الإثنين 12/مايو/2025

رايس تدفن مشروع الشرق الأوسط الكبير

رايس تدفن مشروع الشرق الأوسط الكبير
الخليج الإماراتية 13/10/2006
 
 
في تحليله لزيارة رايس الأخيرة إلى منطقتنا قال المحلل السياسي في “معاريف” دان مرغليت إن الزيارة الأولى لوزيرة الخارجية الأمريكية إلى الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب “الإسرائيلية” على لبنان ليست عبارة عن جولة تكتيكية جديدة. فهي من الناحية الاستراتيجية ومن زاوية الأهداف التي تتوخاها لا يوجد مثيل لها منذ الزيارة المشهورة للوزير جون فوستر دالاس في خمسينات القرن الماضي. واذ اشار مرغليت إلى أن الذين سبقوها كانوا يحاولون إقامة اطواق حماية في وجه الاتحاد السوفييتي، لفت إلى أنها بدورها الآن جاءت لإنشاء وتطوير علاقات وتحالفات مع عدد من دول المنطقة المعتدلة ضد التهديد الإيراني.

محللون كثيرون آخرون رأوا في هذه الزيارة، وبقدر كبير من المبالغة، فعلا استراتيجيا يهدف إلى أحداث تغيير جوهري في المشهد الاستراتيجي الشرق أوسطي. ومنهم من قارنها بجولة هنري كيسنجر المكوكية غداة حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

ولكن طالما أن الظروف في العالم وفي الشرق الأوسط تحديدا تختلف عما كانت عليه في الخمسينات أو السبعينات من القرن المنصرم فإن الحقيقة الموضوعية تقتضي أن لا تتعدى المقارنة، إذا كان ثمة من ضرورة لاجراء المقارنات، مع زيارة كولن باول إلى المنطقة في مارس/آذار 2001 غداة وصول بوش الابن إلى البيت الابيض. وقتها جاء وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة لتسويق ضربة أمريكية ضد العراق وليقنع الزعماء العرب “المعتدلين” بالخطر الذي يمثله نظام صدام حسين على الاستقرار في المنطقة وبالتالي بضرورة التصدي له. لكنه، في ما خلا المجاملات والكلام الدبلوماسي، سمع من هؤلاء الزعماء كلاماً مفاده أن الخطر الحقيقي على الاستقرار في المنطقة هو الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية وهو بقاء المشكلة الفلسطينية من دون حل عادل ودائم.

كوندوليزا رايس سمعت الكلام نفسه من كل الزعماء العرب الذين التقتهم. ولا يغرنك كل هذه الابتسامات أمام عدسات المصورين وكل الكلام المعسول والوعود بمستقبل أفضل لشعوب المنطقة. هذه الشعوب التي بات لسان حالها يقول: ربنا نجنا مما يضمر لنا الأمريكيون وربيبتهم “إسرائيل”.

الحلف الذي سعت إلى تشكيله وزيرة الخارجية الأمريكية هو حلف “المعتدلين” ضد “المتطرفين”. وبمجرد أن تعود مفردة “المعتدلين” إلى الرواج في قاموس الدبلوماسية الأمريكية فإن ذلك يعني شكلاً من أشكال العودة إلى لغة الحرب الباردة مع الفرق أن المقصود وقتها كان الأنظمة العربية غير المنضوية في الفلك السوفييتي بمعزل عما إذا كانت تنهج الديمقراطية ام الاستبداد في تعاملها مع شعوبها. وقد اعترفت الدكتورة رايس بذلك علانية في محاضرتها الشهيرة في جامعة القاهرة في 20 تموز/يوليو من العام الماضي عندما قالت: “سعت بلادي، الولايات المتحدة، على مدى ستين عاماً إلى الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة، هنا في الشرق الأوسط، ولم يتحقق أي منهما. الآن نحن نتخذ خطاً مختلفاً. نحن ندعم التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب”. وقتها أغضبت “الحلفاء” التقليديين من العرب الذين اعتبروا انها توجه الانتقادات لهم ومنهم من اعتبر كلامها تهديدا ضمنيا له. وكلامها هذا لم يكن في سياق مجرد محاضرة أكاديمية أمام أساتذة وطلاب جامعيين بل في سياق مشروع كبير أعلنت عنه ادارتها في شباط/فبراير 2004 وجندت له الكثير من الإمكانيات والجهود المادية والسياسية وحتى العسكرية. احتلال العراق نفسه مع كل الفوضى والمآسي التي انتجها يقع في هذا السياق.

