: ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” الصادة في (10/10) الحالي أن أحد أجنحة “كتائب شهداء الأقصى”، الذراع العسكرية لحركة فتح وزع بياناً اتهم فيه القيادات الداعية للاعتراف ب “إسرائيل” بالخيانة والتآمر على الشعب الفلسطيني.

(3)

ما سر هذا التحول؟

في رده على السؤال قال إسماعيل هنية إن وراءه عاملين رئيسيين، أولهما أن بين قيادات فتح من لا يريد أي اتفاق مع حماس، وثانيهما ما نشرته وسائل الإعلام العالمية و”الإسرائيلية” عن وصول مبعوث أمريكي خاص إلى المنطقة قبل سفر أبو مازن إلى نيويورك، وتنقله بين بعض دولها التي كانت “إسرائيل” من بينها. وفي الاجتماعات التي عقدها، كانت الرسالة التي نقلت إلى الجميع خاصة بالشأن الفلسطيني في تلك الاجتماعات تتضمن ثلاثة مطالب أساسية، أولها وقف خطوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وثانيها صرف النظر عن وثيقة الوفاق الوطني، وثالثها ضرورة التزام أي تعامل مع ملف الأزمة الفلسطينية بقرار الرباعية الدولية الداعي إلى ضرورة الاعتراف ب “إسرائيل” ووقف المقاومة تحت مسمى “نبذ العنف” والاعتراف بالاتفاقات التي أبرمتها السلطة في السابق.

إزاء ذلك، فلا تفسير لهذا النكوص في موقف رئيس السلطة سوى أنه من قبيل الانحياز إلى رأي خصوم حماس، والاستجابة للضغوط الأمريكية، التي مورست محاطة بوعود لوحت بإغراءات استئناف المساعدات المالية، وإحياء مسيرة السلام، وإعادة الحديث عن خريطة الطريق، وغير ذلك من الوعود البراقة التي أطلقت باعتبارها مكافأة لرئاسة السلطة، إذا ما نجحت عملية إقصاء حركة حماس وإخراجها من الحكم. وهو الإقصاء الذي التقت عليه الحسابات الأمريكية مع المصالح “الإسرائيلية” مع تطلعات قيادات فتح المذكورة، سواء التي ارتبطت بتلك الحسابات والمصالح أو التي أدمنت احتكار السلطة واعتبرتها وقفاً عليها لا يحل لغيرها.

سألت إسماعيل هنية: هل هذا تطور جديد في الموقف الأمريكي والمعسكر المحيط به؟ قال: هو تطور في الدرجة وليس في النوع. فالولايات المتحدة هي التي قادت حملة حصار الفلسطينيين ومعاقبتهم على التصويت لحماس، من خلال وقف المساعدات المالية ومقاطعة الحكومة بالكامل. وأرادت واشنطن بالتعاون مع “إسرائيل” وبتأييد وتشجيع بعض العناصر النافذة في الداخل إسقاط الحكومة من خلال الحصار والتجويع. وهذه المساعي تحولت إلى مطلب صريح بتأثير عاملين هما: صمود الحكومة والمجتمع الفلسطيني لستة أشهر، في حين إنهم راهنوا على إسقاطها خلال شهرين أو ثلاثة. العامل الثاني تمثل في فشل مخطط العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، وخروج حزب الله مرفوع الرأس من المعركة. وهو ما أزعج الأطراف الأخرى للغاية، التي لم تحتمل نجاحاً لحزب الله هناك، ولم تتصور إمكانية نجاح حركة حماس في تشكيل الوحدة الوطنية، الأمر الذي يثبت أقدامها ويطيل من عمرها. وهو ما يكرس الانطباع عن فشل سياسة الإدارة الأمريكية، التي تلاحقها الخيبة في العراق وأفغانستان. وتلك فضيحة تريد الإدارة الأمريكية سترها بأي إنجاز يحسن صورتها، قبل إجراء الانتخابات التشريعية خلال أسابيع قليلة.

أضاف أبو العبد قائلاً إن الذين اعتبروا وثيقة الأسرى يوماً ما طوق النجاة من المأزق، وعبأوا الساحة الفلسطينية لمصلحتها وهددوا باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لتمريرها، هؤلاء تجاهلوها بعدما أيدتها حماس واستخلصت منها بالتوافق مع الآخرين برنامجاً للوفاق الوطني، وكأنها طرحت فقط كمناورة لاختبار حماس ومحاولة إرباكها. وللتستر على الفيتو الأمريكي في مواجهة الرأي العام الفلسطيني فإنهم أصبحوا يتعللون الآن بأنهم لم يستطيعوا تسويقها دولياً لفك الحصار، وصاروا يخوفون الناس منها بدعوى أن تفعيلها من شأنه أن يعرض القطاع لاجتياح “إسرائيلي” مدمر مماثل للعدوان الذي وقع على لبنان.

(4)

ما هي المخارج المطروحة للأزمة؟

حين ألقيت السؤال على مسامع إسماعيل هنية فإنه رد بسرعة قائلاً: إن الإجابة متوقفة على ما إذا كنا نسعى لإقامة حكومة يريدها الشعب الفلسطيني أم حكومة تريدها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وإذا ما وقع الاختيار على الثانية، فلا مجال لمناقشة الموضوع. وليتحمل كل طرف مسؤولية اختياره والنتائج المترتبة عليه. أما إذا أردنا حكومة تمثل الشعب الفلسطيني، فإن الصيغة التي توصلنا إليها بخصوص برنامج الوحدة الوطنية، تمثل اسلم الخيارات وأنجحها للخروج من الأزمة.

س: ما رأيك في ما يتردد عن تشكيل حكومة طوارئ أو تكنوقراط، أو بديل إجراء انتخابات مبكرة؟

ج: أي حكومة أخرى تكلف في الوقت الراهن سيكون عمرها قصيراً، لأنها ستحتاج إلى تأييد المجلس التشريعي، الذي تتمتع حماس بالأغلبية فيه. ولذلك سيصبح سقوطها مؤكداً. لأنها لن تنال ثقة المجلس. أما إجراء

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات