الجمعة 27/سبتمبر/2024

التكافل الفلسطيني يشل الحصار

التكافل الفلسطيني يشل الحصار

ماذا يمكن أن يحصل على الساحة الفلسطينية فيما إذا تشكلت حكومة فلسطينية وفق الشروط الأمريكية، وسمى الفلسطينيون هذه الحكومة حكومة وحدة وطنية؟ هناك من يظن أن الأمر سينتهي عند فتح حنفية المال الغربي على الشعب الفلسطيني ويعود الشعب إلى سابق عهده من الاعتياش على ما يقدمه الغير. لا حنفية بلا مقابل، ولا يوجد إحسان على الساحة الدولية بدون شروط مفروضة، وخاب في النهاية من وضع لقمة خبزه بيد عدوه، أو بيد غيره. لم يفتح الغرب الحنفية إلا بعد أن قبلت منظمة التحرير الفلسطينية الشروط الغربية، ولضمان حسن سلوك الفلسطينيين، ربط الغرب الضفة والقطاع بالنظام المالي العالمي، وسيطر على تدفق الأموال العربية إلى فلسطين.

إذا كان للشعب الفلسطيني أن يقبل الآن الشروط الأمريكية مقابل فك الحصار المالي، فإنه يكون بذلك قد دخل منطقة المحرمات التي تتم فيها مقايضة الإرادة السياسية بالمال. حكومة قائمة على تلبيات المتطلبات الأجنبية تعني ربط إرادة الناخب الفلسطيني مستقبلا بإرادة الممول، وأن أي انتخابات فلسطينية قادمة لن يكون لها أي معنى ديمقراطي؛ وهي تعني أيضا أن الغير سيتعامل مع الشعب على أنه قابل للانهيار أو الركوع أمام الضغط المالي. هذا سيكون تطورا خطيرا من حيث أن الشعب الفلسطيني لم يركع أمام الضغط العسكري والأمني لكنه فعل ذلك أمام الضغط المالي مما سيؤثر بالمزيد على تناغم النسيجين الاجتماعي والأخلاقي للشعب.

إذن ما الحل؟ أنوه أولا إلى أن المستوى المعيشي-الاستهلاكي للشعب الفلسطيني لا يتناسب مع ظروف الاحتلال. من المتوقع، في ظل الاحتلال، أن يكون التقشف وتوظيف الأموال بهدف التحرير عنوانين أساسيين في ترتيب السلوك الاستهلاكي، وأن تكون فكرة الاعتماد على الذات ومن ثم على الأصدقاء أساس البناء الاقتصادي. ومن المتوقع أيضا أن تنمو تحت الاحتلال ثقافة التكافل والتضامن بخاصة إذا كان المجتمع مسلما.

وعليه أرى أنه من المهم اتخاذ الخطوات التالية إذا كان للفلسطينيين أن يحرصوا على إرادتهم السياسية:

أولا: لا بد من إعادة تأهيل السلوك الاستهلاكي في فلسطين، وأن يكون هناك تقدير للطعام الناتج عن عرق الجبين. هناك من كان معنيا بتحويل الشعب إلى متسولين معتمدين على الغير، وأعتقد أنه كان ينتظر اليوم الذي تؤتي فيها هذه السياسة أكلها فيتخلى الناس عن إرادتهم. الشعب الفلسطيني الآن يستهلك أكثر مما ينتج، وتم تعطيل الكثير من ورشه ومزارعه ومعامله، وأخذ حجم الاستيراد يتغذى على حجم الإنتاج. هذه مسألة تربوية تحتاج إلى وقت طويل، ولا تشكل إسعافا أوليا.

ثانيا: كإسعاف أولي، لا بد أن ينتهج الشعب منهجا تكافليا فيحمل الفلسطيني الفلسطيني في صبر ومثابرة ودأب وإصرار. في هذا السبيل، يتخلى كل فلسطيني يقبض راتبا الآن عن 20% من راتبه لصالح الميزانية العامة. هناك فلسطينيون يتقاضون راتبا مثل أساتذة الجامعات وموظفي المصارف والمؤسسات الخاصة والمنظمات غير الحكومية. ويقبل كل موظف حكومي الآن ب 80% من الراتب.

ثالثا: هناك أموال تجمعها وزارة المالية من الضرائب والرسوم المختلفة تصل شهريا إلى حوالي 35 مليون دولار، وهناك أموال يدفعها الاتحاد الأوروبي لوزارة الصحة. فإذا تجمعت هذه الأموال مع ما يتم جنيه من البند الثاني، فإنه بالإمكان دفع عجلة الحياة اليومية إلى الأمام.

رابعا: أمام الحكومة الفلسطينية أن تنشط الإنتاج الفلسطيني على حساب الاستيراد وذلك من خلال استهلاك السلعة المحلية، ومن المتوقع أن يقبل الفلسطيني وهو في ظل الاحتلال بسلعة أقل جودة. هناك معامل ومزارع تعطلت في عهد السلطة، ومن الممكن أن تستوعب آلاف العاطلين عن العمل إذا قرر الشعب شراء السلعة الفلسطينية على حساب السلعة الإسرائيلية أو الأجنبية. بهذا ترتفع قيمة الضرائب التي تجنيها الحكومة.

خامسا: تقوم الحكومة بجمع السيارات الرسمية والتي يبلغ عددها 8500، وتبيعها في المزاد العلني لأن الشعب الذي يبحث عن الحرية يقبل بالسير على الأقدام. الوزير والمدير ليسا وجيهين في ظل الاحتلال، وإنما قدوة للناس في التضحية والفداء. وتقوم الحكومة بالتخلي عن المباني المستأجرة حاليا لتستأجر مباني متواضعة تكلف القليل من المال. تلك المكاتب الفخمة والفاخرة والشقق السكنية الحكومية المرفهة تكلف الشعب الفلسطيني المال الكثير، وتكلفه كرامته وهو يتسول.

من السهل جدا أن يقف متفذلك ليقول إن هذه النقاط مثالية ولا يمكن تطبيقها. لا، هذه نقاط عملية، وإذا نفذ الشعب الفلسطيني جزءا منها فإنه يكون قد سطر ملحمة بطولية في مواجهة الحصار الدولي، وسيجبر هذا المجتمع على التراجع. أليس قادة فلسطين هم الذين طالما قالوا بأنهم يموتون ولا يركعون؟ وألم يقولوا للشعب “نموت واقفين ولن نركع”؟ وألسنا نحن العرب الذين دائما نقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم فضل أكل العشب في الشعب على التخلي عما كان يدعو إليه؟ هل نتذكر الله والرسول فقط في متسع الوقت، ونهرب عند الامتحان؟

من الملاحظ أن الذين يدعون الشعب الفلسطيني إلى قبول الشروط الغربية والاعتراف بإسرائيل لا يعرفون معنى الجوع والعطش.هم يتلقون الأموال والمساعدات، ويكفي ما يكرره الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته من أن أمريكا ستستمر في دعم فلسطينيين. ويبدو أن الدعوة إلى التخلي عن الإرادة السياسية والاعتراف بإسرائيل هي ثمن الحرص على المصالح الشخصية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات