الأربعاء 26/يونيو/2024

الوهم الذي بدده خطاب هنية !

لمى خاطر

 

حتى عهد قريب راهنت أطراف كثيرة محلية وإقليمية ودولية على النجاح في إحداث ثغرة انقسام في المواقف داخل الجسد الحمساوي، وقد كان هذا الرهان في بدايته رغبة جامحة لدى تلك الأطراف سرعان ما تحولت إلى وهم حسبوه يقيناً فعزفوا على وتره كثيراً وأثاروا حوله جلبة إعلامية كان لها مردود سيء على مخططهم الرامي إلى شق حماس وإحداث خلخلة أو حلحلة في منظومة الثوابت التي تنافح عنها الحركة وتكابد لأجلها الكثير من المشاق وخاصة في ظل احتفاظها بمبادئها حتى وهي في قلب النظام السياسي..

وحين عجزت إسرائيل والإدارة الأمريكية وحلفاؤهما عن دفع حماس للخضوع لمنطق الابتزاز العالمي لقاء تأمين وصول المال إلى حكومتها ورفع الحصار بأوجهه المتعددة عنها تفتقت الأذهان عن خطة جديدة كانت تبدو لأطراف الحصار كرهان أخير يمكنهم من النيل من حماس أو يشكل البداية لاختراق مواقفها وإحداث ثغرة في بنيتها التنظيمية التي لا تتيح – بشكلها الحالي – لوجود حالة من التباين في مواقف مستوياتها القيادية أو لإفراز مراكز أو قيادات فردية يسيرها مزاجها الخاص أو أجندتها الشخصية.

ولذلك ظنت أمريكا وحلفاؤها أن اللحظة باتت مواتية لشق حماس في ظل الحصار الخانق الذي تتعرض له حكومتها والذي رأوا أنه سينجح في إفراز مواقف داخل الحركة تؤمن بوجوب الاستجابة للمطالب الدولية في سبيل الخروج من الأزمة، وخاصة مع ارتفاع وتيرة الضغط الداخلي واتساع رقعة العصيان المدني وتحوله نحو منعطفات الصراع المسلح..

غير أن خطوات تنفيذ خطة الشقاق تلك كانت بائسة وباعثة على السخرية، إذ انبرت تصريحات أركان الإدارة الأمريكية بالتزامن مع تصريحات صهيونية وأخرى فلسطينية تعزف في وقت واحد على وتر الانقسام داخل حماس، حتى بلغ الغباء بوزيرة الخارجية الأمريكية أن صرحت بوضوح ودون مواربة أنها تراهن على إحداث انشقاق داخل حماس في سبيل حل الأزمة الداخلية الفلسطينية..!!

ولا شك أن تصريحاً من هذا الطراز كان كفيلاً بدفع أكثر العناصر حمائمية و(اعتدالاً) داخل حماس إلى التنبه لحقيقة المواقف الدولية ولحجم الخطر الكامن خلف التساوق مع الاشتراطات الدولية أو إبداء المرونة تجاهها، ذلك الخطر الذي سينسحب على حماس كتنظيم وعلى القضية برمتها على حد سواء..!

وقد خابت أطراف الحصار حين حسبت أن التغزل بمن تسميهم (الجناح المعتدل) داخل حماس كفيل بحمل هذا (الجناح) على الافتتان بمؤشرات الرضا الدولية، لأن ما يحدث حقيقة هو العكس (هذا في حال افترضنا وجود ذلك الجناح )، إذ لا يشرف أحداً من حماس أن يحظى في يوم من الأيام بإيماءة مديح من طرف أمريكا أو إسرائيل. فضلاً عن أن حماس لا تحركها المصالح أو المطامع الدنيوية التي تحرك غيرها، فنسيج الالتزام العقائدي والانتماء الوطني لديها – قيادات وأفراد – أمتن بكثير مما تظن أمريكا وحلفاؤها الذين لا تحكم أهواءهم ومخططاتهم ومواقفهم سوى عوامل مادية بحتة لا تتيح لهم ولن تتيح قطعاً إدراك أثر العامل المعنوي لدى التنظيمات العقائدية، ولذلك نجد أن كثيراً من تلك المخططات سرعان ما يحالفها فشل ذريع، وقد تنقلب على أصحابها فتحيق بهم من حيث لم يحتسبوا.

وهكذا فقد خرج الأخ المجاهد إسماعيل هنية في خطابه يوم الجمعة ليعيد الأمور إلى سياقها الصحيح وليقطع الطريق على كل من حسب أنه نجح بالاستفراد ببعض قيادات الحركة الواقعة تحت ضغط المطالب والحاجات اليومية للمواطنين وضغط الحصار الخانق الذي كبل أيدي الحكومة وحال بينها وبين إنجاز مشروعها الإصلاحي الذي وعدت به ناخبيها..

كانت جماهير غزة كما السياج المتين.. يحيط بخاصرة حماس.. فيحفظ للحركة أصالتها وصلابتها ونقاء مواقفها، ويؤكد لكل المراهنين على انقسامها أن جسدها واحد وأن لا مجال للاستفراد بمن تظنهم واشنطن حمائم وديعة يسهل تطويعها..

تكلم أبو العبد بكل وضوح وطالب عرابي المؤامرات الماكرة بأن يريحوا أنفسهم من عنائهم العبثي لأنه حتماً لن يؤدي إلى نتيجة.. فكانت كلماته – كما كان مشهد الجموع الغزية الزاحفة لبيعة الأحرار – صفعة مدوية أصابت الواهمين بالذهول وخلطت أوراقهم وأربكت مخططاتهم..!

ولذلك لا عجب أن نشهد تلك الردود المحمومة على خطاب أبي العبد، والتي هي في حقيقتها تعبر عن حجم الدوار الذي أحاق بمن حسبوا أن لحظة شرب أنخاب الانقسام الحمساوي باتت وشيكة، فإذا بالرياح تأتي بما لا تشتهي أنفسهم ليعودوا جميعاً إلى نقطة صفرهم من جديد !

وقد بات واضحاً أن محاولات جر حماس أو جزء منها إلى المربع التفريطي البائس قد منيت بانتكاسة كبيرة عقب هذا التمحور الحمساوي العلني الأخير حول ثوابت الحركة الأصيلة والتي هي ثوابت كل فلسطيني حر يأبى أن يكون أداة لأمريكا أو لإسرائيل لتنفيذ مشاريعهما في فلسطين بشكل خاص وفي المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.

ستظل حماس تبدد أوهام من يضمرون لها الشر واحداً تلو الآخر.. سيظل سلاحها الذي لن يستقيل عن مقارعة المحتلين رديفاً لخطابها العصي على التمزع أو ازدواجية اللهجات، وسيظل قادتها على تماس مباشر مع نبض جماهيرهم.. يحثونهم على الثبات ويقدمون قبلهم جهدهم ودمهم وأعمارهم ضريبة وفاء لمبادئهم..

 فأريحوا أنفسكم من عناء المكر والانتظار أيها المراهنون على انقسام حماس وعلى فت عضدها وسحق إرادتها، فأصحاب المبادئ الاصيلة والمواقف الصلبة باقون جسداً واحداً، وأنتم إلى اندثار بعد أن تنفك العقدة التي تتقاطع عندها مصالحكم، وهي ستنفك وستتشتت خيوطها تباعاً لا محالة لأنها عقِدت على باطل وعلى أساس المصالح غير المشروعة..!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني، 19 مواطنًا على الأقل، منهم والدة مطارد، خلال حملة دهم - فجر الأربعاء- في...