وقد سال حبر كثير في تحليل مشروع “الشرق الأوسط الأكبر” ودمقرطة هذه المنطقة مترامية الاطراف وقيل كلام كثير فيه وصدرت تهديدات عن المحافظين الجدد في واشنطن تنذر بتغيير عدد من الانظمة الحليفة للولايات المتحدة ناهيك عن تلك المعادية لها في الشرق الأوسط.

وحتى الاعتداء “الإسرائيلي” الأخير على لبنان أرادت منه رايس، على ما صرحت به علانية، أن يكون بداية لولادة ولو قيصرية لهذا الشرق الأوسط المأمول. لكن فشل هذا العدوان في تحقيق مراميه أعاد السياسة الأمريكية إلى المربع الأول على ما يبدو. هذا هو المغزى الحقيقي لجولتها الشرق-أوسطية والتي بالغ المحللون في تقدير اهميتها. 

ولأن ادارة بوش لم تستمع إلى نصائح الأوروبيين والروس والامم المتحدة والعرب زعماء وأحزابا وجمعيات أهلية حول ضرورة ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية فإن مشروعها العتيد قد ولد ميتاً. ولأن رايس لا تحمل معها صلاحية الاستماع إلى نصائح العرب أنفسهم والروس والصينيين والعالم أجمعين والمائة وخمس وثلاثين شخصية دولية عامة، من رؤساء جمهورية ووزراء وأمناء عامين للامم المتحدة وحملة جوائز نوبل للسلام الذين وقعوا مؤخرا عريضة تنادي بحل الصراع العربي-”الإسرائيلي” ولأنها عجزت عن انتزاع أي تعهد من الحكومة “الإسرائيلية” للسير جدياً في طريق مثل هذا الحل، ولأن الرئيس بوش عشية انتخابات الكونجرس النصفية، قبل أن يصبح غداً عشية الانتخابات الرئاسية، يقف إلى يمين اليمين المتطرف “الإسرائيلي” في موقفه من هذا الصراع فإن نتائج جولة رايس سوف تقتصر على تحققها مجددا من كرم الضيافة العربي بعد أن تذوقت المزيد من الاطباق العربية التي ضاقت بها طاولات الاجتماعات مع مضيفيها العرب. وزير الخارجية المصري فضل كلمة “أصدقاء” على “حلفاء” التي استخدمتها رايس وفي ذلك الكثير من المعاني المضمرة. نظراؤه العرب أضفوا في خطاباتهم الكثير من النسبية غير المنسجمة تماما مع حماسة ضيوفهم للتحالف المأمول.

بعد عامين على إعلان مشروع “الشرق الأوسط الكبير” أو الاكبر الذي اعتبر تحولا استراتيجيا في تعاطي الولايات المتحدة مع أنظمة المنطقة، وبعد عام ونيف على محاضرتها في جامعة القاهرة لتسويق هذا المشروع ها هي وزيرة الدولة الاعظم تدفن مشروعها هذا في الرمال العربية. لقد أتت الانتخابات الديمقراطية بحماس وحزب الله إلى السلطة والمزيد منها قد يرفع المزيد من أعداء الولايات المتحدة إلى الحكم في غير بلد عربي. وبالتالي فلا بأس من اعادة النظر في سلم الأولويات. الأولوية اليوم هي لمواجهة الخطر الإيراني كما كانت لمواجهة الخطر العراقي وقبله السوفييتي.

أما “إسرائيل” فتستطيع الاحتفاظ بالجولان وعدم التفاوض مع السوريين كما نصحها الرئيس بوش علانية، وليستمر الخناق على الشعب الفلسطيني عقابا له على انتخاب حماس، وليرتفع العلم الكردي إلى جانب الأمريكي خلال زيارة رايس للبرزاني فالعراق العربي انتهى إلى غير رجعة. هذا ما يريده النافذون في الانتخابات الأمريكية التشريعية النصفية منها والرئاسية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات